أصناف الناس في قربهم من كتاب الله
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّب وَطَعْمُهَا طَيِّب، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْو...».
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّب وَطَعْمُهَا طَيِّب، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْو، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّب وَطَعْمُهَا مُرّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيح وَطَعْمُهَا مُرّ».
المفردات:
المَثَل في أصل اللغة: النظير، وكذلك المِثْل والمَثِيل كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، وزنًا ومعنًى، ثم قِيل للقول السائر المُمَثِّل لعبرة مستخلَصة، ثم استُعِير لكل حال أو صفة عجيبة غريبة، والمراد هنا هذه الصفة العجيبة، والأُتْرُجَّة واحدة الأَتْرُج، وهو نوع من الفاكهة متوسط الحجم، لذيذ الطعم، طيب الرائحة، فيه فؤائد جَمَّة[1] .
والريحان:كل نبت طيب الرائحة، واحدته ريحانة، والحنظل[2]:نبات يمتد على الأرض كالبِطِّيخ، وثمره يشبه ثمر البطيخ، لكنه أصغر منه بكثير، وهو شديد المرارة، ولذلك يضرب المثل بمرارته.
الشرح:
الإيمان طريق السعادة في الدنيا والآخرة، والكفر والنفاق والفجور سُبُل الشقاوة في الدنيا والآخرة، والقرآن الكريم هو الهدى والنور والشفاء لِما في الصدور: {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، فالمؤمن الحق هو الذي يقرأ كتاب ربه، ويعمل به، ويدعو إليه سرًّا وجهرًا، حتى يملأ الإيمان قلبه، ويفيض على جوارحه، فيكون قدوة صالحة وأسوة حسنة، وهذا بأعلى المنازل، مَثَّله النبي صلى الله عليه وسلم في صفته العجيبة الحبيبة بالأُترجَّة؛ فعمله بالقرآن عمل صالح طيب يشبه الأُترجَّة في طعمها الطيب، وتلاوته المرتلة الجميلة للقرآن تشبه الأُترجَّة في ريحها الجميلة المُحببة، وعلى قدر عمله بالقرآن وتلاوته تكون صفته ومنزلته.
ويلي هذا المؤمن الكامل في الصفة والمنزلة مؤمن صالح يعمل بالقرآن، ولكنه لا يقرأ منه إلا القدر الذي يصحح عبادته واستقامته، فلا يُقال له قارئ، وإنما يُوصَف بأنه عامل بكتاب ربه، ولا شك أن العمل بالقرآن هو المقصود الأول منه؛ ولذلك مَثَّله الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمرة، والطعم أهم من الرائحة.
أما المنافق أو الفاجر الذي يقرأ القرآن مع خلو قلبه من الهدى والإيمان، فمَثَّله صلى عليه وسلم بالريحانة، تشمها فتجد منها ريحًا طيبًا، فإذا عركتها وزقها وجدت طعمًا مرَّ المذاق موزيًا؛ فكذلك المنافق القارئ تستمع بقراءته، ولكن لا ترى فيها أثرًا هاديًا، ولا ترى منه عملًا راشدًا، ظاهره الحسن والجمال، وباطنه القبح والوبال.
وأما المنافق أو الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، فهذا أبعد الناس عن هداية القرآن، وأقربهم إلى الكفر والفسوق والعصيان حُرم الخير ظاهرًا وباطنًا، فلذلك كان مشَبَّهًا بالحنظلة طعمها خبيث مر، ولا ريح لها، فكذلك هذا المنافق الخبيث يضر ولا ينفع، فهو شر لا خير فيه، وضر لا نفع منه[3].
هذه الصفات الأربع لأصناف الناس الأربعة في قربهم من كتاب الله، أو بعدهم عنه، بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم أَوْفى بيان وأَتمَّه؛ فَلْيَختر العبد لنفسه وليضعها من كتاب الهدى والنور حيث أحبَّ.
ومما يُؤخذ من الحديث:أن القرآن الكريم يرفع العبد مع العمل به درجات، وأن المقصود الأول من تلاوته هو العمل به، كما يُؤخذ منه فضيلة حافظ القرآن، واستحباب ضرب الأمثال للإيضاح والبيان.
بعض مصادر شرح الحديث:
1- في هداية الباري، ص: 160، ح 2، في فضائل القرآن، باب من رايا بقراءة بالقرآن.
2- قسطلاني، ص: 487، ح 7، وقال: سبق في فضل القرآن على سائر الكلام، وهو في ص: 468، ح 7.
3- وقال: وأخرجه أيضًا في التوحيد باب قراءة الفاجر والمنافق.
4- وانظر: شرحه في الفتح والعمدة.
5- وهو الحديث الثاني عشر في المعلم للشيخ السماحي ص 134-141.
6- والحديث رقم 79 في الأدب النبوي.
7- وفي: زاد المسلم رقم 733، ص: 386، ح 2، وفيه أن المنافق هو الفاجر كما في رواية.
8- زاد المعاد، ص: 138، ح 6، هامش شرح المواهب، قال: وما أجمل ما قال بعد ذكر فوائد الأترج: وحقيق بشيء هذه منافعه أن يُشَبَّه به خلاصةُ الوجود؛ وهو المؤمن.
9- وينظر في: الجزء السابع في الطب النبوي.
[1] منها: أنه يريح المعدة ويقويها، ويساعد على الهضم، وحلو اللون، ويُستخرج من حَبِّه دهن له منافع، ومنظره حسن فاتح يَسُّر الناظرين، وملمسه لين، وقشره في الثياب يمنع السوس، ويقال: إن الجن لا تقرب بيتًا فيه الأترج، فناسَب أنه يُمَثَّل به قارئ القرآن الذي لا يقربه شيطان، وغلاف قلبه أبيض فيناسب قلب المؤمن، وقد اشتركت الحواس الأربعة: البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها... الأَتْرُجَّة في هدي الساري، مقدمة فتح الباري لابن حجر، ص 56، ح 1، وقال: شدد الجيم أو بنون ساكنة قبل الجيم.
[2] والحنظلة: شجرة مشهورة وفي بعض البلاد تسمى بطيخ أبي جهل.
[3] وفيه كما قال ابن بطال في خاتمة الشرح: أن قراءة الفاجر لا تُرفع إلى الله، ولا تزكو عنه، إنما تزكو عند ما أُريد به وجهه، ويُراجع؛ لأنه مهم يُنتفع به.
_________________________________________________
الكاتب: الشيخ طه محمد الساكت
- التصنيف: