جنازة العبد الصالح تقول: قدِّمُوني, وجنازة غيره تقول: يا ويلها
أسرعوا بالجنازة, فإن تك صالحة فخير تقدمونها, وإن يكُ سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم» [متفق عليه]
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالموت هو نهاية كل إنسان في هذه الحياة الدنيا, قال الله عز وجل: ﴿ { كل نفسٍ ذائقة الموتِ} ﴾ [آل عمران:185] وبعد الموت القبر, قال سبحانه وتعالى: ﴿ { ثم أماته فأقبره} ﴾ [عبس:21] وما بين الموت والدفن في القبر, يتم تجهيز الميت المسلم بتغسيله, وتكفينه, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « اغسلوه بماء وسدر, وكفنوه في ثوبيه» [ متفق عليه] ويسن التعجيل بتجهيز الميت إذا بأن موته, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أسرعوا بالجنازة, فإن تك صالحة فخير تقدمونها, وإن يكُ سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم» [متفق عليه] قال العلامة العثيمين رحمه الله: يشمل الإسراع في التجهيز, والإسراع في السير بها, ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يُسنُّ الإسراع في تجهيز الميت, إلا أن يموت فجأة فيُنتظر حتى يُتيقن موته."
وبعد تغسيله وتكفينه يُصلى عليه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا على صاحبكم » [أخرجه البخاري]
ثم تحمل الجنازة على أكتاف الرجال إلى المقبرة لدفنها, وهنا تتكلم الجنازة, فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم, يقول: «إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم, فإن كانت صالحة قالت قدِّمُوني, وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها, أين تذهبون بها ؟ يسمعُ صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان, ولو سمع الإنسانُ لصعق» . [أحرجه البخاري في كتاب الجنائز, باب قول الميت وهو على الجنازة: قدِّمُوني]
واختلف أهل العلم من الذي ينطق الروح أو الجسد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق. وقال ابن بطال: إنما يقول ذلك الروح, ورده ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن ويؤس الكافر, وكذا قال غيره...قلت: وهو بعيد ولا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن لأنه يحتاج إلى دليل, فمن الجائز أن يحدث الله النطق في الميت إذا شاء, وكلام ابن بطال فيما يظهر لي أصوب.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في قوله صلى الله عليه وسلم: (( « فإن كانت صالحة قالت: قدِّمُوني» )) دليل على أن الميت قد ينطق, لكن هل هو نطق اللسان الذي هو أحد أعضاء الجسد أو هو نطق الروح ؟ الظاهر: أنه نطق الروح.
ومن رحمة الله جل وعلا بعباده أنهم لا يسمعون ما يقوله أصحاب الجنائز, فلو سمعوا لصُعقوا وربما ماتوا, قال الإمام الكرماني رحمه الله: "الصعق " أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه, وربما مات عنه. وقال الإمام القسطلاني رحمه الله: " ولو سمعه لصعق " أي: مات.
ولو سمع الناس ما يقوله أصحاب الجنائز لحزن أقارب من يقول: يا ويلها, وربما افتتن من يسمع الجنازة الصالحة وهي تقول: قدِّمُوني, قدِّمُوني, يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من نعمة الله عز وجل: أن حجب عنّا هذه الأصوات, ولو سمعناها لصُعقنا, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, أي: أصابنا الغشي. وأيضاً لو سمعناها لكان في ذلك أمور:
الأول: أن فيه كسر لقلب أهل الميت إذا كانت تقول: يا ويلها أين تذهبون بها ؟ !
الثاني: أن فيه فضيحةً لها.
الثالث: أنه إذا قالت: قدِّمُوني, فقد يفتتن بها من سمعها, ويتخذ قبرها مزاراً, ورُبما يتوسّل بها, أو ما أشبه ذلك.
فيا سعادة من رأى المبشرات بعد موته فقال: قدِّمُوني, قدِّمُوني, قال الإمام العيني رحمه الله: (( فإن تك صالحة فخير تقدمونها )) أي: فثمة حير تقدمون الجنازة إليه, يعني حاله في القبر حسن طيب فأسرعوا بها حتى تصل إلى تلك الحالة قريباً.
ويا حسرة من رأى العذاب بعد موته فقال: يا ويلها أين يُذهبُون بها. نسأل الله السلامة, فينبغي الاستعداد والحذر قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله في تعليقه على حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدم: هذا يوجب الحذر والاستعداد للقاء الله, لا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن رام أن يكون ممن يقول إذا حملت جنازته على أعتاق الرجل: قدِّمُوني, قدِّمُوني, فليعمل لذلك مادام في دنياه, والأمر يسير على من يسره الله عليه, توبة صادقة من جميع الذنوب والمعاصي, وإقبال وإنابة على الله عز وجل, مع حرصٍ على فعل الطاعات والقربات, ومما يعين على ذلك بعد توفيق الله جل وعلا للعبد, البعد عن مجالسة ومصاحبة رفاق السوء, قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه (( أسرعوا بالجنازة, فإن تك صالحة فخير تقدمونها, وإن يكُ سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم)) ويؤخذ منه ترك صحبة البطالة غير الصالحين"
إن ممن ينبغي علينا جميعاً أن نتذكره ولا ننساه ونحن نحمل الجنائز أن نتيقن أن صاحب الجنازة إما فرح مستبشر يود أن يُسرع به إلى قبره لينال النعيم الذي بُشر به, وإما إنه مكروب لا يرغب أن يذهب به إلى قبره خوفاً مما ينتظره من عذاب, نسأل الله لنا جميعاً العفو والمغفرة, وحسن الخاتمة.
ـــــــــــــــــ كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: