خطبة: عيد الفطر 1444 هـ - أفراح المؤمن
إن يومكم هذا يومٌ شريف فضَّله جل وعلا وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفرح به المؤمنون؛ لأن الله وفَّقهم لإكمال الصيام، وأعانهم على العبادةِ والقيام، وتلاوةِ القرآن في شهر رمضان...
الحَمْدُ للهِ رفيعِ الدرجاتِ، فاطرِ الأَرْضِ والسماواتِ، عالمِ السر والخفِياتِ، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، باسِطُ الخيراتِ، واسِعُ الرحماتِ، مُجِيبُ الدعواتِ، أهلُ التقوى والمغفرةِ والمكرُماتِ، وأشهدُ أن محمدًا عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، الحنيفيةُ شرعه ودينُه، والقرآن كتابه وبيانه، والحقُّ جلَّ وعلا ناصِرُهُ ومُعينُهُ، صلى الله وسلم وبارك عليهِ، وعلى آله النجوم الزاهرات، وصحابتهِ أولي السبقِ والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ، ما دامت الأرضُ والسماوات، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المؤمنين والمؤمنات، اتقوا الله في السر والإعلان، واحفَظوا ذخيرة التقوى والإيمان، واعلموا أن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61]، أما بعد:
فإن يومكم هذا يومٌ شريف فضَّله جل وعلا وشرفه، وجعله عيدًا سعيدًا لأهل طاعته، يفرح به المؤمنون؛ لأن الله وفَّقهم لإكمال الصيام، وأعانهم على العبادةِ والقيام، وتلاوةِ القرآن في شهر رمضان، {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
واعلموا أثابكم الله أن أفراح المؤمن تترى عليه في دنياه بشارةً له في أخراه، وإنَّ أول أفراحِ الآخرة للمؤمن يوم يأتيه الأجل مصحوبًا بالبشارة من ملائكة الرحمن: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.
ثم تتوالى أفراحُه حين يوسَّد في قبره وحيدًا فريدًا، فتأتيه البشارة بقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
قال صلى الله عليه وسلم: «فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ».
فإذا نُفِخ في الصور وصعِقَ من في السماوات ومن في الأرض، اختصَّ ربنا جلَّ وعلا عباده الصالحين بالأمن والأمان؛ قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89].
أما حين يُحشر الخلائق في أرض المحشر وتدنو الشمسُ من الرؤوس، فإن فرحَ المؤمن ساعتها في أن يُحشر بكرامةٍ وتكريم {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85]، قال علي رضي الله عنه: أما والله ما يحشرُ الوفدُ على أرجلهم، ولا يساقون سوقًا، ولكنهم يؤتون بنوقٍ لم يرَ الخلائق مثلها، عليها رحال الذهب، وأزمَّتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة.
فإذا تطايرت الصحف، فالفرحة الكبرى حين يأخذ المؤمنُ صحيفتَه بيمينه: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 19، 20].
فإذا اشتد بالناس العطشُ، وهُرعوا يبحثون عن شربةِ ماء تُطفئ لهيب ظمئهم، لاح لهم حوضُ النبي صلى الله عليه وسلم، فهرعوا اليه، والفرحة العظمى لمن يُسقى منه شربةً فإنه لا يظمأ بعدها أبدًا، وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «حَوْضِي مَسِيْرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيْحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلا يَظْمَأُ أَبَدًا»؛ (متفق عليه).
وبعدها يُحشر الناس في الظلمة على الصراط وهو جسرٌ منصوب على نار جهنَّم، فتنخلع القلوبُ ساعتها إلا المؤمنين، فإنهم يُعطون أنوارهم بين أيديهم وبأيمانهم، {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12].
فإذا ما اجتاز المؤمنون الصراط والقنطرة التي بين النار والجنة، حمدوا الله تعالى أن اجتازوا دار الجحيم، وأقبلوا على دار النعيم يجدون ريحها، فيزدادون شوقًا لها، ويُستقبلون بالتَّرحاب، {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73].
وتكتمل أفراحهم عندها باجتماعهم مع أهليهم وذرياتهم الصالحين في دار النعيم، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِي} [الطور: 21].
رزقنا الله وإياكم فردوسه وجنانه، وأكرمنا بمغفرته ورضوانه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله كثيرًا، والله أكبر كبيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المؤمنين، وكما نجتمع وأهلونا في هذا العيد السعيد، فإننا موعودون بالاجتماع بهم في الجنة إذا ما حققنا ما اشترطته الملائكة في دعائها للمؤمنين؛ قال تعالى عن ذلك الدعاء: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر: 8].
أرأيتم بركة الإيمان وأثر الصلاح والاستقامة على أمر الله، أرأيتم كرامة الإيمان وشرفَه حين تجتمع الأسرة عليه، أرأيتم ثمرات الإيمان وأفراحه، أرأيتم مِنَحَ الإيمان وجوائزه، فهل نملك يا عباد الله أغلى وأعزَّ من هذه المنحةِ الربانية؟ أليس جديرًا بنا أن نحفَظ ذخيرة إيماننا من النقص والنقض؟ ومن الضياع والضعف؟ أليس جديرًا بنا معاشر المؤمنين والمؤمنات أن نعمل على تحقيق إيمانِنا وزيادته بالطاعات والقربات، والبر والصلات، ورعايته بحسن الخلق والعلم النافع والعمل الصالح، وبتقوى الله ومراقبته والاستقامة على شرعه؟ أليس جديرًا بنا أن نحفَظ إيماننا وأهلينا وأبناءنا من الشهوات المحرمة والشبهات المضِلة، ومن ضلالات شياطين الإنس والجن الذين يسعون ليلَ نهار لإضلال شباب المسلمين بالشهوات والشبهات، أرأيتم كم هي خسارة من استجاب لتلك الشهوات وانخدع بتلك الشبهات، فلنتَّق الله عباد الله، ولنحفظ ذخيرة الإيمان، فإنه كرامةُ الدنيا وسعادةُ الآخرة.
عباد الله، التمسوا الأجر في عيدكم بإدخال السرور على أنفسكم وأهليكم وإخوانكم المسلمين، التمسوا الأجر في صلة الأرحام، والصدقة على الفقراء والإحسان، وإغاثة المنكوبين من المسلمين، العيد يوم التزاور والتسامح، يوم التراحم والتعاطف، يوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها وتتصافى من أحقادها، تتقارب القلوب وتتصافح الأيدي، وتلتقي الأرواح وتسمو النفوس.
ثم اعلموا أن نبيَّكم صلى الله عليه وسلم ندبكم لصيام ستة أيام من شوال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر».
كما أنه قد اجتمع اليوم عيدان الفطر والجمعة، وقد سنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد ألا تجب عليه الجمعة، ولكن يصلي الظهر إذا شاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: «قدِ اجتمعَ في يومِكم هذا عيدانِ، فمن شاءَ أجزأَهُ منَ الجمعةِ، وإنَّا مجمِّعونَ»؛ (صحيح أبي داود)، ونحن نقول كذلك أنا مجمِّعون.
_____________________________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي
- التصنيف: