صلاة الظهر

منذ 2025-01-09

صلاة الظهر تأتي وسط النهار بعد ساعات من العمل فتزيل التوتر الناتج عن كثرة العمل؛ لأن الصلاة راحة المؤمن ووقتها وسط النهار بعد الزوال وإذا اشتد الحر استحب الإبراد بالظهر، وهو تأخيرها عن أول وقتها حتى تذهب شدة الحر...

للصلاة شأن عظيم عند الله تعالى؛ ولذا فرضها وجعلها عموداً للدين، وكان فرضها في السماوات العلى من بين سائر أركان الإسلام. وهي صلة بينه سبحانه وبين عباده، وراحة للمؤمنين، وقرة عين للموقنين الخاشعين. وهي سبب للرزق والفلاح، وباب للسعادة والنجاح، ومذهبة للهم والغم، لا يحافظ عليها عبد فيتعس أو يشقى  {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}  [البقرة: 45- 46]  {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}  [المؤمنون: 1- 2].

 

وصلاة الظهر من الصلوات الخمس المفروضة، وتسمى الصلاة الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد عودته من رحلة الإسراء والمعراج، والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالأنبياء عليهم السلام صلاة الفجر في بيت المقدس، ثم عاد إلى مكة، فكان أول صلاة صلاها هو والمسلمون صلاة الظهر، وفي كونها تسمى الصلاة الأولى حديث أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه لما سئل عن صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ يُصَلِّي الهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ» (رواه الشيخـان). وقال الْحَسَنَ البصري رحمه الله تعالى: «كَانَتْ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ».

 

ووقتها وسط النهار بعد الزوال، عقب تسجير جهنم، فمؤدي صلاة الظهر يستجير بالله تعالى من عذاب جهنم كل يوم بعد تسجيرها، فحري بمن حافظ على الظهر أن ينجو من عذاب النار؛ ففي حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له عن وقت صلاة الظهر «ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ» (رواه مسلم).

 

فعلم بهذا الحديث أن التنفل بالصلاة قبيل الزوال منهي عنه، وهو ما يسمى بقائم الظهيرة الذي تسجر فيه جهنم؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» (رواه مسلم).

 

وإذا اشتد الحر استحب الإبراد بالظهر، وهو تأخيرها عن أول وقتها حتى تذهب شدة الحر؛ مراعاة لمن يمشون إلى الصلاة ومنازلهم بعيدة عن المسجد؛ وليكون أتم لخشوع المصلي؛ وهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر عنها أَنَسٌ رضي الله عنه فقال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ» (رواه البخاري).

 

وجاء الأمر بذلك في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (متفق عليه). وفي حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ المُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «أَبْرِدْ»، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ:  «أَبْرِدْ»، حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ» (رواه الشيخان).

 

والسنة إطالة القراءة في صلاة الظهر؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا» (رواه مسلم).

 

وعن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى» (متفق عليه). وإن قرأ أحيانا سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة من صلاة الظهر فقد أصاب السنة؛ لورود ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند مسلم في صحيحه.

 

وجاء في حديث أم حبيبة رضي الله عنها أن راتبة الظهر أربع قبلها، وركعتان بعدها، وأن من حافظ على السنن الرواتب بنى الله تعالى له بهن بيتا في الجنة. وفي حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ» (رواه البخاري).

 

وإن صلى أربعا بعد الظهر فحسن؛ لحديث أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ»  (رواه الترمذي) وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

 

وفي بعض الأمصار يصلي بعض المسلمين صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة على الاحتياط؛ وقد أنكر العلماء المحققون هذا العمل، وذكروه في البدع؛ لأن صلاة الجمعة هي فرض يوم الجمعة، ولا يصليها ظهرا إلا من لم يحضرها.

 

أيها المسلمون:

صلاة الظهر تأتي وسط النهار بعد ساعات من العمل في الصباح؛ فتزيل التوتر الناتج عن كثرة العمل أو طبيعته؛ لأن الصلاة راحة المؤمن، فيرتاح الموظفون والعمال بصلاة الظهر جسديا بعد ساعات من العمل، كما يرتاحون ذهنيًّا بإفراغ شحنات التوتر والقلق التي اختزنوها أثناء عملهم، وهذا أمر يعرفه أهل صلاة الظهر؛ فصدورهم بعد الصلاة أكثر راحة وانشراحاً عما كانوا عليه قبلها، ويجدون في أنفسهم نشاطاً وإقبالاً على العمل من جديد.

 

هذا؛ وإن من الناس من يتهاون في صلاة الظهر؛ فمنهم من ينهمك في عمل أو في اجتماع ويضيع الجماعة في المسجد أو في مصلى وظيفته، وكان بإمكانه أن يتوقف عن عمله، ويقطع اجتماعه إلى ما بعد الصلاة، وذلك خير له وأزكى  {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}  [الأعلى: 14-15]  {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}  [طه: 14] وكم من عمل أنسى صاحبَه ذكرَ الله تعالى؟! وجَازَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما بِالسُّوقِ وَقَدْ أَغْلَقُوا حَوَانِيتَهُمْ وَقَامُوا لِيُصَلُّوا فِي جَمَاعَةٍ فَقَالَ: «فِيهِمْ نَزَلَتْ:  {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}  [النور: 37-38].

 

وفي الصيف يكثر في الناس سهر الليل ونوم النهار حيث الإجازة، وكثيراً ما تضيع صلاة الظهر؛ فمن النائمين من تفوته الجماعة وفضلها وأجرها، ومنهم من يفوته الوقت فلا يصلي الظهر إلا بعد خروج وقتها، وربما جمعها مع العصر بلا عذر سوى السهر في الليل والنوم في النهار، وهذا على خطر عظيم؛ لقول الله تعالى  {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}  [مريم: 59] وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير الآية أن إضاعتها هو تأخيرها عن وقتها. وقال مسروق: «لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس، فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهنّ الهلكة، وإفراطهنّ: إضاعتهنّ عن وقتهنّ». ويخشى على من كانت عادته تأخير صلاة الظهر عن وقتها بالنوم عنها من أن يتناوله الوعيد المذكور في الآية، وأن يرضخ رأسه بالحجارة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا «أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ» (رواه البخاري).

 

فليتق الله تعالى كل متهاون بالصلاة، وليحافظ عليها في الجماعة؛ فإنها عمود الدين، وراحة القلب والضمير، وصلة العبد برب العالمين.

وصلوا وسلموا على نبيكم....

  • 6
  • 0
  • 2,037
  • عبد السلام خالد

      منذ
    تهافت دعوى عدم التمكين كلما خوطبوا "لماذا لم تحكموا بالشريعة؟" قالوا: «حتى نتمكن»! فلما تمكنوا من المدن؛ قالوا «حتى نتمكن من البلاد كافة»، فلما تمكنوا من البلاد وسقطت الأنظمة السابقة، كانت أولى خطواتهم إرضاء الغرب والحكم بالقوانين الوضعية دون الشريعة! فإذا قيل لهم: هأنتم تمكنتم من البلاد كافة فما حجتكم اليوم في ترك الشريعة؟! قالوا: لا قدرة لنا على مواجهة النظام الدولي، ونخشى الحرب والدمار! فما مثلهم إلا كمن قال الله فيهم لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) فالمحصلة إذًا: أن تلك الكلمة التي يرددونها "حتى نتمكن" ما هي إلا عكاز يتكئون عليه للهروب من المواجهة، وأنها لفظ فضاض لا ضابط له عندهم، وكأنهم يريدون أن لا تقام الشريعة حتى يتمكنوا من الأرض كافة من مشرقها إلى مغربها، حيث لا وجود للنظام الدولي الذي يخشونه كخشية الله أو أشد. وهذا فهم عقيم للتمكين، لم يقل به عالم سابق ولا لاحق، وغاية أمر قادتهم أنهم يخادعون أتباعهم كلما قالوا لهم متى؟ ثم ههنا سؤال لو سلمنا بفهمكم البدعي للتمكين: هل من تأخير الشريعة حتى التمكين الذي تطلبونه، أن يحكم بضد الشريعة؟! ونوجه هذا سؤال للأتباع أيضا، وبمعنى آخر: هل من عجز عن الحق يعمل بالباطل؟! إلا لو كنتم ترون الشريعة وضدها واحدا لا خلاف بينهما، فتلك إذا طامة أخرى! وفي المقابل إذا ما تعلق الأمر بالدولة الإسلامية ورعيتها وجنودها يختفي عندكم مصطلح عدم التمكين، ونراكم تسارعون في قتالهم وسجنهم وملاحقتهم، وتخرج جيوشكم وأسلحتكم بحجة قتال "الخوارج" زاعمين أنه تطبيق لأمر نبوي. أفوسع "عدم التمكين" ملاحقة المجاهدين وأنصارهم وعوائلهم، ولم يسع أن تقيموا حدود الله وتلغوا شريعة الغاب القانونية، أم لأن الأولى لا تغضب النظام الدولي، فسارعتم إليها كي تثبتوا له أنكم جادون في أن تكونوا أداة في أيدهم كما كانت الأنظمة التي سقطت وكنتم من قبل تتهمونهم بما تقترفه أيدكم اليوم؟! فيا أنصار هؤلاء المحرفين المعطلين لأحكام الشريعة والدين، أعميت أبصاركم أم أنكم تغمضون أعينكم عمدا حتى لا تتكاثر حجج الله عليكم؟ ولن ينفعكم الفرار مهما فررتم، فمن حارب دين الله وعادى من يسعى له؛ فليأذن بحرب من الله، فاحذروا، إنا لكم ناصحون.
  • عبد السلام خالد

      منذ
    الصَفْقَة الرابحة • قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة] جعل سبحانه الجنَّة ثمنًا لنفوس المؤمنين وأموالهم، بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثًّمن، وعَقَدَ معهم هذا العقدَ، وأكَّدهُ بأنواع من التأكيد: ▪️ أحدها إخبارُهُ سبحانه بصيغة الخبر المؤكَّد بأداة إنَّ ▪️ الثاني الإخبارُ بذلك بصيغة الفعل الماضي، الَّذي قد وقع وثبت واستقر ▪️ الثالث إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنَّه هو الَّذي اشترى هذا المبيع ▪️ الرَّابع أنَّه أخبر بأنَّه وعد بتسليم هذا الثمن وَعْدًا لا يُخْلِفُهُ ولا يتركه ▪️ الخامس أنَّه أتى بصيغة "على" التي للوجوب، إعلامًا لعباده، بأنَّ ذلك حقٌّ عليه، أحَقَّه هو على نفسه ▪️ السادس أنَّه أكَّد ذلك بكونه حقًّا عليه ▪️ السابع أنَّه أخبر عن محل هذا الوعد، وأنَّه في أفضل كتبه المنزلة من السماء، وهي: التوراة والإنجيل والقرآن ▪️ الثامن إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار، وأنَّه لا أحد أوفى بعهده منه سبحانه ▪️ التاسع أنَّه سبحانه أمرهم أنْ يَبْشروا بهذا العقد، ويُبشِّر به بعضهم بعضًا بشارة من قد تمَّ له العقد ولزم، بحيث لا يثبت فيه خيار، ولا يعرض له ما يفسخه. ▪️ العاشر أنَّه أخبرهم إخبارًا يؤكِّد بأنَّ ذلك البيع الَّذي بايعوا به هو الفوز العظيم، والبيع ها هنا: بمعنى المَبِيع الَّذي أخذوه بهذا الثمن، وهو الجنَّة ◾️ وأفهمت الآية: خطر النفس الإنسانية وشرفها، وعظم مقدارها، فإنَّ السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من هو، وانظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو؟ وانظر إلى من جرى على يده عقد التبايع، فالسِّلعة: النفس، واللَّهُ سبحانه: المشتري لها، والثمن: جنَّات النعيم، والسَّفِيْر في هذا العقد: خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه، وخيرهم من البشرِ وأكرمهم عليه [حادي الأرواح] لابن القيم -رحمه الله- ◽ المصدر: إنفوغرافيك صحيفة النبأ – العدد 476 السنة السادسة عشرة - الخميس 2 رجب 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً