التحذير من الملعونين الأربعة
هؤلاء الملعونون الأربعة، والملعونون كُثُر لا تتسع خطبٌ لذكرهم، لكن ما دام ذُكر أربعة منهم حديث في صحيح مسلم، وسنن النسائي، ومسند أحمد بن حنبل، وغيرها من كتب أهل السنة، فنذكر هذه الأربعة.
هؤلاء الملعونون الأربعة، والملعونون كُثُر لا تتسع خطبٌ لذكرهم، لكن ما دام ذُكر أربعة منهم حديث في صحيح مسلم، وسنن النسائي، ومسند أحمد بن حنبل، وغيرها من كتب أهل السنة، فنذكر هذه الأربعة.
وأول هؤلاء الملعونين من عقَّ والديه، من لعن والديه، من سبَّ والديه، من شتم والديه، نسأل الله السلامة.
اعلم - يا عبد الله - أين كنت؟ وكيف خرجت من صلب أبيك، ثم استقررت في رحم أمك؟ ثم خرجت مرة أخرى إلى هذه الحياة الدنيا، ثم تعقهم، ثم لا تطيعهم، ثم تلعنهم وتسبهم وتشتمهم، بل سمعنا من ضرب والديه، بل سمعنا من قتل والديه، نسأل الله السلامة؛ عن عامر بن واثلة قال: ((كنت عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه رجل، فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليك؟ قال: فغضب، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليَّ شيئًا يكتمه الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: قال: «لعن الله من لعن والده» - وفي رواية: «لعن الله من لعن والديه»، وفي رواية: «لعن الله من سب والديه» - «ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدِثًا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض»؛ (الحديث بزوائده عند (م) 43، 44- (1978)، (س) (4422)، (ش) (22017)، (حم) (858)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي).
فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من لعن والده»؛ (م) 43- (1978)، (حم) (954).
وفي رواية: «لعن الله من لعن والديه»؛ (م) 44- (1978)، (حم) (855)، هاتان الروايتان عند مسلم وأحمد، وفي رواية: «لعن الله من سب والديه»؛ [قال أحمد شاكر (1/ 537) ح (858): إسناده صحيح، والحديث من زيادات عبدالله بن أحمد].
السب واللعن والشتم لا يجوز بين المسلمين، بينك وبين أصدقائك وأصحابك، لا يجوز لعن الدابة، فكيف تلعن والديك؟ هذا الحديث قاله صلى الله عليه وسلم في عصر لا يوجد هناك من يسب والديه، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، العرب فيهم صفات طيبة أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أحد يسب أو يشتم والديه؛ وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه»، فتعجب الصحابة رضي الله عنهم، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه»؛ ((خ) (5973)، (م) 146- (90) واللفظ له)؛ يعني: لا يسبهم مباشرة، فاللعنة جاءت على من لم يسبهم مباشرة، فكيف بمن سبهم مباشرة؟
جاءت اللعنة على من يتخاصم مع صاحبٍ له، مع جار له، وتسبب في أن استفز هذا المخاصم فسبَّ والديه، هو لم يسبهم، اللعنة جاءت على هذا الذي لم يسب، فكيف بمن سب مباشرة؟
هذه صفة سيئة في المجتمع، ألَّا يُطاع الوالدان، مصيبة إذا نشأ نشءٌ وخرج جيل طاعته لحزبه، أو لقائده، أو لسيده أكبر من طاعته لوالديه، إذا كانت طاعة الوالدين مقدَّمة على الجهاد في سبيل الله، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحيٌّ والداك» ؟ قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»؛ ((خ) (3004)، (م) 5 - (2549)).
الحديث طويل حول هذا الموضوع، فيا من تسبَّبت في لعن نفسك بلعن والديك، تُبْ إلى الله، إذا رجعت إلى الله، وتبت حقيقة، يقبلك الله.
وأما الملعون الثاني: فهو من أنكر نعمة عليه، كيف؟ يعني أعطاه الله المال بأنواعه؛ الصامت منه والنامي، الصامت هو الذهب والفضة وما شابه ذلك، والنامي المزارع الحيوانية والنباتية ونحو ذلك، ثم يصرفها لغير الله؛ وفي هذا الحديث الذي معنا: «ولعن الله من ذبح لغير الله»، هذه الذبيحة من خلقها؟ الله، من رزقك إياها؟ الله، لماذا تجعلها لصنم أو صليب، أو تجعلها لولي، أو تجعلها لنبي؟ حتى قال العلماء: ملعون من يذبح للكعبة، بهذه النية بنية التقرب لغير الله، نسأل الله السلامة.
فلو ذبحت لمحمد صلى الله عليه وسلم، أشركت بالله، وأصابتك اللعنة، فكيف بغير ذلك؟ فكيف بمن يذبح للقبور؟ ويذبح للأضرحة؟ ليست ذبيحةَ كرمٍ للضيف، فهذه أنت مأمور بها، أنت تفعل طاعة، وذبيحة العقيقة؛ من أجل أن رزقك الله مولودًا، وذبيحة لتأكلها، وذبيحة الأضحية، هذه ونحوها مشروعة.
أما من يذبح تقربًا لغير الله، فهو ملعون، إلا إن تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فيتوب الله عليه.
وهذه الصفة – أيضًا - إذا وُجدت في المجتمع أفسدته، أن يقرَّب ما هو لله لغير الله، هذه أفعال المشركين، نسأل الله السلامة؛ قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}؛ أي: الذبائح كلها {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، حتى ما يُذبَح ويُقال: للضيف؛ العقيقة أو ما شابه ذلك، هو لله، أمرك الله بذلك، أو ما يُذبَح في الأفراح أو الولائم أو ما شابه ذلك، هذا لا، غير مقصود.
والملعون الثالث: «ولعن الله من آوى محدِثًا»، وفي رواية: «.. فمن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَل منه عدل ولا صرف...»؛ ((خ) (3179)، (م) 20- (1370)، (د) (2034)، (ت) (2127)).
من يحدث حدثًا في أرض الله عز وجل، أو يؤوي هذا المحدث؛ قال عليه الصلاة والسلام: «ولعن الله من آوى محدثًا»، من هو المحدِث؟
الحدث؛ إما بدعة في الدين، وهذا يؤويه ويغطي عليه، ويدافع عن صاحبها عبر التوترة، أو الفسبكة، أو ما شابه ذلك، أو عبر الفضائيات، يدافع عن بدعٍ ما أنزل الله بها من سلطان، من أحدث حدثًا، من آوى محدثًا.
ومعنى آخر: من أحدث حدثًا؛ أي فعل جريمةً، أو ارتكب جناية، أو تجسس فنقل أخبارًا لعدو، أي عميل، ومع ذلك تخبئه بعض القبائل، أو بعض العائلات، أو بعض الناس، أو بعض الأحزاب، أو ما شابه ذلك، يغطون عليه، أحدث حدثًا، هذا يوجَّه لأولياء الأمور، حتى يقتصوا منه، إن لم يتُبْ إلى الله عز وجل.
من أحدث حدثًا، كيف تخبئ عندك مجرمًا، أجرم في حق الناس؛ قتل نفسًا، أو سرق مالًا، وخان أمانة، وأنت تعرفه؟ كيف تخبئ عندك من اعتدى على عِرض أو نحو ذلك، أو اعتدى على حق من حقوق الله سبحانه وتعالى في دين الله، فغيَّر في دين الله وأنت تدافع عنه؟ فلا تكن كذلك، إذا كان من آواه وخبأه ملعونًا، فكيف بمن فعل ذلك؟ نسأل الله السلامة.
الملعون الرابع: «ولعن الله من غيَّر منار الأرض»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ملعون من غيَّر حدود الأرض»؛ (طس) (8497)، (ك) (8053) صحيح الترغيب: (2420)، صحيح الجامع: (5891).
فما هي المنار؟ المنار: جمع منارة، وهي العلامة، هكذا في اللغة، والناس يضعون بينهم وبين جيرانهم علاماتٍ وحدودًا على الأرض، سواء بالحديد والأوتاد، أو بنبات معين يشبه البصل، يضعونه، وهذا لا يتحرك ولا ينتشر يبقى وينمو في مكانه كل عام، هكذا عهِدنا آباءنا يصنعون، فمن اقتلع شيئًا من ذلك وزحزحه شبرًا نحو أرض صاحبه، أو نحو أرض أخيه، أو نحو أرض جاره؛ ليغتصب منه شيئًا، نسأل الله السلامة، فقد غيَّر منار الأرض، غيَّر التخوم؛ وقد جاء في الحديث: «إن من أفْرى الفِرى من غيَّر تُخُوم الأرض»؛ ((حم) (5998)، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح)، أكذب كذبة، لكنها كذبة عملية واقعية، سيحاسبه عليها يوم القيامة رب العزة سيحاسبه، كيف حسابه؟ حسابه كما جاء في الحديث: «من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، فإنه يُطوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين»؛ ((خ) (3198)، (م) 137- (1610))،
تصور اقتطعنا هذا الشبر إلى الأرض السابعة، سبع أرضين، ثم وضعناها حول عنق هذا الإنسان، سبع أرضين طولًا، والعرض شبر، شبر من الأرض؛ وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض، كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين، ثم يحمل ترابها إلى المحشر، يوم القيامة، حتى يُقضى بين الناس»؛ (الحديث بزوائده عند: (حم) (17571)، انظر الصحيحة: (240)، (حم) (17569)، انظر: صحيح الجامع: (5984)، الصحيحة: (242)، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن، (حب) (5164)، انظر: صحيح الترغيب: (1868)).
يا ظالم، يا من ظلمت جارك، وأخذت من أرضه شيئًا إلى دارك، أو أضفته إلى أرضك، اردده قبل ألَّا ينفعك مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، فلنتخلص من هذه الأمور في الدنيا قبل الآخرة.
هذا من اقتطع شبرًا، فكيف بمن اقتطع مترًا؟ فكيف بمن اغتصب ظلمًا وعدوانًا أراضيَ لمظلومين؟
والسؤال الآن؛ فكيف بمن قضم الضفة الغربية بالمستوطنات، يأخذونها؛ ليس بأشبار بل بهكتارات ودونمات، بالمئات سيحملونها يوم القيامة إن لم يؤمنوا بالله ويتوبوا إلى الله؟
كذلك ما يقدَّم، لا يجوز أن يقدم عبادة وتقربًا إلا لله عز وجل؛ من الذبائح والأموال وما شابه ذلك.
كذلك لا تخفي أحدًا ولا تتستر على مجرم في حق الوطن والأرض، أو في حق العرض والمال ونحو ذلك.
كذلك، الأرضَ الأرضَ، وقد نُهينا عن بيع الأرض، لا لمسلم ولا لكافر، أما للمسلم فلا يجوز بيعها إلا عند الاضطرار، وتحتاج لأن تشتري عقارًا آخر، ومن فعل ذلك فباع لا مضطرًا ولا محتاجًا، لا بركة فيما أخذ، ولاحظوا إخواننا الذين باعوا الأراضي، لا نقول على اليهود، فهذا أمر حرام مفروغ منه.
بل بيع المسلمين فيما بينهم، باع أرضه ليشتري سيارة، باعها ليفعل الفواسق؛ من خمور ومخدرات ونحو ذلك، باعها لمتاع حياته الدنيا، ماذا حاله الآن؟
الذي يكرمه الله الآن من يشتري أرضًا لا من يبيع، إلا مضطرًا ليشتري عقارًا آخر؛ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من باع دارًا أو عقارًا، ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يُبارَك له فيها»؛ ((جه) (2490)، (2491)، (حم) (18739)، انظر: صحيح الجامع: (6119)، الصحيحة: (2327)).
فهذه الأمور حافظوا عليها يا عباد الله وإياكم وما يجلب اللعن، وهذا الحديث الذي رواه علي رضي الله عنه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من لعن والده، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدِثًا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض»؛ ((م) 43 - (1978)).
قال الصنعاني رحمه الله: "على أن ذلك ليس دعاءً منه صلى الله عليه وسلم بالإبعاد، بل إخبار بأن الله تعالى لعن هؤلاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُبعَث لعَّانًا"؛ (من التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 205)).
فهذا اللعن ليس دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس بلعَّان، وينهى عن اللعن، إذًا ما هذا، والحديث صحيح؟ هذا إخبار، وليس دعاء، إخبار أن الله لعنه، انتهى الأمر، إن الله لعن من فعل ذلك، وطرد من رحمته، إلا إن تاب وأناب، فالله يقبل الكافر والمرتد، والمشرك والمنافق، إذا تاب وأخلص، فكيف بغيره؟
فيا من قصرت في ذلك، فلعنت وعققت والديك، ومات أبوك وأمك، والآن استمعت إلى هذه الخطبة، وأنت كنت تفعل ما يجلب اللعنة بسب الوالدين، تفقَّد أصحابهما لتكفِّر عن ذنوبك نحوهما، تفقَّد الأرحام؛ فإن «الخالة بمنزلة الأم»؛ ((خ) (2699)، (ت) (1904) (د) (2280))، إذا كانت أمك غير موجودة فبِرَّ الخالة، و((إن عم الرجل صِنو أبيه))؛ (م) 11- (983)، فتفقدوا الأرحام، يا من فقدتم الآباء والأمهات.
وتزداد أجرًا وثوابًا، ومثاقيلَ في الموازين، إن كنت بارًّا بوالديك، وتصل بعدهما أهل ودِّهما، يعني أصحاب الوالدين، رفقاءهم، لا تنسَ ذلك يا عبدالله.
ثم هذا الأمر الذي نحن بصدده هذا في المسلمين، ولا نتكلم عن الكافرين، تكلمنا عرضًا عن اليهود الذين يغتصبون أرضنا فلهم شأن آخر، أما هذا بين المسلمين، واللعن هذا لمسلم يفعل ذلك، لكن باب التوبة مفتوح، ولن يُغلق إلا في حالين:
عندما تغرغر الروح في الحلقوم، والغرغرة يعني الروح تريد أن تخرج، هنا يُقفَل باب التوبة.
وعندما تطلع الشمس من مغربها، يُقفَل باب التوبة.
أما قبل ذلك فنحن فيها، وفي هذا الوقت الذي منحنا الله إياه، نثابر للتوبة، ونتفكر فيما قدمنا من ذنوب وخطايا، فنتوب إلى الله ونُقلع عما نحن فيه من أعمال سيئة.
فصلوا على الرسول الكريم، الذي صلى عليه الله في كتابه، وصلت عليه الملائكة؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
_______________________________________________________
الكاتب: الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
- التصنيف: