يــا أهــل الفجر

منذ 2023-08-02

فئة موفقة، وجوههم مسفرة، وجباههم مشرقة، وأوقاتهم مباركة، فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله، وإن لم تكن جملتهم فدعواتي لك أن تلحق بركبهم،أتدري من هم؟

الحمد لله وصلى اله على نبينا محمد وآله وصحبه وبعد:
فئة موفقة، وجوههم مسفرة، وجباههم مشرقة، وأوقاتهم مباركة، فإن كنت منهم فاحمد الله على فضله، وإن لم تكن جملتهم فدعواتي لك أن تلحق بركبهم،أتدري من هم؟

إنهم أهل الفجر:
قوم يحرصون على أداء هذه الفريضة،ويعتنون بهذه الشعيرة، يستقبل بها أحدهم يومه، ويستفتح بها نهاره، والقائمون بها تشهد لهم الملائكة، من أداها مع الجماعة فكأنما صلى الليل كله...
إنها صلاة الفجر التي سماها الله قرآنا فقال جل وعز: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً} [سورة الإسراء من الآية(78)].

المحافظة عليها من أسباب دخول الجنة،والوضوء لها كم فيه من درجة،والمشي إليها كم فيه من حسنة،والوقت بعدها تنزل فيه البركة،قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بُكورهَا». (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة).

أهل الفجر:
الذين أجابوا داعي الله وهو ينادي (حي على الصلاة،حي على الفلاح)،
فسلام على هـؤلاء القوم، حـين استلهموا (الصلاة خير من النوم)، واستشعروا معاني العبودية،فاستقبلتهم سعادة الأيام تبشرهم وتثبتهم،قال صلى الله عليه وسلم «بشر الشائين في الظلم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة» (أخرجه الترمذي وأبو داود).

يا أهل الفجر:
لقد فزتم بعظيم الأجر، فلا تغبطوا أهل الشهوات والحظوظ العاجلة فما عندهم-الله- ما يغتبطون عليه،بل بفضله وبرحمته فاغتبطوا،وإياه على إعانتكم فاشكروا،إياه فتوجهوا،يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله». (أخرجه مسلم).

يا أهل الفجر:
هنيئاً لكم أن تتمتعوا بالنظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «إنِّكم سترون ربَّكم كمَا ترون هذا القَمرَ لا تُضامونَ في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشَّمسِ وقبلَ غروبها فافعلُوا ثم قرأ:» {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} (أخرجه البخاري ومسلم).

يا أهل الفجر:
ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال والزوجات، وترجعون أنتم بالبركة في الأوقات والنشاط وطيب النفس وأنواع الهديات، ودخول الجنات ونزول الرحمات،قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى البُردين دَخل الجنة» (أخرجه البخاري ومسلم).والبردان:صلاة الفجر وصلاة العصر،وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) (أخرجه مسلم).والمراد بهذا صلاة الفجر وصلاة العصر.

يا أهل الفجر:
أنتم محفوظون بحفظ الله،أنفسكم طيبة،وأجسادكم نشيطة، يقول صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله». (أخرجه مسلم)،وقال صلى الله عليه وسلم: «يعقدَ الشيطان على قافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد،ويضرب على مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد،فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى إن حلت عقدة،فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (متفق عليه).

يا أهل الفجر:
كفاكم شرفاً شهادةُ ملائكة الرحمن لكم، قال صلى الله عليه وسلم: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم- وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون:تركناهم وهم يصلون،وأتيناهم وهم يصلون» (متفق عليه).

يا أهل الفجر:
خاصة، ومن يحافظون على صلاة الجماعة عامة: أبشروا، فوضوؤكم درجات، وممشاكم إلى المسجد حسنات، وجلوسكم فيه رحمات من ربكم وصلوات: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح» (أخرجه البخاري ومسلم).

وقال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذِّ بسبع وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوة إلا رفعت له درجة وحُطَّت بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه:اللهمَّ صلِّ عليه،اللهم ارحمه، ولا يزال أحدهم في صلاة ما انتظر الصلاة» (متفق عليه)، وفي رواية مسلم: «اللهم ارحمه، اللهم اغفر لهُ، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه».

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات» ؟ قالوا:بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط» (أخرجه مسلم).

فسلامٌ على المحافظين على صلاة الفجر، حين تركوا السَّهر، وودَّعوا السَّمر، وفازوا بعظيم الأجر، ترى الواحد من هؤلاء يستعدُّ لها من الليل بالساعة المنبِّهة، والوضوء والأوراد المتنوعة، وإذا خشي له فوات القيام لها وصَّى أحداً يوقظه، وقبل هذا كله إحساس الإيمان الذي يعمر قلبه، فحتى لو عرض له أمرٌ فتأخر عن النوم مرَّةً وجدته عند الصلاة يهبُّ من نومه فزعاً إليها،مبادراً بأدائها، فللَّه درُّهم حين صلَّوا صلاة الفجر لميقاتها،فحفظوا وقتها،وداوموا عليها، وفازوا بأحب عمل إلى الله عز وجل، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله عز وجل؟ قال: «الصلاة على وقتِها….» (الحديث،متفق عليه).

أولئك هم الرِّجال حقاً، والمؤمنون صدقاً، قال ربُّنا_جلَّ وعَلا_: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة النور(36-37-38)].

أمَّا مَن ضيَّعوا الصلاة وتهانوا بها وأخَّروها عن وقتها فيا ليت شعري لو يعلمون ماذا تحمَّلوا من الوِزر؟ وماذا فاتهم من الأجر؟ قال تعالى: {فويل للمصلين*الذين هُم عن صلاتهم ساهون} [سورة الماعون(4-5)]، وقال تعالى: {فخلفَ من بعدِهِمْ خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً*إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنَّة ولا يظلمون شيئاً} [سورة مريم(59-60)]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل ما يُحاسبُ به العبدُ يومَ القيامة مِن عملهِ صلاتُهُ، فإن صلُحت فقد أفلحَ ونَجَح، وإن فسدت خابَ وخَسِرَ….» (الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن).

أيُّها المضيِّع لصلاة الجماعة ولا سيما صلاة الفجر،أفما لك همَّةٌ ترتفع بها لتكون مع من سبق الثَّناء عليهم والإشادة بهم، لماذا تجعل للشيطان عليك سبيلا؟ ولماذا ترضى أن يبول في أذنيك؟ فقد ذُكِرَ رجلٌ عند الله صلى الله عليه وسلم نام ليلةً حتى أصبح فقال: ذاكَ رجلٌ بالَ الشيطانُ في أذُنيهِأخرجه البخاري ومسلم.

أيُّها الأخ:
تذكَّر وأنت تتنعّض لذيذ المنام، ما يعقب ذلك من حسرةٍ وألم، ويكفيك قوله: «...أصبَحَ خبيثَ النَّفسِ كِسلان» (متفق عليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرُّؤيا: «وأمَّا الرَّجلُ الذي يَثْلَغُ رأسَهُ بالحجرِ فإنَّه يأخذُ القرآن فيرفُضُهُ، وينامُ عنِ الصلاةِ المكتوبةِ» (أخرجه البخاري)، فحين تلذَّذ بالنوم عن الصلاة جُوزي بأن يرضَّ رأسه بالحجارة، والجزاء من جنس العمل.

ألا فالْحق بأهل الفجـر؛ لكي تكون في ذمة الله، ولتُكتب في ديوان الأبرار، وتحصل لك السعادة والنور، وتمحى من صحيفة النفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من صلاةِ الفجرِ والعشاءِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» (أخرجه البخاري ومسلم).

يا أخي:
حاسب نفسك،واصدق مع ربك،واستفتح يومك بتوبةٍ تمحو ما سلف منك، وتذكر نِعَمَ الله عليك، واسأل الله دائماً أن يعينك، واحذر السَّهر فهو سببٌ رئيسٌ لفوات فريضة الفجر، وابذل مع هذا من الأسباب ما يكون لك عوناً بإذن الله: بأن تنام على طهارة وقد قرأت أذكار النوم،وجعلت الساعة المنبهة عندك؛ فإن خفت مع هذا ألاَّ تقوم فأوص بعض أهلك أو جيرانك بالاتصال عليك وإيقاظك، وإذا استيقظت فاذكر الله مباشرة، وانهض من فراشك بسرعة،ولا تتململ فيه أو يوحي إليك الشيطان بأن تستريح قليلاً،فهذا مدخل من مداخله،وابتعد عن المعاصي والذنوب ولا سيما النظر المحرَّم، فإن المعصية سببٌ لحرمان الطاعة،وكن ذا عزيمةٍ قوية، وتذكر ثواب المسارعين إلى المساجد الذين تعلقت قلوبهم بها،وأكثروا من التردُّد عليها فهم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله،وهم السعداء الموفَّقون في الدنيا، وأهل الجنة في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ كلهمْ ضامنٌ على الله إنْ عاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ،وإنْ مات أدخله الله الجنَّةَ، ومنهم: مَن خرجَ إلى المسجدِ فهو ضامنٌ علَى الله» (أخرجه أبو دادود وابن حبان).

أسأل الله لي ولمن قرأ هذه الرسالة ولجميع المسلمين والمسلمات سعادة الدنيا والآخرة والفوز برضوانه وجنَّته.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________________________________

الكاتب: صالح بن عبدالرحمن الخضيري

  • 13
  • 0
  • 2,142

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً