السبحة وفضلها في التسبيح

منذ 2022-11-08

قد اتخذ السُّبْحَة ساداتٌ يُشار إليهم، ويُؤخَذ عنهم، ويُعتمَد عليهم؛ كأبي هريرة رضي الله عنه، كان له خيط فيه ألفا عقدةٍ، فكان لا ينام حتى يُسبِّح به ثنتي عشرة ألفِ تسبيحة...

ختم الصلاة:

من الرغائب المحمودة والفضائل المؤكدة ختم كُلِّ صلاةٍ من الصلوات الخمس بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثًا وثلاثين، وختام المائة بالتهليل، كما سيأتي مفصلًا.

 

فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن فقراء المدينة أتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "ذهب أهل الدثور[1] بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، يُصلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يَحُجُّون ويعتمرون، ويُجاهدون، ويتَصَدَّقون، فقال: «ألا أُعلِّمُكم شيئًا تدركون به مَنْ سبَقَكم، وتسبقونَ به مَنْ بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلَّا مَن صنع مثلما صنعتم» ؟!، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تُسبِّحون وتُحمِّدون وتُكبِّرون خلف كُلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ».

 

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن سبَّح الله دُبُرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحمِدَ الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعون، وقال: تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - غُفِرت خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَد البحر».

 

ولقد نافس هؤلاء المُوسِرون إخوانهم الفقراء في هذه الفضيلة العظيمة؛ فضيلة ختم الصلاة والمحافظة عليها، كما ثبت في صحيح مسلم، أن فقراء المدينة رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "سمِعَ إخوانُنا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتيه من يشاء».

 

وللمُسَبِّح في هذا الختم أن يجمع الثلاثة في لفظٍ واحدٍ؛ فيقول: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر" ثلاثًا وثلاثين، وله أن يقول: "سبحان الله" ثلاثًا وثلاثين، و"الحمد لله" ثلاثًا وثلاثين، و"الله أكبر" ثلاثًا وثلاثين، وذلك أفضل، ثم يختم المائة بـ "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قدير".

 

أثر السُّبْحَة وفضلها في التسبيح:

وللجلال السيوطي رحمه الله تعالى بحثٌ لطيفٌ في رسالته التي سمَّاها "المنحة في السُّبْحَة"[2] قال فيها: أخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصحَّحه عن ابن عمرو، قال: "رأيت النبىَّ صلى الله عليه وسلم يَعْقِد التسبيح بيده ...."، ثم نقل الجلال السيوطي رحمه الله عن بعض أكابر العلماء، فقال: قال بعض العلماء: "عقدُ التسبيحِ بالأنامل أفضلُ مِن السُّبْحَة؛ لحديث ابن عمرو؛ لكن يُقال: "إن المُسَبِّح إن أَمِن من الغلط كان عقده بالأنامل أميل، وإلَّا فالسُّبْحَةُ أولى"، قال رحمه الله: "وقد اتخذ السُّبْحَة ساداتٌ يُشار إليهم، ويُؤخَذ عنهم، ويُعتمَد عليهم؛ كأبي هريرة رضي الله عنه، كان له خيط فيه ألفا عقدةٍ، فكان لا ينام حتى يُسبِّح به ثنتي عشرة ألفِ تسبيحة، قاله عكرمة".

 

وعن عليٍّ كرَّم الله وجهه: "نعم الْمُذَكِّرِ السُّبْحَة"، وإن صَحَّ هذا الأثر؛ وكان المراد من السُّبْحَة الحبَّات المنظومة في خيط، دَلَّ على أنها بهذا المعنى عربية فصيحة، وقِيل: إنها مولَّدة لا تعرفها العرب؛ وإنما حدثت في الصدر الأول إعانةً على الذكر وتذكيرًا وتنشيطًا.

 

وقد تكرر ذكر السُّبْحَة في الحديث كثيرًا بمعنى الذِّكْر وصلاة النافلة، وبمعنى الدعاء؛ وعلى كُلٍّ فَوَزْنها كغُرْفة، وجَمْعها (سُبَح) كغُرَف؛ انظر القاموس وشرحه والمصباح والنهاية.

 

ولقد جَرَّبْنا ورأينا رَأْيَ العَيْن أن السُّبْحَة تُذكِّر المُصلِّين وتُشجِّعُهم على الذكر عامَّة، وعلى ختم الصلوات الخمس خاصة.

 

ولعلَّ في هذه الخلاصة بيانًا لمن يحبُّون أن يَتَبَيَّنوا أثر السُّبْحَة وفضلها في التسبيح عامَّة، وفي ختم الصلوات الخمس خاصة.

 


[1] أهل الدثور: هم أهل الغِنى واليسار، والدثور: جمع دَثْر بفتح الدال وإسكان الثاء، وهو المال الكثير.

[2] هي الرسالة الخامسة والأربعون من رسائله التي تبلغ الثامنة والسبعين، في كتابه (الحاوي للفتاوى) طبع في المطابع المنيرية.

______________________________________________
الكاتب الشيخ طه محمد الساكت

  • 4
  • 0
  • 2,004

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً