يوم عرفة خير أيام العام
فقال عمر رضى الله عنه والله إنى لأعلم متى نزلت وأين نزلت نزلت على رسول الله عشية عرفة وهو قائم يخطب الناس وكان يوم جمعة
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه {(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )}
وعند [ابن ماجة] من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )»
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أسبوع من يومنا هذا بدأنا الحديث عن فضائل العشر أيام الأول من شهر ذى الحجة وبينا أنها أفضل أيام الدنيا وبينا أن العمل الصالح فيها الله تعالى يحبه ويضاعف أجره ويفضله على كل عمل صالح فى غير هذه الأيام حتى الجهاد فى سبيل الله اللهم إلا رجل ركب جواده وخرج بنفسه وماله يجاهد فى سبيل الله فعقر جواده وضاع ماله ونال شرف الشهادة فى سبيل الله تعالى..
فى هذه الأيام المباركة صيام وفيها قيام وفيها ذكر ودعاء ورجاء وفيها العمرة وفيها فوق كل هذا حج للبيت الحرام..
قال الله تعالى {(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )}
إذا كان من سنة الله تعالى أن يفضل بعض الملائكة على بعض وأن يفضل بعض الأنبياء على بعض وأن يفضل بعض الشهور على بعض وأن يفضل بعض الليالى على بعض وأن يفضل بعض الأيام على بعض فإنه سبحانه فضل العشر أيام الأول من ذى الحجة على سائر أيام السنة وفضل يوم التاسع منها وهو يوم عرفة على الأيام العشر وعلى أيام السنة كلها بلا استثناء..
فى هذا اليوم من كل عام يتجمع المسلمون من حجاج البيت الحرام يتجمعون من أرجاء الأرض كلها فيهم الأبيض والأسود وفيهم العربى والعجمى يتجمعون على اختلاف اللغات واللهجات والألوان ويقفون على صعيد عرفات بأعداد تتجاوز الملايين يرجون رحمة الله تعالى ويرجون غفران الذنوب وستر العيوب ورضا علام الغيوب..
فرّغ لهم الحكيم سبحانه وتعالى اليوم كله للذكر والدعاء والاستغفار والتوبة يصلى حجاج البيت الحرام فى يوم عرفة العصر مع الظهر فى وقت الظهر جمعاً وقصراً ويصلون المغرب مع العشاء فى وقت العشاء جمعاً وقصراً ليصبح اليوم كله خالياً من كل شاغل يشغل الحاج عن الدعاء والشكر والذكر لله رب العالمين..
حتى الصيام فى هذا اليوم أيها المؤمنون رغب الرسول الواقفين على عرفات بتركه فلا يصومون فيه ويفطرون حتى يكون الفطر قوة لهم على كثرة الذكر والدعاء وقد سئل الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل وقت يستجاب فيه الدعاء فقال عليه الصلاة والسلام ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )
يوم عرفة أيها المؤمنون هو يوم الرحمة..
هو يوم المغفرة هو يوم العتق من النار وإذا كنا فى رمضان من كل عام نتحدث أن لله عز وجل فى كل ليلة من ليالى رمضان عتقاء من النار فمهما يكن من أعداد من يعتقون فى كل ليلة من ليالى رمضان فإن العتقاء من النار فى يوم عرفة أكثر..
قَالَ النبى صلى الله عليه وسلم- «« مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ »»
فى كل ليلة من ليالى السنة من المعلوم
أن الله سبحانه وتعالى يتنزل إلى سماء الدنيا تنزلاً يليق بجلاله وكماله قبيل الفجر فى وقت السحر فيقول هل من تائب فأتوب عليه هل من داع فأجيبه هل من مستغفر فأغفر له هل من مسترزق فأرزقه هل من مستغيث فأغيثه هل من كذا هل من كذا حتى يطلع الفجر هذا يحصل فى كل ليلة من ليالى السنة..
أما أن يتنزل الحكيم العليم سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا فى النهار فهذا لا يتم ولا يحصل ولا يكون إلا فقط فى يوم عرفة وهذه خصوصية خص الله بها وميز بها يوم عرفة عن سائر أيام السنة..
يتنزل سبحانه فى يوم عرفة إلى سماء الدنيا فى يوم عرفة ويدنو من خلقه وينظر إليهم بعين الرحمة ينظر إليهم وهم على صعيد عرفات فيهم الراكع وفيهم الساجد فيهم الخاشع وفيهم الخاضع وفيهم من دمعت عينه من خشية الله فبينما هم كذلك ينادى الحكيم العليم سبحانه على ملائكته الذين قال لهم فى يوم من الأيام ( {إنى جاعل فى الأرض خليفة} فقالوا:( {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} )
فأجابهم بقوله ( {إنى أعلم ما لا تعلمون } ) فى يوم عرفة من كل عام وحجاج البيت الحرام على صعيد عرفات يسبحون بحمد ربهم يذكر الله تعالى الملائكة بمصداق قوله ( { إنى أعلم ما لا تعلمون } )
فى يوم عرفة الله تعالى يفرح بعباده فرح إنعام فرح إحسان وإكرام ويتباهى بهم أمام الملائكة فيقول ( « يا ملائكتى انظروا إلى عبادى جائونى شعثاً غبراً يضربون إلىّ أكباد الإبل يرجون رحمتى ويخافون عذابى أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت لهم» ..
البركات والرحمات فى يوم عرفة
تصب على حجاج البيت الحرام وتصب على كل شاكر وعلى كل ذاكر لله رب العالمين تصب الرحمات صباً وتتنزل على الناس تنزلاً يغيظ الشيطان وما من يوم من أيام السنة كلها يكون الشيطان فيه مهموماً ومغموماً ومحسوراً أكثر من يوم عرفة..
وما رؤى الشيطان فى يوم هو أصغر ووولا أدحر ولا أغيظ ولا أحقر منه فى يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة ولما يرى من تجاوز الله عز وجل عن الذنوب العظام إلا ما رؤى يوم بدر فإنه رأى جبريل وهو يزع الملائكة..
فى يوم عرفة من العام العاشر من الهجرة وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على صعيد عرفات يخطب فى الناس خطبة الوداع وبينما هو كذلك أتاه جبريل عليه السلام بقول الله عز وجل ( {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} )
فى أغلب أقوال أهل العلم أن هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) هى آخر ما نزل من الآيات على قلب النبى صلى الله عليه وسلم {( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا )}
هذه الآية قرأها رجل يهودى فدخل بها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا أمير المؤمنين أية فى كتابكم لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا من اليوم الذى نزلت فيه يوم عيد فقال عمر رضى الله عنه وما هذه الآية فقرأ اليهودى هذه الآية {( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا )}
فقال عمر رضى الله عنه والله إنى لأعلم متى نزلت وأين نزلت نزلت على رسول الله عشية عرفة وهو قائم يخطب الناس وكان يوم جمعة
قال النبى عليه الصلاة والسلام «( يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» ..
فى يوم عرفة يستحب الصيام لغير حجاج البيت الحرام
وقد ورد أن رسول الله ما رغب فى صيام يوم من أيام التطوع كما رغب فى صيام يوم عرفة لما له من عظيم الأجر والثواب قال عليه الصلاة والسلام صيام يوم عرفة أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقى لنا أن نذكر الناس بأن من أيام العشر اليوم العاشر منها وهو يوم العيد يوم النحر يوم الحج الأكبر فيه رمى الجمار فيه طواف الإفاضة فيه ذبح الهدى وفيه الحلق أو التقصير وفيه التحلل الأصغر وفيه عندنا صلاة العيد
من السنة صلاة العيد فى الخلاء فى الساحات فإن تعذرت علينا الصلاة فى الساحات فلا بأس بصلاة العيد فى المساجد وصلاة العيد سنة عن النبى عليه الصلاة والسلام ليس لها سنة قبليه ولا بعديه
ويستحب الذهاب لصلاة عيد الفطر بعد الإفطار ويستحب الذهاب لصلاة عيد الأضحى بلا افطار حتى نصلى ونعود إلى بيوتنا فنذبح الأضاحى ونفطر على لحومها سنة عن النبى عليه وسلم من فعلها يثاب ومن تركها فلا عقاب عليه..
ومن بين البشارات التى جائتنا بين يدى العشر أيام الأول من ذى الحجة أن الله تعالى شرع لنا فى اليوم العاشر منها قربة من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه وهى قربة إهراق الدم واحتساب الأجر على الله تعالى قال الله عز وجل { (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ )}
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم « ( ما تُقُرِّبَ إلى الله تعالى يوم النحر بشيء هو أحب إلى الله تعالى من إهراق الدم وأنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وأن الدم ليقع من الله تعالى بمكان قبل أن يقع على الأرض فيطيبوا بها نفسا )»
ما الأضحية إلا كتلة من الحسنات لحمها دمائها عظامها شعرها وأظلافها يؤتى بكل هذا فيوضع فى ميزانك يوم تلق الله تعالى «قَالَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِىُّ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قُلْنَا فَمَا لَنَا فِيهَا من الأجر؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالصُّوفُ قَالَ بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ يزداد هذا الأجر أكثر إذا عمل صاحب الأضحية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العشر أيام الأول السنة التى قال عنها رسول الله (من كان له ذبحٌ يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي )..»
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا حج البيت الحرام وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
- التصنيف: