هنيئا لك بالجائزة
واجعل لك نصيبا من قيام الليل والتهجد ولو بركعتين بعد الوتر فهي شرف المؤمن
يا من ناداك الله بصفة الإيمان وامتن عليك بشهر الصيام، يا من دعوت ربك بلوغ رمضان، فأضأت لباس ليله قياما، وجعلت معاش نهاره صياما، وتصدقت وتزكيت وواصلت الأرحام واجتهدت لجعل القرآن منهاج حياة، ها قد أنقضى رمضان سوق قام ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، ولا ندري من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه، ويحزن المؤمن لفراق رمضان، فلياليه عامرة بالطاعات وأيامَه غامرة بالعطاءات، وتتوالى الرحمات، فيخفف الله تعالى ألم الفراق، ويتوج شهر الصيام بيوم عيد يفرح فيه المؤمنون، يوم توزع فيه الجوائز لمن صام إيمانا واحتسابا، ويعض المقصر على يديه يا لينني كنت صواما قواما قال تعالى: { {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون} } [يونس : 58].
وفرحة المؤمن فرحتان فرحة عاجلة وأخرى آجلة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:: ««قالَ اللَّهُ: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ»» [1]، فرحه يوم فطره، وقد ذاق حلاوتها في الصيام والقيام، وطلاوتها في تلاوة القرآن، ورحمتها في صلة الأرحام، وغيرها مما هداه الله إليه، عن انس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ»» [2]
وفرحة الآخرة: { {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} } [الأعلى : 17] قال ابن رجب : "وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا". قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ««قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به»» [3]
هنيئا لك بشفاعة الصيام والقرآن، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ««الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامَةِ ، يقولُ الصيامُ : أي ربِّ إِنَّي منعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ فشفِّعْنِي فيه ، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعني فيه ، فيَشْفَعانِ»» [4].
هنيئا لك بالعتق من النيران والفوز بالجنان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسل قال: ««وللهِ عُتَقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ»» [5]، وكتاب نجاتك بيمينك فتصدح فرحا: { {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} } [الحاقة : 19] فتعبر الصراط بأمان وتدخل الجنة من باب الريان ««إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ»» [6]، هنا جنة الرحمن { {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} } [مريم : 63]، وبحفاوة الاستقبال يأتيك الملائكة الكرام من كل باب مهنئين: { {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} } [الرعد : 23-24]
كل هذا الفضل من أثر ذاك الشهر؟! نعم، فقد كانت غايته تحصيل التقوى في القلوب، وانقياد الجوارح لأمر السجود، فحققت العبادة لرب العباد، فستر العورة بلباس التقوى { {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} } [الأعراف : 26]، والتزود بخير زاد { {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} } [البقرة : 197] في هذى الشهر توجيه رباني لجعل العام كله رمضان بل العمر كله رمضان قال تعالى: { {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} } [الحجر : 99]
قال احد الصالحين:
وقد صمت عن لذات دهري كلها *** ويوم لقاكم فذاك فطر صيامي[7]
وبعد أن ودعنا رمضان، هل راجعت نفسك، ونظرت مقدار تحصيل التقوى في قلبك؟! هل قبل الله منك الصلاة والصيام والقيام والدعاء وصالح الأعمال؟! يقول جابر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ولا تجعل يوم صيامك وفضرك سواء" ، قال علي رضي الله عنه: " كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: { {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} } [المائدة : 27]
إن من أعظم علامات قبول العمل في رمضان أن يوفقك الله تعالى إلى توبة نصوحا، يقول الله تعالى: { {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} } [النور : 31]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا» »[8]
احرص على شحن القلب بالتفوى بالحرص على أعمال رمضان فيما بعد رمضان، لتكون عبد ربانيا لا رمضانيا:
الصلاة في جماعة وإياك والاستهانة بالسنن،عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فال: ««أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بثَلَاثٍ: بصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ»» [9].
واجعل لك نصيبا من قيام الليل والتهجد ولو بركعتين بعد الوتر فهي شرف المؤمن
قراءة القرآن فاجعل لك وردا تأتيه في اليوم والليلة
الصيام: فاحرص عليه، كالست من شوال ويوم عرفة وعاشوراء وأيام التشريق والإثنين والخميس
والصدقة: ولو بالقليل على قدر السعة، فرب درهم يسبق ألف درهم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ««أحبُّ الأعمالِ إلى اللَّهِ تعالى أدومُها ، وإن قلَّ»» [10]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ((البخاري [1904]، ومسلم [1151] واللفظ له))
2- (البخاري (16)، ومسلم (43))
3- (البخاري [1904]، ومسلم [1151] واللفظ له)
4- (أحمد [6626]، وابن المبارك في (الزهد [2/114]، والطبراني [14/72] [14672]، والحاكم [2036]، والديلمي في (الفردوس [3815] باختلاف يسير.)
5- (الترمذي [682]، وابن ماجه[1642])
6- (البخاري [ 1896])
7- (الموسوعة الشاملة)
8- (مسلم [2759])
9- (مسلم [721])
10- (الشافعي(الأم [2/653])
- التصنيف: