ختام رمضان والسعي إلى حسن الختام

منذ 2022-04-27

رحمة ً من الله تعالى شرع لنا ربنا فى ختام رمضان ما يسد به خلل صيامنا وما يمحو به آثار هفواتنا وزلاتنا شرع لنا فى ختام رمضان صدقة الفطر.

أيها الإخوة الكرام: يعيشُ الناسُ في هذه الحياة ما كَتب اللهُ لهم من الأعوام والشهور والأيام، ثم يغادرون، ثم يذهبون، ثم يرتحلون عن هذه الحياة {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } .

هذا أمر مفروغ منه لن يفلت منه غني ولا فقير ولا قوي ولا ضعيف ولا صغير ولا كبير {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } .

لكن ينبغي على العاقل أن يسعى لختام حياته بخاتمة حسنة، تبيض وجهه يوم يلقى الله تعالى..

أن يوفق لعمل صالح فيقبض عليه.. ذلك أن الأعمال بخواتيمها وأن المرء يبعث على ما مات عليه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام

حسن الخاتمة هو أمل الصالحين  {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

حسن الختام هو غاية المؤمنين{ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ }

رجاء حسن الختام: هو دعوة الأنبياء والمرسلين قال يوسف عليه السلام {رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ

أحد أقوى أسباب حسن الخاتمة: أن يكون آخر كلامك لا إله إلا الله محمد رسول الله قَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة "

أحد أقوى أسباب حسن الخاتمة:تعيش مخلصا لله رب العالمين، أن تبقى صادق النيةِ تقيا نقيا قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

ومن أسباب حسن الخاتمة أن تلزم العمل الصالح ما أمكنك:

أقم الصلاة، تصدق، كل من حلال، ابذل المعروف صل ارحامك، بر والديك، أحسن إلى جارك وكف عن الناس أذاك فكلها أعمال صالحة وخواتيم حسنة لمن ثبت عليها ولقي الله تعالى بها وفي البيان النبوي لهذا المعنى قال النبي عليه الصلاة والسلام "لا عليكم ألا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زمانا من عمره -أو قال برهة من دهره- بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالح وإذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعملَه قبل موته، فقيل: كيف يستعملُه يا رسولَ اللهِ؟ قال: يوفِّقُه لعمَلٍ صالحٍ قبلَ الموتِ".

وفي التنزيل الحكيم { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ

المؤمن لا يهاب الموت، المؤمن يحب لقاء الله تعالى لما حضرت بلال بن رباح الوفاة بكت إحدى بناته وقالت وا مصيبتاه فقال رضي الله عنه بل وا فرحتاه غدا نلق الأحبة محمد صلى الله عليه وسلّم وصحبه..

إيمان المؤمن ، صلاح نيته، عمله الصالح، حسن ظنه بالله تعالي يمنى نفسه بلقاء الله تعالى وهو عنه راض غير غضبان..

قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه:

أسندت النبي صلى الله عليه وسلّم إلى صدري فقال:

 «من قال لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنة، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة» 

ورد في الصحيحين عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» 

«قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها يا رسول الله إِنَّا لَنَكْرَهُ الموت؟!! فقَالَ عليه الصلاة والسلام : (لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَه)»

رقد الشافعي رحمه الله على فراش الموت فجعل يرجو رحمة الله ويعلن حاجته إلى عفوه وغفرانه

دخل المزني علي الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه.

فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟!

فقال الشافعي: أصبحت من الدنيا راحلا، و للإخوان مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، و لكأس المنية شاربا، و على الله واردا، و لا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها، ثم أنشأ يقول:

و لما قسا قلبي و ضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي نحو عفوك سلما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما

فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل *** تجود و تعفو منة و تكرما..

ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن من ظهر عليه شيء من علامات حسن الخاتمة بأن مات محرما أو مات ساجدا أو مات والمصحف بين يديه او مات في ساحة الجهاد..

لا يلزم من ذلك الجزم له بأنه من أهل الجنة وإنما يستبشر له فقط أنه بإذن الله من أهلها، وقد ورد أن غلاما لرسول الله قتل يوم خيبر بسهم طائش فقيل هنيئا له الجنة فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها من الغنائم لتشتعل عليه الآن نارا ..

كما أن من مات مقتولا أو محروقا أو مدهوسا لا يلزم الحكم عليه بأنه كان غير صالح أو أنه قد ختم له بخاتمة سيئة، فمن الأنبياء من مات مقتولا ومن الأنبياء من نشر بالمناشير وهم صفوة الله تعالى من خلقه..

قل إن الأمر كله لله، الله تعالي وحده يدري ونحن لا ندري، والله وحده يعلم وأنتم لا تعلمون ، الله تعالى وحده يعلم المفسد من المصلح..

يا ربِ إن عَظُمتْ ذنوبي كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوكَ أعظمُ..إن كانَ لا يرجوكَ إلا مُحسنٌ..فمن ذا الذي يدعو ويرجو المجرمُ..أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً..فإذا رددتَ يدي فمنْ ذا يرحمُ..مالي إليكَ وسيلةً إلا الرجاء..وجميل عفوك ثم إني مسلمُ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها...

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة الكرام: بقي لنا في ختام الحديث عن حسن الخاتمة أن نقول:

يأتي الحديث اليوم عن حسن الخاتمة لأننا على بعد خطوات من ختام رمضان..

فنود أن نختمه على خير نود أن نختمه ونحن على نفس الدرجة من الإقبال ومن علو الهمة، ألا يمر علينا وقت إلا ونحن نسارع ونسابق على الخيرات..

وهذا هو هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلّم..

كان يجتهد في أواخر رمضان مالا يجتهد في غيرها.. ذلك أن الأعمال بالخواتيم..

كان صلي الله عليه وسلّم يجعل من خواتيم رمضان مناسبة لكل عمل صالح ذلك أن فيهن ليلة القدر نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من عتقائها

وأخيرا وليس آخراً

بينما يلملم رمضان أوراقه وبيننا وبين رحيله عنا وختامه ساعات لم يكن أحدٌ منا فى رمضان ملكاً ولا معصوماً لا شك أنه وقع منا فى رمضان هفوات وزلات والمعصوم من عصمه الله تعالى

رحمة ً من الله تعالى شرع لنا ربنا فى ختام رمضان ما يسد به خلل صيامنا وما يمحو به آثار هفواتنا وزلاتنا شرع لنا فى ختام رمضان صدقة الفطر..

قال الله تعالى

 { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى

قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» .

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتسلم رمضان منا متقبلا وأن يعيده علينا أعواما عديدة إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 12
  • 0
  • 5,394

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً