الأسماء الحسنى الحديث الثاني
ومهما ضعفت نفسك وفترت قوتك وخبى عزمك فهو معك لا يمل منك يثيبك على القليل ويغفر الكثير حتى تعود وتنشط وهكذا في ديمومة حتى تلقاه
«عَنْ عَائشَةَ - رَضْيَ اللهُ عنها - أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَلَ عليها وعندَها امرأةٌ قال: «مَنْ هذه؟»قالت: هذه فُلانةٌ، تذْكرُ مِنْ صَلاتِها، قال: «مَهْ»، عليكم بِما تُطِيقونَ، فوَ اللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حتَّى َتملُّوا»
[الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه | الصفحة أو الرقم : 3435 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ]
لعل في هذا الحديث ليس ثمة اسم لله تعالى أو صفة وإن كان بعض العلماء قد قال بإثبات صفة الملل لله تعالى مع اعتبار طبعا أنه ليس كملل المخلوقين، غير أننا نتأمل هنا جواب النبي صلى الله عليه وسلم وتعليقه على الفعل الوارد في الحديث وفق علمه صلى الله عليه وسلم بربه لنستخرج معا بعض المعاني التي تضئ لنا طريق السير إلى الله عز وجل على وفق مراده سبحانه ومرضاته وبما يعلم سبحانه من حقيقة حال العبد في كل لحظة من معاشه.
أولا: لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضى الله عنها عن تلك المرأة فأخذت تقص عليه ما يدل على كثرة تعبد تلك المرأة والسياق ينبئ عن أنها تلزم نفسها به إلزاما يكاد يشق على النفس فنرى عندها أول رد للنبي صلى الله عليه وسلم بكلمة تدل على الزجر والنهي وعدم الرضا فنرى هنا ملمحا شرعيا مهما وهو ألا يكلف المرء نفسه ما لا يطيق وألا تأخذه الحماسة لإلزام نفسه بنوع وقدر دائم بعينه من العبادة ثم ما يلبث أن ينقطع عن الأداء والاستمرار عليه فما قل ودام خير لك وأسلم.
ثانيا: نرى فيه رحمة الله عز وجل بخلقه مع علمه بأصالة الضعف في تكوينهم فلا تأخذك الحماسة لإلزام نفسك بفعل شاق بعينه تتقرب به إلى الله لا يكون مراعيا لحال هذا الضعف المتأصل فيك وهذا التقلب الدائم الذي تموج به نفسك وتتقلب معه من حال إلى حال. فلتجعل سبيل عبوديتك للخالق وطريق سيرك فيه بكونك هذا العبد الضعيف الذي لا يثبت على طاعة إلا بتثبيته سبحانه ولا يوفق لخير إلا بتوفيق عز وجل فتجتهد ما استطعت في أوقات صفوك ونشاط نفسك عبودية له سبحانه ثم لتهدأ وتفتر في أوقات تعبك وعجزك أيضا عبودية له سبحانه فيحميك هذا التوازن الذي لا ينفك عن دائرة العببودية من التطرف يمنة ويسرة ومن التهاوي بين الملمات والأحداث من جهة وبين حبائل الشيطان ووساوسه من جهة أخرى
ثالثا: كأن في معنى "لا يمل حتى تملوا" تطمينا لعبده الضعيف الذي قد يرى أعماله أحيانا قليلة وزاده ضعيف بل ويجد نفسه أحيانا منحبسا في دائرة الفتور فلا يكاد يلتزم إلا بالواجبات، ففي تلك الحالة يطمئنك أنه لا يمل منك أبدا فجميع ما تفعله مهما قل لن يضيعه وإنما سيجازيك به كلما جاهدت في فعله
مهما صعدت همتك وعلى عزمك فهو معك، لا يمل منك، يثبتك ويجازيك
ومهما ضعفت نفسك وفترت قوتك وخبى عزمك فهو معك لا يمل منك يثيبك على القليل ويغفر الكثير حتى تعود وتنشط وهكذا في ديمومة حتى تلقاه
رابعا: هناك معنى خاص، لعل كثيرا منا قد عايشه في رحلة سيره إلى الله قد وقع في قلبي حال تأملي لمعنى "لا يمل حتى تملوا" وهو أنه قد يجد المرء نفسه يوما في بلاء معين وقد حصل في هذا البلاء معنى إيمانيا معينا بفضل تثبيت الله له ورزقه إياه أو أنه مثلا قد يتحمس لتبني معنى إيمانيا تلقاه عن شيخ أو معلم رباني فيحصل أن يجد الإنسان نفسه ومع نجاحه في تخطي البلاء أو بعد اعتقاده أنه مصدق للمعنى الإيماني الذي تلقاه يظل يذكر أنه حصل تلك المعاني الإيمانية وأنه سيظل يتعبد لله تعالى بها دوما بثبات لا يتغير وذلك مثل معاني التوكل التام أو الصبر على البلاء أو أنه لن يرى في البلاء أو الأذي الذي يحصل له، لن يرى الشخص الذي سبب له الأذى مثلا وإنما سيرى فقط جريان قدر الله تعالى عليه من خلال هذا الشخص فلن يدعو على أحد وسيسامح كل أحد مهما فعل- وهو حينها صادق بالفعل- ولكن يعلمك الله تعالى ألا تدعي وتلزم نفسك بالديمومة على فعل أو شعور بعينه لأن نفسك ليست بيدك وإيمانك يزيد وينقص فيطمئنك أنك بدلا من أن تصدق هذا الادعاء والإلزام والثبات عليه في حين تفاجئك نفسك بالعجز عن ذلك في مواقف أخرى، فيعلمك أن رحمة الله أوسع لك فلا تقسو على نفسك ولا تضمن الديمومة على حال فالأسلم لك أن تظل عبدا ضعيفا مرتديا رداء العبودية لا توقن بنفسك ولا تثق إلا برحمة الله بك، بمن وعدك أن يقبلك دوما على كل حال لك "لا يمل حتى تملوا"
- التصنيف: