المرأة وإدارة الوقت في رمضان

منذ 2022-03-30

كثيرًا ما تمنَّى المرء أنْ تُعَاوده لحظات حياته التي تسرَّبت من بين يديه بدَدًا دون أن ينتفع بها، ويملأَها بخير يعود عليه في دينه أو حتَّى في دنياه، ويأتي رمضان كمِنْحة ربَّانية لكلِّ مسلم على وجه البسيطة؛ كي يمنحَه فرصة ثانية لحياته

كثيرًا ما تمنَّى المرء أنْ تُعَاوده لحظات حياته التي تسرَّبت من بين يديه بدَدًا دون أن ينتفع بها، ويملأَها بخير يعود عليه في دينه أو حتَّى في دنياه، وكثيرًا ما تمنَّى أن تُتَاح له فرصة جديدة يتخلَّص فيها من الضغوط التي تحاصر رُوحه، وسلاسل المادَّة التي تقيِّد تفكيره، وتشغله عن الحقائق الكبرى في حياته.

 

ويأتي رمضان كمِنْحة ربَّانية لكلِّ مسلم على وجه البسيطة؛ كي يمنحَه فرصة ثانية لحياته؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «كلُّ عمل ابنِ آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عزَّ وجلَّ -: إلا الصيام فإنه لي وأنا أَجْزِي به، إنَّه ترك شهْوتَه وطعامه وشرابه مِن أجْلي، للصائم فرْحتان: فرْحةٌ عند فِطْره، وفرْحة عند لقاء ربِّه، ولَخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»؛ (رواه مسْلم).

 

فالحسنات تُضاعَف كمًّا وكيفًا؛ لتجْبر النَّقص في الأيَّام السالفة، بل إنَّ هناك ليلةً واحدةً في هذا الشَّهر الكريم تَعْدِل عمرًا، أعْني ليلة القدر التي تعْدل عبادةً تزيد عن الثمانين عامًا.

 

ومع الصِّيام تسْمو النَّفْس وتشْرق وتفكِّر في معالي الأمور دون سفاسفها، فإذا خلا الإنسان بنفسه ليلاً، فقام يناجي ربَّه ويتبتَّل إليه، استطاع تجاوُزَ أغلال المادَّة التي تحاصره وتخنقه، فيتذوَّق قلبُه حلاوة الإيمان؛ {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6].

 

وتمامًا  يَمنح رمضانُ المرأةَ المسلمة – كما يمنح الرجل - فرصةً جديدة لإعادة اكتشاف الذَّات، ولكن ثمَّة منغِّصات قد تقلِّل هذه الفرصة إلى حدِّها الأدنى، وربَّما تُلغيها تمامًا.

 

بعض هذه المنغِّصات عبارة عن عادات اجتماعيَّة ارْتبطت بشهر الصيام، وعلى سبيل المثال إذا كان إفْطار الصَّائمين خلُقًا كريمًا حثَّ عليه الشرع، إلاَّ أنَّ العادات حوَّلته إلى مهرجان تتنافس فيه البيوت لتقديم أفْخم الولائم، متعدِّدة الأصناف والألوان، فتقضي المِسْكينة يومها في المطبخ وتقول: نحن نفطِّر صائمين، وربما مرَّت عليها الصَّلاة المكتوبة فأجَّلتْها حتَّى آخِر وقْتِها، وبعضهنَّ تَفُوتها الصلاة نهائيًّا، وهي عاكفة في مطبخها.

 

ثم يُوضع الطعام بطريقة التقديم الغربيَّة، فتقوم المسكينة لَيلَها تنظِّف الأطباق والآنية المتَّسخة، ثم لا تستطيع الصلاة فتَنام، وبعض الأُسَر التي تتزاور يَسْمر أهلُها، فيذهب الرجال لصلاة التراويح وتبقى النساء في المنزل يمارسْنَ هواية الثَّرْثرة التي لا تَخْلو من غيبة!

 

أما في وقت السَّحَر وقْت استجابة الدعاء، فنَجِد هذه المسكينة واقفة تعدُّ الطعامَ الشَّهِيَّ، وهكذا تمر عليها أيامُ وليالي رمضان.

 

فإذا دخلَت العشرُ الأواخِر وترقَّب المسلمون ليلة القدْر، نَجد بعض النساء يَقُمن بعمليَّة التنظيف السَّنوية؛ انتظارًا للعيد، ويقمن بالليل بالتسوُّق من أجل حاجات العيد ثم عمل الكعك والحلوى.

 

فأيُّ رمضان هذا الذي تعيشه بعضُ النساء؟ وأي أيام يغتنمْنَها؟ وأي فُرَص عظيمة تَضِيع عليهن؟

والبعض الآخَر نساء مجتَهِدات يعْرِفن جيِّدًا ماذا يَعني رمضان، ويُرْدِن اغتنام أيامه ولياليه، بل ولحظاته، ولكنَّهن لديهنَّ أطفال صغار، أو يعشْنَ في عائلات كبيرة ولا بدَّ من الولائم، أو لديهنَّ أعمال مُهمَّة لا بد من الخروج لها، أو طالبات علْم أو.. أو.. فكيف يغْتنمن رمضانَ مع ما عليهنَّ من مسؤوليات ليست بالسهلة؟

 

فإلَى هؤلاء أوجِّه حديثي، وبالطبع لا يستطيع أيُّ إنسان أنْ يقدِّم جدولاً تفصيليًّا لأيِّ إنسان آخَر؛ لأنَّ لكلِّ إنسان ظروفَه وملابساتِ حياته الخاصة، ولكنْ ثَمَّة خطوط عريضة يمكن الاسترشاد بها، فمن ذلك:

♦ استعيني بالله - تعالى - وألِحِّي في الدعاء أنْ يبارك الله لكِ في وقْتِك، ويُعِينك على مهامِّك ومسؤولياتك، ويوفِّقَك إلى صيام رمضان وقيام رمضان، وتيقَّنِي أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يقدِّر الليل والنهار، وأنَّه بكرمه وجُوده سيُبارك الوقت ويعينك على مسؤولياتك.

 

♦ قلِّلي قدْرَ ما تستطيعين من طعامك، احْصلي على غذاء متوازن ومفيد، ولكنْ بكمِّية بسيطة؛ حتَّى لا تَشعري بالثقل، وتقل حاجتك إلى النوم، وفي الأثَر: مَن أكل كثيرًا شَرب كثيرًا؛ نام كثيرًا؛ خَسِر كثيرًا.

 

♦ إذا كان لديك أطفال صغار فاحْرصي على أن توقظيهم مبكِّرًا، ولا تجعليهم ينامون أثناء النهار؛ إلاَّ الرُّضَّع، ولا تجعلي المدَّة تَزِيد عن نصف الساعة؛ حتَّى يناموا مبكِّرًا، فتغتنمي فترة الليل في القيام وقراءة القرآن، واعْلمي أنَّ صلاتك في بيتك خير لك، وبإخلاصك تستطيعين جعلها أكثر خشوعًا.

 

♦ درِّبي أولادك على اللَّعب بعض الوقت سويًّا، ودُون وجودِك المباشِر، وإذا كانوا في سنٍّ مناسبة فأرسليهم إلى دار التحفيظ؛ فيستفيدوا، ويكون لديك وقْتٌ أكبر للعبادة.

 

♦ اجتهدي أن تقومي بكلِّ واجباتك المنزلية أثناء اسْتيقاظ الأولاد؛ حتَّى تستغلِّي مدَّة نومهم في العبادة.

 

♦ اجْعلي هناك وقْتًا مخصَّصًا للأولاد كلَّ يوم تشْرحين لهم فيه آيةً أو حديثًا.

 

♦ قومي بعملية التنظيف السَّنوية العميقة قبْل رمضان؛ بحيث تنتهين قبل رمضان بيوم أو اثْنين؛ حتَّى لا تبدَئِي الصيام وأنت منْهَكة.

 

♦ اجْعلي فترة الظهيرة للطَّهْي، واتْركي اللَّمسات النهائية فقط إلى ما قَبْل المغرب بربع الساعة؛ حتَّى تستفيدي من مدَّة ما بعد العصر حين يتعاقب ملائكة اللَّيل والنهار للقرآن والذِّكْر.

 

♦ الإسراف في الطعام أمْر مكروه، وهو أشدُّ كراهةً في شهر الصيام، فلا تقَعِي في هذا الفخِّ، واجعلي نفْسَك وأسرتك قدوةً.

 

♦ قومي بتفطير الصائمين بوجبات سهلة ومفيدة، طبق رئيس واحد يكفي، وذكِّري الناس بطعام صحابة رسول الله كيف كان.

 

♦ قومي بتقديم الطعام على الطريقة العربية لا الغربية، وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأكل هو وأصحابه من إناءٍ واحد، وله وصايا وتوجيهات في آداب تناولها: «يا غلام، سَمِّ الله وكُلْ بيمينك، وكل ممَّا يليك»؛ (متفق عليه)، فبالإضافة إلى التأسِّي بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأنت توفِّرين وقت تنظيف الآنية، وتوفِّرين الماء والمسحوق، وبذلك تَلتزمين بِهَدْي الدين في الاقْتصاد في الموارد، وتستفيدين بالوقت والجهد في العبادة.

 

♦ حاولي أن تفوِّضي بعض مهامك للآخَرين، ولا تقلِّلي من جهد الآخرين أبدًا، فحتَّى الأطفال الصغارُ يستطيعون ترتيب أَسِرَّتهم، وجمع لعبهم، ورفع الأطباق من على المائدة.

 

♦ إذا وُجدْتِ في تجمُّع نسائي فاستغلِّي الفرصة في الدَّعوة إلى الله، وشحْذ الهمم الإيمانية.

__________________________________________________

الكاتب: فاطمة عبدالرؤوف

  • 4
  • 0
  • 1,354

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً