إنسان بلا أسنان
حياة بلا مال موتٌ في الحال؛ فالمال للحياة كالماء والهواء فكيف نجاهد أعداءنا؟ وكيف نحافظ على بيضة إسلامنا؟ وكيف تكون الدعوة إلى الله؟ وكيف ننشر الإسلام؟
حياة بلا مال موتٌ في الحال؛ فالمال للحياة كالماء والهواء، فنبضه للحياة كنبض القلب للجسد، فإذا غاب المال، فلا طعامَ ولا شراب، ولا كساء ولا دواء، ولا سكن ولا إيواء، ولا عمران يشق عَنان السماء، ولا راحة ولا مِهاد، ولا حرب ولا جهاد، ولا علم ولا عالم، ولا صنعة ولا صانع، تصير الحياة شبحًا من الأشباح، وسكونًا بلا حَراك، وكابوسًا يكتم الأنفاس، ويكون الإنسان كسمكٍ أُخرج من ماء، أو كتائهٍ وسط صحراء، أو كساقطٍ من الفضاء.
إن المال زينة الحياة الدنيا؛ {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، فكيف تكون الحياة بدون المال؟!
وكيف تكون الدنيا إن تجردت من زينتها؟!
إنها تزداد قبحًا على قبح، وشقاءً على شقاء، ويصير العيش فيها لا يُطاق، فإذا غاب المال، كيف نعلم أولادنا؟
وكيف نعالج مرضانا؟
وكيف نجاهد أعداءنا؟
وكيف نحافظ على بيضة إسلامنا؟
وكيف تكون الدعوة إلى الله؟
وكيف ننشر الإسلام؟
قال تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41]، فكيف نجاهد بغير مال؟ ومن أين يأتي السلاح والعدة والعتاد؟ ألَا تلاحظ أن الله تعالى قدَّم المال على النفس في الآية؟ {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95].
إن تقديم المال على النفس في بعض آيات القرآن دليل على أهمية المال وضرورته.
عزيزي: إن المرء بلا مال كأنه بلا أسنان، فكيف يعيش من سقطت أسنانه؟
إنْ عاش، كان هزيلًا ضعيفًا، يحتاج دومًا لمن يُطْعِمه، وربما تكالبت عليه الأمراض حتى تقتله، وإن مات، فمن عدم إطعامه وشدة جوعه؛ فهكذا الحال مع فاقد المال.
ربما بات يعاني الآلام؛ لأنه فاقد للطعام، وربما خرَّ ميتًا لشدة مرضه والإعياء؛ لأنه فاقد للدواء، يهون أمره على الناس؛ لأنه لا يمتلك الماس.
رأيت الناس قد مالـوا ** إلى من عنده مــــــالُ
ومن لا عنده مـــــــال ** فعنه الناس قد مالــوا
رأيت الناس قد ذهبوا ** إلى من عنده ذهــــبُ
ومن لا عنده ذهـــــب ** فعنه الناس قد ذهبـوا
رأيت الناس مُنْفَضَّــة ** إلى من عنده فضــــــة
ومن لا عنده فضــــة ** فعنه الناس منفضــــــة
هكذا يتعامل الناس مع من لا مال له، لا يقيمون له وزنًا، ولا يأخذون له رأيًا، إن حضر لا يُؤبَه له، وإن غاب لا يُنتبه له.
ربما اشتدت به الفاقة والحاجة، فباع دينه بمتاع حقير.
إن المال الحلال يُقام به الدين، وتصلح به الدنيا؛ {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77].
فالمال الحلال يجعلك تعيش بعزة نفس وكرامة، يمنعك أن تمدَّ يدك للناس، ولا يعرضك لسؤال بخيل، ولا لؤم لئيم؛ فيحفظ عليك ماء وجهك من ذل السؤال، ومن منِّ العطاء، ويجعلك حرًّا أبيًّا، لا يستعبدك غيرك بكِسرة خبز، أو قطعة ثياب.
فكن دائمًا صاحب اليد العليا، تعطي ولا تطلب، تتصدق ولا تسأل، فـ «اليد العليا خير من اليد السفلى»؛ (صحيح البخاري).
إنه لَمن الجنون أن تستمع لمن يزين لك الفقر ويُحبِّبه إليك، فيجعلك ترضى من الخبز بالفُتات اليابس، ومن الثياب بالرقاع البالي، ومن العيش بالدُّون، وفي يديك أن تجمع المال من حلال؛ فتأكل من الطعام أطيبه، وترتدي من اللباس أحسنه، فمن ذا الذي حرم ما أحله الله؟ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].
أليس الله تعالى هو القائل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31].
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا، وتصدقوا والبَسُوا، ما لم يخالطه إسراف أو مَخْيَلَة»؛ (صحيح ابن ماجه).
فلا ترضَ بالفقر والعَوز، إلا إذا كان قدرًا مكتوبًا عليك، لا تستطيع مجابهته ولا مغالبته، وجاهِدْ نفسك أن تكون غنيًّا ذا مال حلال فـ «نِعْمَ المال الصالح للرجل الصالح»؛ [صحيح الأدب المفرد]، فلماذا لا تكون غنيًّا تقيًّا؟ وهل الغِنى جريمة؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا بأس بالغِنى لمن اتقى...»؛ (صحيح ابن ماجه).
أليس لك في أبي بكر وعثمان والزبير وابن عوف قدوة؟
ألم يترك ابن مسعود لورثته تسعين ألفًا؟!
ألم تبلغ صدقات عليٍّ أربعين ألفًا؟!
ألم يتاجر طلحة بن عبيدالله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في بحر الروم؟
لقد كسبوا وخلَّفوا وراءهم الأموال.
هل أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم غِناهم؟
هل أمرهم بالتخلي عن أموالهم، أو ترك أسباب معاشهم؟
ألم ينصروا الدين بأموالهم؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة...»؛ (السلسلة الصحيحة).
دخل رجل على عبدالله بن المبارك، فوجده يبكي، فقال له: ما لك يا أبا عبدالرحمن؟ قال ابن المبارك: بضاعة لي ذهبت، قال الرجل: أو تبكي على المال؟ قال ابن المبارك: "إنما هو قوام ديني".
قال ابن المنكدر: "نِعْمَ العون على الدين الغِنى".
أخي، من ذا الذي ينكر عليك الغِنى وجمع المال إذا انضبط بضابط الشرع؟!
ألم يأمرنا ربنا سبحانه بالسعي على أرزاقنا؛ فقال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]؟
لقد صدق من قال: كلب صيود خير من أسد قعود.
قال سعيد بن المسيب: "لا خيرَ فيمن لا يريد جمع المال من حلِّه".
قال سفيان الثوري: "المال في هذا الزمان سلاح المؤمن".
فالسَّفَهُ كل السفه أن تستمع لمن يطالبك بالتخلي عن مالك، أو ترك أسباب معاشك، أو بعدم إصلاح دنياك؛ فقد دعا النبي ربَّه فقال: ((وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي))؛ [صحيح مسلم].
فهل نترك الأموال للكفار حتى يصيروا قوة؛ فيستبيحوا دماءنا وأعراضنا، ويذبحوا أطفالنا؟
هل نترك الأموال للكفار ليتعلموا ويغزوا الفضاء، ثم نتسول على موائدهم؟
هل نترك لهم المال ليتقدموا ونتخلف؟
هل نترك لهم المال ليعمُروا الدنيا ونعيش نحن على هامش الحياة؟
فهل يرضى بهذا الكلام عاقل؟!
إني أتساءل بكل حزن وأسى: لماذا يعيش أطفالنا ونساؤنا اليوم في الملاجئ؟
لماذا يموتون جوعًا؟
لماذا لا يجدون ما يستر أبدانهم؟
لماذا يقتلهم برد الشتاء في العَراء؟
لماذا لا يستطيع شبابنا الزواج؟
أليس كل هذا من قلة المال؟
أليس كل هذا من سوء إدارتنا لأموالنا ومواردنا؟
أخي المسلم: إن الشرع جعل المال ضرورةً من ضرورات الحياة الخمس، فلا تستقيم الحياة بدونه، فهو قوام الحياة وعصبها؛ قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، إن الحق سبحانه سمى المال خيرًا؛ فقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، وماذا قال النبي للفقراء عندما اشتكَوا إليه أن الأغنياء سبقوهم بأعمال البر والصدقات؟ قال صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء»؛ (صحيح مسلم).
وأي شيء أعظم من فضل الله؟!
فالمال فيه خير كثير، وأمرنا الله أن نحافظ عليه؛ فقال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، ألم يَنْهَ النبي سعد بن أبي وقاص أن يتصدق بكل ماله؟ وقال له: «الثلث والثلث كثير؛ إنك إن تَذَر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس»؛ (الاستذكار لابن عبدالبر).
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك عندما أراد أن يتصدق بكل ماله: «أمْسِك عليك بعض مالك؛ فهو خير لك»؛ (صحيح البخاري)؟
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كرِه لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»؛ (صحيح مسلم)؟
ونهى الله تعالى عن الإسراف والتبذير؛ فقال: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26].
ألم يطلب يوسف من ملك مصر أن يأذَنَ له في حفظ أموال مصر؛ فقال له: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].
قال ابن المسيب: "ينبغي للعاقل أن يحب حفظ المال في غير إمساك؛ فإنه من المروءة...".
عزيزي القارئ: لو سألتك: هل تحب المال؟ بِمَ تجيبني؟ أعلم أنك تجد حبه في قلبك، ولكنك تستحيي أن تنطق بلسانك؛ لاعتقادك أن حب المال مذموم في كل حال، فهل الأمر كذلك؟
لا تتعجب، إن قلت لك: إننا جميعًا نحب المال، ولا يستطيع أحدنا إنكار ذلك؛ لأن الله تعالى قال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، وقال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]، وقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، فمن منا يستطيع إنكار حبِّه للمال؟! ومن أنكر ذلك، فكأنما أنكر وجود الشمس في كبد السماء، أو أنكر استنشاقه للهواء.
لقد خلقنا الله نحب المال، وهذه حقيقة ثابتة، ولكن، هل يحاسبنا الله على ذلك الحب؟
أخي الحبيب: إن حب المال فطرة في القلوب، وطبع من طبائع النفوس، وغريزة تشُدُّ الناس إليها شدًّا، ولن يحاسبك الله على شيء حبَّبه إليك، فما دام حبك للمال لم يقُدْك لجمعه من حرام، ولا إنفاقه في حرام، ولم تمنع حق الله فيه؛ فـ «فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو»؛ (صحيح الجامع).
ولا تجعل حبك للمال يلهيك عن ذكر الله، حتى وإن كان المال حلالًا؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9].
فلا تكن ممن قال فيهم ربنا جل جلاله: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1].
فما دمت تنضبط في حبك الفطري للمال بضابط الشرع، فلا يضرك حبُّه.
قال رجل لأبي حازم سلمة بن دينار: إني لأجد شيئًا يحزنني، قال أبو حازم: وما هو يا بن أخي؟ قال الرجل: حبي الدنيا، فقال أبو حازم: "اعلم - يا بن أخي - أن هذا الشيء ما أعاتب نفسي على حب شيء حبَّبه الله تعالى إليَّ؛ لأن الله عز وجل قد حبب هذه الدنيا إلينا، ولكن لتكُنْ معاتبتنا أنفسنا في غير هذا، ألَّا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئًا من شيء يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئًا من شيء أحبه الله، فإذا نحن فعلنا ذلك، لا يضرنا حبنا إياها"، ولكن...
الحذار، الحذار، يا جامع المال، أن تكون عبدًا للدرهم والدينار، فلا تمكِّنْ حب المال من قلبك، واجعل المال في يديك، فإن للمال بريقًا يَبْهَر الأبصار، ويأسر النفوس، ويخطف الألباب؛ «إن هذا المال خَضِرة حلوة»؛ (صحيح البخاري).
وله فتنة عظيمة تجعل الحليم حيرانَ؛ «إن لكل أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال»؛ (صحيح الترمذي)، ومن شدة فتنته وحب الناس له قالوا: "الدراهم لجروح الدهر مراهم"، وقال النبي واصفًا فتنة الإنسان بالمال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي...»؛ (صحيح مسلم).
حتى قال أحد الشعراء:
فاجمع ولا تحقرن شيئًا تجمعه ** ولا تضيعنه يومًا على حالِ
كل النداء إذا ناديت يخذلنـــي ** إلا ندائي إذا ناديتُ يا مالي
وقال عاشق للمال: "لا شيء أعذب من العسل إلا المال".
فالذهب يُذهِب العقول، والمال تميل له القلوب، فمن تمكَّن حب المال من قلبه، صار قلبه أسيرًا له، حتى يصير المال إلهه من دون الله؛ فيَرضى إن أُعطِيَ، ويسخط إن لم يعطَ، فما أتعس الإنسان وأشقاه إذا اتخذ المال إلهه من دون الله، وصار عبدًا للدرهم والدينار، يفرح بجمعه، ويأنس بقربه، ولا يبالي بما تبقى له من الدين!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعِس عبدالدينار، تعس عبدالدرهم، تعِس وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انتُقِش»؛ (مجموع الفتاوى لابن تيمية).
إن الإنسان إذا صار عبدًا للدرهم والدينار، صنع أي شيء للحصول عليه، وإن كان فيه هلاكه.
وهكذا الحال مع كل عاشق للدرهم والدينار، يبيع دينه بثمن بخس دراهمَ معدودة، ويكون لدينه من الزاهدين.
قال أحد الدعاة: قال لي إخواننا في أمريكا: إن رجلًا منَّ الله عليه بالأموال، وهو جارٌ للمسجد، وما دخل المسجد مرة، ذكَّروه بالله فما تذكر، حذروه من النار فما خاف النار، ذكروه بكلام النبي المختار صلى الله عليه وسلم فما تحرك قلبه؛ وصدق فيه قول الله عز وجل: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
فذهبت إلى هذا الرجل، فرأيته يبيع الخمر في محله، ويبيع لحم الخنزير.
فقلت له: يا أخي، اتَّقِ الله، ألست مسلمًا؟! المسجد إلى جوارك وما خطوت إليه خطوة.
تلوت عليه القرآن، وذكَّرت هذا المسكين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: يا شيخ، أعِدُك إن عُدتُ إلى بلدي - بعدما أحصِّل من المال ما أريد - أن أبني لله مسجدًا، وأن أعتكف فيه ولن أفارقه.
قلت له: انتظر حتى أوقِّع هذا العقد بينك وبين مَلَكِ الموت.
أعطِني هذه الفرصة لأوقع لك هذا العقد بهذه الصورة بينك وبين ملك الموت.
هل ضمِنت يا مسكين أن تعود إلى بلدك؟
هل ضمنت يا مسكين أن تصبح إلى اليوم التالي؟
فنظر إليَّ وقال وهو الذي صار عبدًا للدولار: أشهِد الله، ثم أشهدك، أنني إذا أُصبتُ بحالة إعياء وحالة صداع، فإني أضع ورقة الدولار من فئة المائة على رأسي؛ فيطير الصداع والألم في الحال.
لقد عَبَدَ هذا المسكين الدولار، حتى ظنه شافيَ الأمراض من دون الله، فظنه علاج قلبه، ودواء نفسه، وشفاء روحه.
ولقد قرأت حادثةً لرجل كان يبحث عن كنز في بيته، وأوهمه أحد الدجالين أن هذا الكنز لن يُفتَح إلا إذا أُرِيق عليه دم آدمي، فأراد أن يذبح أحد أولاده، فوقفت له زوجته بالمرصاد، فلما أيِس من ذلك، ضربها وأخذها بالقوة وذبحها، وكانت نهايته السجن.
وكان في بلدة بجوار بلدتي رجال مولعون بالمال، يبحثون عن الثراء السريع، فكانوا يحفرون في باطن الأرض، يبحثون عن آثار فرعونية؛ لكي يبيعوها بالملايين، فظلوا يحفرون في باطن الأرض بحثًا عن الآثار، حتى أطبقت الأرض عليهم وهم بداخلها، فكانت قبرًا لهم.
وخلاصة القول: المال كالماء لا تستغني عنه، ولا تحيا بدونه، وكُنْ منه على حذر؛ فإن غُصتَ في أعماقه ربما أغرقك، وإن أحسنت صحبته، كانت فيه نجاتك، والمال كالنار تنتفع بها، فإن لم تحذرها أحرقتك، وكالإنترنت يحمل لك الخير كله، كما يحمل لك الهلاك كله، وكالحية تحمل في جوفها ترياقًا وسُمًّا، وكالذبابة تحمل بين جناحيها الداء والدواء، فأنت من تجعله بيديك داءً أو دواءً، فاخْتَرْ لنفسك.
__________________________________________________
ؤ
- التصنيف: