اَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ
استجابة لأمر ودعوة دعى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. قال: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، رضى الله عنهما : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ : " « أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ "»
أيها الإخوة الكرام: قبل سبعة أيام بالتمام والكمال، كان حديثنا عن استجابة المؤمنين لرب العالمين..
وكان الأصل في ذلك الحديث قول الله عز وجل ﴿ { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ﴾
ولأننا في شهر شعبان ضربنا مثالا لاستجابة المؤمنين لأمر رب العالمين ب ( تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام)
حيث أن المؤمنين استجابوا وتقبلوا وسمعوا وأطاعوا وخضعوا واستسلموا لأمر الله تعالى فورا بلا جدال .. حتى أن منهم من كان راكعا فلما بلغه الخبر ولم يزل راكعا سمع وأطاع واستجاب لأمر الله تعالى حال ركوعه بلا تردد ولا شك ولا جدال..
{﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا۟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ }
واليوم حديثنا عن استجابة أخرى للمؤمنين لكنها اليوم استجابة لأمر ودعوة دعى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم..
قال: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، رضى الله عنهما : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ : " « أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ "» ؟
هذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جنة عرضها الأرض والسموات..
" أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ "؟ (دعوة) فمن ذا الذي يستجيب لها؟!
القرآن الكريم يقول" إنما يستجيب الذين يسمعون " والصحابة رضوان الله تعالى في السنة يقولون ( نحن المشمرون )
قال النبي عليه الصلاة والسلام " «أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا» ...
ثم وصف رسول الله الجنة فقال: «هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ» ".( نسأل الله الكريم من فضله)
ما أن فرغ رسول الله من وصف الجنة التي خلقها الله تعالى بيده وأودع فيها من ألوان النعيم ما لا يخطر على قلب بشر حتى استجاب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لدعوته عليه الصلاة والسلام فقَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فقَالَ صلى الله عليه وسلم" « قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ". ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ، وَحَضَّ عَلَيْهِ..
{﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُوا۟ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾}
الشاهد: ما قاله الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.. قيل لهم " أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ " فقالوا نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فقَالَ صلى الله عليه وسلم" قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ " فقالوا إن شاء الله، فذكرَ الْجِهَادَ، وَحَضَّ عَلَيْهِ..
من بين من حضر هذا المجلس، وسمع ما قيل فيه، واستجاب له
وآمن وصدق وسمع وأطاع.. صحابي جليل يقال له عمرو بن الجموح..
هو أحد رجالات الأنصار، وسيد من سادات بني سلمة، وكان رضى الله عنه مثالا يحتذى في الإقدام والكرم والنفقة في سبيل الله عز وجل..
سبقه إلى الإسلام بنوه الأربعة، أسلموا وشهدوا المشاهد كلها مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا ( أسدا) رضوان الله تعالى عليهم..
وكان برجله رضى الله عنه (عرجا بينا) فلما حضر المجالس، وسمع دعوة رسول الله إلى الجهاد في سبيل الله وإلى الجنة.. تاقت نفسه إلى الجهاد في سبيل الله وتنمى أن يلق الله تعالى وقد جاد بنفسه في سبيل الله رجاء أن يكون من أهل الجنة فَقَال : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ، أَأمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ ؟ وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «" نَعَمْ "» .
فلما كان يوم بدر جهز عمرو بن الجموح نفسه للخروج في سبيل الله فمنعه بنوه، واتوا فتوسلوا إلى رسول الله أن يرده وأن يمنعه الخروج لعذره ذلك أن الله تعالى يقول: ﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى ٱلْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ ﴾ فعذره رسول الله لعرجته، فأبى عمرو إلا الخروج فأمره رسول الله أمرا أن يبقى بالمدينة فمكث بها وقلبه يتقطع حسرات، وتولى وعينه تفيض من الدمح حزنا..
فلما كان يوم أحد جهز عمرو بن الجموح نفسه و (هم) بالخروج فمنعه أولاده وقالوا سنحبسك عن الخروج.. أنت معذور قد عذرك الله تعالى..
فأتى عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك ، فوالله يا رسول الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله، فلا جهاد عليك.. وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله.
فخرج عمرو مع المسلمين يوم أحد فكان في أول من قتل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام..
قال أصحاب السير:
فَقَتَلُوهُ يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَمَوْلًى لَهُمْ، فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ ". فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا وَبِمَوْلَاهُمَا، فَجُعِلُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ..
وفيه وفي شهداء أحد، وفي جميع شهداء الحق في كل زمان.. نزل قول الله عز وجل {﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ ﴿ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا۟ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}
وبعد ست وأربعين سنة أتت السماء بماء منهمر فسال الوادي..
فحَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَ عمرو وصاحبه وَكَانَ قَبْرُهُمَا مِمَّا يَلِي السَّيْلَ، وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَهُمَا مِمَّنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فَحُفِرَ بنو سلمة عَنْهُمَا لِيُغَيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا، فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا دفنا بِالْأَمْسِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ جُرِحَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جُرْحِهِ فَدُفِنَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَأُمِيطَتْ يَدُهُ، عَنْ جُرْحِهِ، ثُمَّ أُرْسِلَتْ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.
وهذه كرامة من الله تعالى جعلها الله تعالى لشهداء الحق ومنهم عمرو بن الجموح تشهد بفضلهم وتنطق بصدق إيمانهم وببركة أعمالهم..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا عيش السعداء، ومنازل الشهداء إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث أن نقول:
إن عمرو بن الجموع كان معاقا ( إعاقة حركية) كان أعرج..
لكنه كان في غاية الصحة الإيمانية،والنفسية والعقلية والله تعالى يقول: {﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾}
كان رضى الله عنه من أصحاب الأعذار لكنه لم يلتفت إلى عذره، ولم يتعلل به ، على الرغم من أنه لم ينتظم في الصفوف مؤمنا بالله ورسوله إلا بضعة أشهر.. فقد تأخر إسلامه رضى الله عنه بعض الشيء عن إسلام أولاده وعن إسلام الأنصار ، ورغم ذلك كان رضى الله عنه عالى الهمة سباقا إلى الخيرات مزاحما على المكرمات..
يود كما صاحب رسول الله في الدنيا أن يحشر معه وأن يصحبه يوم القيامة في الجنة {﴿ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُو۟لَٰٓئِكَ رَفِيقًا ﴾}
ولأن من يكثر من قرع الباب يفتح له، لم يزل عمرو بن الجموح رضى الله عنه يسأل الله الشهادة في سبيل الله، ويسعى إليها، ويلح في طلبها حتى نالها، ذلك أن نيل المطالب لا يكون بالتمني..
نيل المطالب بالسعي والطلب وبذل الوسع والتعب والسهر.. وما نيل المطالب بالتمني ولكن ألق دلوك في الدلاء..
قَال : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ، أَأمْشِي بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ ؟ وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ ".
عمرو بن الجموح مثال: نضربه لأنفسنا وشبابنا، فلا يمنعك عن أملك شيء ما دمت صادقا في طلبه.، ولن يعطلك عن هدفك شيء ما دمت تسعى إليه، وما دمت تجاهد من أجل الوصول إليه هذا يقال لطالب العلم، ويقال للرجل الساعي على رزقه ويقال لكل أحد
قال احدهم للنبي عليه الصلاة والسلام أدع الله أن يجعلني معك في الجنة فقال عليه الصلاة والسلام ( « أعني على نفسك بكثرة السجود» )
ذلك أن الله تعالى يقول ﴿ {وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُوا۟ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ} ﴾
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا عيش السعداء وكرامة الشهداء إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
- التصنيف: