وحشة القبور!
مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ * أَوِ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ * فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثًا
دفنا بالأمس والد أخي الشيخ محمد فتحي بالمقابر الشرعية في طريق بلبيس الشرقية، وهذه المقابر قريبة من مدينة العبور، وكانت طريقة الدفن شرعية لحدا—
وصفة اللحد : أن يحفر في أسفل جدار القبر الأقرب إلى القبلة مكاناً يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ثم تسد هذه الحفرة بالطوب اللبن خلف ظهر الميت ، ثم يهال التراب — .
وليست المقابر غرفا يُوضع فيها الميت ثم ينصرف عنه أهلُه، بل يحفر للميت في باطن الأرض، ولا يسع القبر إلا فردا واحدا، وليس معه من أحد؛ لا جليس، ولا ونيس، ولا قريب، إلا ما قدم من عمل صالح.
وتفكرت في حالي متعجبا ، ووحشة القبر وظلمته ،ماذا لو كنت أنا هذا الميت،أي عمل صالح قدمته؟!
وأي قربات تنجينا من هذه الظلمة، ومن تلك الوحشة؟! وأثناء وقوفي على القبر ولم يكن قد فُرغ من دفن والدنا الكريم (الحاج فتحي أبو إيهاب) مر بخاطري حديث رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن رجل من الأنصار قال: «خَرَجنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ ، وأَنا غلامٌ معَ أبي فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى حُفَيْرةِ القبرِ فجعلَ يوصي الحافرَ ويقولُ أوسِع مِن قِبَلِ الرَّأسِ ، وأوسِعْ مِن قِبَلِ الرِّجلينِ ، لَرُبَّ عِذقٍ لهُ في الجنَّةِ » .
فقلت لنفسي هذا الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الحافر أن يُوسع له من عند رأسه، و من عند رجليه؛ له عذق في الجنة.
فقلت لنفسي من أراد أن يوسع عليه في قبره، وأن ينور له قبره؛ فلينظر أعمالا صالحة يعملها؛ من محافظة على صلاة الجماعة، وصلاة بالليل، وقراءة للقرآن، وصدقات، وإحسان إلى المساكين لعلها تنفعه في هذا الموضع، وكان لوالدنا الحاج #فتحي_عبد_السميع رحمه الله مثل هذه الأعمال، كما ذكر أولاده حفظهم الله، وشهد الناس بذلك!
ولما فرغ التُربي من الدفن، وأهال التراب على الميت، وأغلق عليه قبره، تطاير التراب علينا، وابتعد الناس كي لا يؤذيهم التراب، و كان الجو حاراً، والشمس قريبة منا، واحتمى الناس بالظل من شدة حرارة الشمس، حينها تذكرت قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وَقد نظَرَ وَهُوَ فِي جِنَازَةٍ إِلَى قَوْمٍ قَدْ تَلَثَّمُوا مِنَ الْغُبَارِ وَالشَّمْسِ وَانْحَازُوا إِلَى الظِّلِّ فَبَكَى وَأَنْشَدَ:
مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ * أَوِ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ * فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثًا
فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوحِشَةٍ * يُطِيلُ فِي قَعْرِهَا تحت الثرى اللبثا
تَجَهَّزِي بِجَهَازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ * يَا نَفْسُ قَبْلَ الردى لم تخلقي عبثا.
فاللهم آنس وحشتنا في القبور، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا ، وافسح بـها ضيق ملاحدنـا ، وارحم في موقـف العرض عليك ذُل مقامنا، وثـبـت على الصراط اقدامنا.
- التصنيف: