خير الناس وأفضلهم من تعلم القرآن وعلمه
إنَّ تعلم القرآن العظيم والقيام بتعليمه وبيان معانيه وأحكامه للناس من أفضل الأعمال وأجلِّ القرب، يحظى متعلِّمه ومعلِّمه بالخير والفضل في الدنيا والآخرة، وقد وردت أحاديث كثيرة تحض على تعلم القرآن وتعليمه؛ لأنه كلام الله تعالى، فكان خير الناس بعد الأنبياء مَنْ اشتغل به.
إنَّ تعلم القرآن العظيم والقيام بتعليمه وبيان معانيه وأحكامه للناس من أفضل الأعمال وأجلِّ القرب، يحظى متعلِّمه ومعلِّمه بالخير والفضل في الدنيا والآخرة، وقد وردت أحاديث كثيرة تحض على تعلم القرآن وتعليمه؛ لأنه كلام الله تعالى، فكان خير الناس بعد الأنبياء مَنْ اشتغل به.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ» [1]. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ» [2]. «وقد سُئلَ الثوري عن الجِهادِ وإِقراءِ القرآن[3]، فرجَّحَ الثاني واحْتَجَّ بهذا الحديث»[4][5].
فهذه شهادةُ حَقٍّ لأهل القرآن بأنهم خيرُ النَّاس وأفضلُهم، فلم يقل خيركم أو أفضلكم أكثركم مالاً أو أولاداً، ولا أوسعكم عقاراً أو نحو ذلك من حطام الدنيا الزائل.
وهذه هي صفات المؤمنين الصادقين المُتَّبعين للرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهم يحرصون على تعلم القرآن وتزكية نفوسهم به، كما يحرصون على تعليم الآخرين وإرشادهم لهديه والدعوة إليه فيكون نفعاً متعدياً.
«ولا شكَّ أن الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مكمِّل لنفسه ولغيره، جامع بين النَّفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل، وهو من جملة مَنْ عنى سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]. والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام: 157]»[6].
وخير الناس وأفضلهم مَنْ تعلَّم القرآن حقَّ تعلُّمه، وعلَّمه حقَّ تعليمه، ولا يُتَمَكَّنُ من هذا إلاَّ بالإحاطة بالعلوم الشرعية أصولها وفروعها، ومِثْلُ هذا الإنسان يُعَدُّ كاملاً لنفسه مكمِّلاً لغيره فهو أفضل المؤمنين مطلقاً، وقد ورد عن عيسى عليه الصلاة والسلام: «من عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ يُدعى في الملكوت عظيماً» والفرد الأكمل من هذا الجنس هو النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم الأشبه فالأشبه[7].
قال القرطبي رحمه الله: «قال العلماء: تعليم القرآن أفضل الأعمال؛ لأن فيه إعانةً على الدِّين، فهو كتلقين الكافر الشَّهادةَ لِيُسْلِمَ»[8]. وبعض أهل العلم حَمَلَ الحديثين بخير الناس وأفضلهم باعتبار التَّعلم والتَّعليم: قال الطِّيبي: «أي: خير الناس باعتبار التعلم والتعليم مَنْ تعلَّم القرآن وعلَّمه»[9].
معنى التَّعلُّم والتَّعليم:
«تعلَّمُ القرآنِ وتعليمُهُ يتناولُ تعلُّمَ حروفه وتعليمَها، وتعلُّمَ معانيه وتعليمَها، وهو أشرَفُ قِسْمَيْ تعلُّمه وتعليمه؛ فإنَّ المعنى هو المقصودُ، واللفظُ وسيلةٌ إليه، فتعلُّمُ المعنى وتعليمُهُ الغايَةِ وتَعليمها، وتعلُّمُ اللفظ المُجَرَّدِ وتعلِيمُهُ تعلُّمُ الوسائلِ وتعليمُها، وبينهما كما بينَ الغاياتِ والوسائلِ»[10].
وهنا مسألتان: أَوْرَدَهُما الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث:
(المسألة الأولى): «فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المُقرئ أفضلَ من الفقيه. قلنا: لا؛ لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاءَ النفوس؛ لأنهم كانوا أهل اللِّسان، فكانوا يدرون معاني القرآن بالسَّليقة أكثر مما يدريها مَنْ بعدهم بالاكتساب، فكان الفقهُ لهم سجية، فَمَنْ كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا مَنْ كان قارئاً أو مُقرئاً محضاً لا يفهم شيئاً من معاني ما يَقرؤه أو يُقرئه»[11].
(المسألة الثانية): «فإن قيل: فليزم أن يكون المقرئ أفضلَ ممن هو أعظم غناءً في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً. قلنا: حرفُ المسألة يدور على النفع المتعدي، فَمَنْ كان حصوله عنده أكثر كان أفضل، فلعل «مِنْ» مَضمرة في الخبر، ولا بد مع ذلك مِنْ مراعاة الإخلاص في كل صنف منهم. ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أُطلقت لكنها مقيَّدة بناس مخصوصين خَوطبوا بذلك كان اللائق بحالهم ذلك، أو المراد خير المتعلِّمين مَنْ يُعلِّم غيرَه لا مَنْ يقتصر على نفسه، أو المراد مراعاة الحيثية؛ لأن القرآن خير الكلام فمتعلِّمه خَيرٌ مِنْ مُتعلِّمِ غيرهِ بالنسبة إلى خَيريَّة القرآن، وَكَيْفَما كان فهو مخصوص بِمَنْ عَلَّم وتَعلَّم بحيث يكون قد عَلِمَ ما يجبُ عليه عَيْناً»[12].
وقد أدرك السَّلف الصَّالح هذه الخيرية والأفضلية التي يتميز بها معلِّم القرآن ومتعلِّمه، فحرصوا على بلوغها: فعن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ قال: وَأَقْرَأَ أبو عَبْدِ الرَّحْمنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كانَ الحَجَّاجُ، قالَ أبو عَبْدِ الرحمنِ الَسُّلَمِي: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدي هَذَا[13]. ويتبيَّن من الأثر أنَّ (أبا عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السُّلَمي)، عَلَّمَ الناسَ القرآنَ في مسجد الكوفة أربعين سنة، فقد بدأ يعلم القرآن في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أيام الحجَّاج، وهو الذي روى عن عثمان حديث: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ»[14].
ومعنى قول أبي عبد الرحمن السُّلَمي: «وذَاكَ الذي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هذا» ؛ «أي: أَنَّ الحديثَ الذي حَدَّث به عثمانُ في أفضلية مَنْ تعلَّم القرآنَ وعلَّمه حمل أبا عبد الرحمن أَنْ قَعَدَ يُعلِّمُ الناسَ القرآنَ لتحصيل تلك الفضيلة»[15]. ومن أجل ذلك أثنى عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله ودعا له بالخير فقال: «رحمه الله وأثابه، وآتاه ما طَلَبَه ورامَهُ، آمين»[16].
وَمِثلُه أيضاً: (الإمام المُقرئ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم المدني) أحد القراء السَّبعة، فقد أقرأَ الناسَ دهراً طويلاً يزيد عن سبعين سنة ؛ لأنه ممن طال عمره [17].
وكذلك: (الإمام أبو منصور الخَيَّاط البغدادي) تخرَّج على يديه عدد كبير من قُرَّاء القرآن، وقد وصفه الإمام الذهبي رحمه الله بقوله: «جلس لتعليم كتاب الله دهراً، وتلا عليه أمم»[18].
وقد لَقَّنَ العميانَ دهراً لله، وكان يُنفق عليهم، حتى بلغ عدد مَنْ أقرأهم مِنَ العميان سبعين نَفْساً. قال الإمام الذهبي: «ومَنْ لَقَّنَ القرآنَ لسبعين ضريراً، فقد عمل خيراً كثيراً»[19]. «قال السَّمعاني: رُؤيَ بعدَ مَوتِه: فقال: غَفَرَ اللهُ لي بتعليمي الصِّبيانَ الفاتحة»[20].
[1] رواه البخاري، (3/ 1620)، (ح5027).
[2] رواه البخاري، (3/ 1620)، (ح5028).
[3] أي: تعليمه للناس.
[4] فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 97).
[5] كلام الإمام سفيان الثوري رحمه الله ينسحب على الجهاد غير المُتَعَيَّن، أما إذا انتهكت حرمات المسلمين وتَعَيَّنَ الجهادُ قُدِّم على إِقراءِ القرآن.
[6] المصدر نفسه (9/ 96).
[7] انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 229).
[8] التذكار في أفضل الأذكار (ص144).
[9] عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/ 229).
[10]مفتاح دار السعادة (1/ 74).
[11] فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 96).
[12] المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
[13] رواه البخاري، (3/ 1620)، (ح5027).
[14] المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
[15] فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 97).
[16] فضائل القرآن (ص207).
[17] انظر: معرفة القراء الكبار، للذهبي (ص64).
[18] سير أعلام النبلاء (19/ 222).
[19] المصدر نفسه (19/ 223).
[20] سير أعلام النبلاء (19/ 224).
- التصنيف: