همسات في وداع رمضان
تذكَّر رحيلك من الدنيا، تذكَّر أيها الصائم وأنت تودِّع شهرك سرعةَ مرور الأيام، وانقضاء الأعوام؛ فإن في مرورها وسرعتها عِبرةً للمعتبرين، وعِظةً للمتَّعِظين...
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعونه تُنال الْمُنى وتبلغ الغايات، له الحمد كما ينبغي لوجهه وعظيم سلطانه، له الحمد في أول الأمر وآخره، وباطنه وظاهره، وعلنه وسرِّه، وله الشكر على جزيل كرمه، ووافر امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله الحي القيوم الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام الأصفياء والمتقين، من عبَدَ ربَّه حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فيا أيها الصائمون:
لكل شيء إذا ما تم نقصـــانُ ** فلا يُغَرُّ بطِيب العيش إنسانُ
وهذه الدار لا تُبقِي على أحد ** ولا يدوم على حال لها شـانُ
عباد الله: تُجمَع صحيفة رمضان إلى سجل الذاهب الذي لا يرجع، ويأفُل بدر هذه الليالي الْمُقْمِرة والأيام المشرقة، وليس منا إلا الصبر على الوداع المرِّ لضيف كان كالطيف لم تطُل إقامته، لقد دَنَتْ ساعات الرحيل، وبَدَتْ أمارات التوديع من الضيف الكريم، قبل أيام قلائل استقبلنا شهر رمضان بشوقٍ وتلهُّف، إذا بنا نودِّعه، نعم، نودعه، وما نملك إلا أن نقول: سلام عليك يا شهر الجود والصيام، وسلام عليك يا شهر التلاوة والقيام، وسلام عليك يا شهر الجِدِّ والالتزام، وسلام عليك يا محفِل الطاعات، ومحرَقَة الأوزار والآثام.
أحبتي: وفي كل عام عندما يشارف رمضان على الانتهاء نسمع عبارات الحزن على فراقه وعدم الرغبة في انتهائه، نعم، يحزن القلب على فراق رمضان؛ فنحن لا ندري هل سندركه من جديد أم ينتهي العمر، ونحن نودع شهرنا الكريم كان لا بد لنا من همسات نهمس بها في أُذُنِ كل مسلم، أسمَيْتُها همسات في وداع رمضان، ونسأل الله العونَ والتوفيقَ، والقبول والإخلاص؛ إذ لا حول ولا قوة إلا بالله.
الهمسة الأولى تقول: تذكَّر رحيلك من الدنيا، تذكَّر أيها الصائم وأنت تودِّع شهرك سرعةَ مرور الأيام، وانقضاء الأعوام؛ فإن في مرورها وسرعتها عِبرةً للمعتبرين، وعِظةً للمتَّعِظين؛ قال عز وجل: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: 44].
فيا من ستودِّع رمضان، تذكر أنك ستودع الدنيا، فماذا قدمتَ لله؟ هل أنت مستعد للقائه؟ إن من عزم على سفر، تزوَّد لسفره، وأعدَّ العُدَّة، فهل أعددت زادًا لسفر الآخرة؟ فعجبًا لمن أعدَّ للسفر القريب، ولم يُعِدَّ للسفر البعيد؛ ((قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقًا»، قال: فأي المؤمنين أكْيَس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لِما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس...».
قال حامد اللفاف: "من أكْثَرَ من ذكر الموت، أُكْرِم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القوت، ونشاط العبادة، ومن نسِيَ الموت، عُوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة".
ودخل رجل على أبي ذرٍّ، فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: "يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتًا نوجه إليه صالح متاعنا، قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، قال: إن صاحب المنزل لا يَدَعُنا فيه"، فتأمل - أخي - في هذا الفقه النبيه؛ إذ قال أبو ذر: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه؛ فالمنزل للدنيا، وصاحبها هو الله؛ وقد قال الله تعالى: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
وهذا الفضيل بن عياض رحمه الله سأل رجلًا: "كم أتت عليك؟ قال: ستون سنةً، قال: فأنت منذ ستين سنةً تسير إلى ربك، توشِك أن تبلغ، فقال الرجل: يا أبا عليٍّ، إنا لله وإنا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلَم ما تقول؟ قال الرجل: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل: تعلم ما تفسيره؟ قال الرجل: فسِّره لنا يا أبا علي، قال: قولك: إنا لله، تقول: أنا لله عبدٌ، وأنا إلى الله راجع، فمن علِم أنه عبدٌ الله وأنه إليه راجع، فليعلم بأنه موقوف، ومن علِم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسؤول، ومن علِم أنه مسؤول، فليُعِدَّ للسؤال جوابًا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تُحسِن فيما بقِيَ يُغفَر لك ما مضى وما بقِيَ، فإنك إن أسأتَ فيما بقِيَ، أُخذت بما مضى وما بقِيَ"؛ [حلية الأولياء].
الهمسة الثانية تقول: إياكم أن تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، بئس القوم قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان، فإذا انسلخ رمضان، كان عيدهم إضاعة للواجبات، ونومًا عن الصلوات، ومقارفة للمعاصي والمنكرات، فاحذر أن تكون مثل بلعم بن باعوراء؛ حيث كان لسيدنا موسى عليه السلام صاحبٌ من المقربين إليه، يسمى بلعم بن باعوراء، وهو عالم من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، لا يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، بلغ من ثقة موسى فيه أنه قال له: يا بلعم، اذهب إلى أهل مدين، فبلغهم رسالات الله، فلما ذهب بلعم ووقف بينهم خطيبًا ومرشدًا، قال له أهل مدين: كم يعطيك موسى من الأجر على تبليغ هذا الكلام؟ فقال بلعم: إنما أبلغه ابتغاء مرضاة الله، لا أتقاضى على ذلك أجرًا، فساوموه وجعلوا له مقدارًا من الذهب والفضة، وعندئذٍ فكَّر الرجل قليلًا، وبعد ذلك عاد إليهم، وترك نبيَّ الله موسى، وانقلب على عقبيه، وانتظره موسى؛ ليعود إليه، ولكنه لم يعُدْ إلى موسى، فقد أكلته الدنيا، وباع آخرته بدنياه، وعندئذٍ قصَّ الله قصته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحذَّرنا أن نكون مثله، فبعد أن ذاق حلاوة الإيمان، وآتاه الله آياته، انقلب على عقبيه، واشترى الضلالة بالهدى، وانسلخ من آيات الله، كما تنسلخ الحية من جلدها؛ فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175]، وهذه التحذيرات القرآنية تنطبق على من ذاق حلاوة طاعة الله تعالى في رمضان، فحافَظَ فيه على الواجبات، وترك فيه المحرمات، حتى إذا انقضى الشهر المبارك، انسلخ من آيات الله، ونقض غزله من بعد قوة أنكاثًا.
إن كثيرًا من المسلمين يكونون في رمضان من الذين هم على صلاتهم يحافظون، فإذا انقضى رمضان، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وكثيرٌ من المسلمين يجتنبون في رمضان مشاهدة المحرمات، وسماعَ الأغاني، فإذا انقضى رمضان، عادوا إلى ما كانوا عليه من الباطل، وهؤلاء يُخشى عليهم أن يُخْتَمَ لهم بالسيئات، أعاذنا الله وإياكم.
فيا من صام لسانه في رمضان عن الغِيبة والنميمة والكذب، واصِلْ مسيرتك، وجدَّ في الطلب، ويا من صامت عينه في رمضان عن النظر المحرم، غضَّ طرفك ما بقِيتَ، يُورِث الله قلبك حلاوة الإيمان ما حييت، ويا من صامت أذنه في رمضانَ عن سماع ما يحرُم من القول، وما يُستقذر من سماع غِيبة، أو نميمة، أو غناء، أو لهو، اتَّقِ الله ولا تعُدْ، اتق الله ولا تعد، ويا من صام بطنه في رمضان عن الطعام، وعن أكل الحرام، اتَّقِ الله في صيامك، ولا تُذهِب أجرك بذنبك، وإياك ثم إياك أكل الربا، فإن آكِلَه محارب لله ولرسوله، فهل تطيق ذلك؟ ولقد ذم السلف هذا الصِّنف من الناس، وهذا النوع من الأجناس، قيل لبِشْر الحافي: إن قومًا يجتهدون ويتعبدون في رمضان، فقال: "بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، إن الصالح يجتهد ويتعبد السنة كلها".
وعن علقمة قال: ((قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، بل كان عمله دِيمة))؛ (البخاري ومسلم).
الهمسة الثالثة تقول: القَبولَ القَبول؛ فقد مضت الأعمال، والصيام، والقيام، والزكاة، والصدقة، وختم القرآن، والدعاء، والذكر، وتفطير الصائم، وأنواع البر التي حصلت، والعمرة التي قام بها الكثير، لكن هل تُقبِّلت أو لا؟ هل قُبِل العمل أو لا؟ يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من ردِّه، وهؤلاء الذين يُؤتُون ما آتَوا وقلوبهم وجِلة، يعطي ويخشى ألَّا يُقبَل منه، يتصدق ويخشى أن تُرَدَّ عليه، يصوم ويقوم ويخشى ألَّا يُكتَب له الأجر.
قال بعض السلف: كانوا لقَبول العمل أشدَّ منهم اهتمامًا بالعمل ذاته، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، فغير المتقين ما هو حالهم؟
وعن فضالة بن عبيد قال: "لأن أكون أعلم أن الله قد تقبَّل مني مثقال حبة من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]".
يقول بعضهم: "لو أعلم أن الله تقبل مني ركعتين لا أهتم بعدها؛ لأنه يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]".
وقال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ أيُقبَل منهم أم لا"، وقع عليهم الهم، وليس وقعوا في المعاصي، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: "يا ليت شعري مَن هذا المقبول فنهنئه، ومن هذا المحروم فنعزيه".
فليكُنْ حالنا بعد شهر رمضان كما كان في رمضان، ولنواصل الطاعات، ولنثبت على طريق الحق، حتى نلقى الله عز وجل وهو راضٍ عنا.
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:
فما زلنا مع همسات في وداع رمضان، والهمسة الأخيرة لكل محزون تقول:
لا تحزن؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عالَجَ المحبين بعد مرور شهر رمضان، فمدَّ وشائج القربى بيننا وبين شهر القرآن، فما رمضان إلا صيام، وقيام، وقرآن، وتقوى، فإن كنت حزينًا على الصيام، فقد سنَّ لك النبي صلى الله عليه وسلم الصيام على مدار العام، بداية من شوال، ووصولًا إلى شعبان، فلم تُحْرَمِ الصيام، سنَّ لك الستة الأيام من شوال وبيَّن لك فضلها؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، ثم أتْبَعَه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر»؛ (مسلم وغيره).
فبإمكانك أن تعاود الصوم بداية من ثاني أيام العيد، متصلات أو منفصلات، وإن كان الأفضل المسارعة إلى الطاعة من باب: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
وسنَّ لك صيام يوم عرفة، وعاشوراء، وصيام يوم قبله؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفِّرَ السَّنَةَ التي قبله»؛ (صحيح مسلم).
وحثَّ صلى الله عليه وسلم على صيام أكثر المحرَّم، فقال: «أفضل الصيام - بعد رمضان - شهر الله المحرم...»؛ (صحيح مسلم).
وكان يصوم أكثر شعبان، فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((وما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر، إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان))؛ (متفق عليه).
وكان يصوم الاثنين والخميس؛ ولما سُئِل صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قال: (( (إن أعمال العباد تُعرَض يوم الاثنين والخميس) ))؛ (صحيح أبي داود).
وسنَّ صيامَ ثلاثة أيام من كل شهر؛ فعن عبدالله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صُمْ من كل شهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر»؛ (متفق عليه).
ومدح صيام داود عليه السلام؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الصيام إلى الله صيام داود؛ كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا»؛ (متفق عليه).
هذا عن الصيام، أما عن القيام، فهذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم طوال العام، ومن خصائص المتقين: ﴿ «كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ» ﴾ [الذاريات: 17].
وحثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومَكْفَرَة للسيئات، ومنهاة عن الإثم»؛ (تمام المنة للألباني).
وهو شرف المؤمن؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فقال: يا محمدُ، عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحْبِبْ من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس»؛ (السلسلة الصحيحة).
• أما عن القرآن، فهذا دَيدنُك طوال العام، فهل لا يُقرَأ القرآن إلا في رمضان، وبعد ذلك نتخذه مهجورًا؟ إن القرآن كلام الله، كتاب حياة المسلم صباحه ومساءه، فضل قراءته عميم، وثوابه عظيم، تُضاعَف لك الحسنات أضعافًا مضاعفة كلما قرأت فيه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»؛ (صحيح سنن الترمذي).
والله تعالى يرفع بالقرآن أقوامًا؛ كما بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين»؛ (صحيح مسلم).
وإذا كنا نرجو العتق من النيران في كل ليلة من رمضان، فما زالت الفرصة متاحة بأعمال أخرى يسيرة؛ مثل المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام في الجماعة أربعين يومًا؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كُتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق»؛ (الحديث حسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي).
والمحافظة على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعده؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها، حرَّمه الله على النار»؛ (رواه أبو داود والترمذي).
وأيضًا البكاء من خشية الله تعالى؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلِج النار رجل بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخانُ نار جهنم»؛ (رواه النسائي في السنن، وصححه الشيخ الألباني).
وتربية البنات والإحسان إليهن؛ فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ابتُلِيَ من هذه البنات بشيء، كُنَّ له سترًا من النار»؛ (رواه البخاري).
والمحافظة على صلاتي العصر والصبح؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من صلى الْبَرْدَين، دخل الجنة»؛ (متفق عليه).
أيها الأحبة، فضل الله واسعٌ، ونفحاته في دهره لم تَنْتَهِ حتى ولو انتهى رمضان، ما زال أمامنا عشر ذي الحجة، ما زال عندنا صيام يوم عرفة، وعاشوراء، وصيام غيرها من الأيام كالاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، ما زال باب التوبة والمغفرة مفتوحًا، ما زالت أبواب السماء مفتوحة لإجابة الدعاء في كل وقت، وخصوصًا في ثلث الليل الأخير والسجود، وغيرها من أوقات الإجابة، وهكذا أخي المحب الحزين لمرور شهر رمضان، في هَدْيِ نبيك صلى الله عليه وسلم شفاءُ همِّك وغمِّك، ولك في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة؛ فكان إذا فرغ من عبادةٍ، سارع إلى غيرها، ممتثلًا أمر ربه؛ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7]، وقد أمره ربه بدوام العبادة حتى الموت؛ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، فلا تودِّع رمضان، بل اصحبه واصطحبه معك لباقي العام، لم ينتهِ الصوم ولن ينتهي، لم يرحل القرآن ولن يرحل، لم يرحل القيام ولن يرحل، لم ترحل الصدقات ولن ترحل، لم يرحل الحب ولن يرحل، لم يرحل القلب الطيب ولن يرحل، لم يرحل اللين والرفق ولن يرحل، لم تتوقف استجابة لله لدعواتنا ولن تتوقف، لم يقف الأجر ولن يقف؛ فلا تودِّع رمضان، بل اصحبه واصطحبه معك لباقي العام، لم يكن رمضان شهرًا، إنما كان منهجًا وأسلوبَ حياة، كان منهجًا أخلاقيًّا قائمًا على محور سلوكي وإيماني وتعبدي، رمضان كان الولادة التي ستعيش عليها باقي العام، أفْسِحْ لرمضان الطريق، وامْنَحْهُ المجال ليحيا معك وبك طول العام، إن كانت أيامه المعدودات قد انتهت بما فيها من إعداد، فإن أيام العطاء قادمة، ووقت المنح آتٍ في الطريق، فاللهم ثباتًا على الطاعات حتى نلقاك وأنت عنا راضٍ؛ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، صدقت وتعاليت يا كريم، اللهم اجعل هذا الشهر شاهدًا لنا، وحجة لنا لا حجة علينا، اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فأحْسِنْ عملنا فيه، وإن قضيتَ بقطع آجالنا، فأحسِنِ الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعُمَّنا برحمتك وغفرانك، واجعل الموعد بُحْبُوحة جنتك ورضوانك، وأقم الصلاة.
_________________________________________________________
الكاتب: الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
- التصنيف: