مواعظ القرآن الكريم أعظم المواعظ
إن مواعظ القرآن العظيم لتذيب الحديد, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: إن مواعظ القرآن تذيب الحديد, إن في القرآن ما يلين الجلاميد, لو فهمه الصخر كان به يميد, إنه للقلوب النيرة كل يوم به عيد, غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالقرآن الكريم كلام رب العالمين, شفاء لجميع أمراض الشبهات والشهوات لمن وفقه الله عز وجل للاستشفاء به والانتفاع بمواعظه, قال الله جل وعلا{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [يونس:57] قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: " الموعظة " القرآن, لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف, ويزجرُ, ويرقًق, ويُوعد, ويَعد, وهذه صفة الكتاب العزيز
والوعظ كما يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله: زجر مقترن بتخويف, قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب. ويقول الإمام الشوكاني, رحمه الله: هو التذكير بالعواقب سواء كان بالترغيب أو الترهيب.
والغاية من الموعظة صلاح العبد, قال الإمام السمعاني رحمه الله: الموعظة: قول على طريق العلم يؤدي إلى صلاح العباد.
فالمسلم يحتاج إلى الموعظة من أجل تزكية نفسه واستقامتها, ومهما استمع إلى مواعظ بليغة, فلن يجد موعظة أبلغ من القرآن, قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله: ووصفها بـــــ ﴿ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ للتنبيه على أنها بالغة غاية كمال أمثالها.
فمواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق, قال الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله: لا أرى أعظم من مواعظ القرآن, قد ذُكر أن رجلاً طلب من أخ له موعظة, فسأله هل أنت تقرأ القرآن ؟ فقال: نعم, فقال: إن لم يعظك القرآن ما وعظك غيره.
وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق.
فينبغي الانتفاع بمواعظ القرآن العظيمة, والاعتبار والاتعاظ بها, قال الإمام الطبري رحمه الله: قد حثَّ الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات. بقوله جل ذكره : {ولَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:27_28] وما أشبه ذلك من آي القرآن, التي أمر الله عباده, وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن،, والاتعاظ بمواعظه.
ومواعظ القرآن الكريم فيها الشفاء لأمراض القلوب من الشبهات والشهوات, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: فمواعظ القرآن لأمراض القلوب شافية, وأدلة القرآن لطلب الهدى كافية, أين السالكون طريق السلامة, والعافية.
ومواعظ القرآن الكريم تُلين القلوب, قال عز وجل: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس:61] قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل من السماء إلى الأرض واعظاً أكبر, ولا زاجراً أعظم ما تضمنته هذه الآيات الكريمة وأمثالها في القرآن, من أنه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه, رقيب عليهم, ليس بغائب عما يفعلون,....فإذا لا حظ الإنسان الضعيف أن ربه جل وعلا ليس بغائب عنه, وأنه مطلع على كل ما يقول وما يفعل وما ينوي لان قلبه, وخشي الله تعالى, وأحسن عمله لله جلا وعلا.
ومواعظ القرآن العظيم تجعل العبد يقدم مراد الله عز وجل على مراد نفسه وهواها, قال العلامة السعدي رحمه الله: القرآن....فيه من المواعظ, والترغيب والترهيب, والوعد والوعيد, مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة, وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير, والرهبة عن الشر, ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن, أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس, وصار ما يرضى الله, أحبّ إلى العبد من شهوة نفسه.
ومواعظ القرآن الكريم فيها زجر للنفوس عن ارتكاب الذنوب, وتحريض على عمل الصالحات, قال الإمام جمال الدين القاسمي رحمه الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أي: تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد, والإنذار والبشارة, والزجر عن الذنوب المورطة في العقاب, والتحريض على الأعمال الموجبة للثواب, لتعملوا على الخوف والرجاء.
إن مواعظ القرآن العظيم لتذيب الحديد, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: إن مواعظ القرآن تذيب الحديد, إن في القرآن ما يلين الجلاميد, لو فهمه الصخر كان به يميد, إنه للقلوب النيرة كل يوم به عيد, غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد.
إن بعض المسلمين لا يستفيدون من مواعظ القرآن, لأنهم يقرأون القرآن وقلوبهم عليها أغطية الشبهات والشهوات, قال الإمام ابن القيم رحمه الله: لقد شفت مواعظ القرآن لو وافقت قلوباً من غيها خالية, ولكن عصفت على القلوب أهويةُ الشبهات والشهوات فأطفأت مصابيحها, وتمكنت منها أيدي الغفلة والجهالة, فأغلقت أبواب رشدها وأضاعت مفاتيحها, وران عليها كسبها فلم ينفع فيها الكلام, وسكرت بشهوات الغي وشبهات الباطل فلم تُصغِ بعده إلى الملام, ووُعظت بمواعظ أنكى فيها من الأسنة والسِّهام, ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة, وأسر الهوى والشهوة.
إن من رام الاستفادة من مواعظ القرآن فعليه أن يجاهد نفسه في إحضار قلبه عند تلاوة القرآن, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إذا أردت الانتفاع بالقرآن, فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, وألقِ سمعك, واحضر حضور من يخاطبه من تكلم به سبحانه منه إليه, فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وليحرص على تحقيق التقوى في جميع أقواله وأفعاله, فالمتقين هم الذين ينتفعون بمواعظ القرآن قال الله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة:65_66] قال العلامة العثيمين رحمه الله: من فوائد الآيتين: أن من فوائد التقوى _ وما أكثر فوائدها_ أن المتقي يتعظ بآيات الله سبحانه وتعالى الكونية والشرعية.
نسأل الله الكريم أن نكون ممن ينتفعون بمواعظ القرآن, ويعملون بها.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: