سيناريوهات الإعادة في الانتخابات الرئاسية التركية

منذ 2023-05-22

سيناريوهات معقدة تشهدها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مستصحبة معها كل تفاصيل الجولة الأولى من أرقام وإحصائيات ومرشحين، وفي خلفيتها تأتي كذلك نتائج الانتخابات البرلمانية، وهي كلها ذات دلالات مؤثرة للغاية في النتيجة النهائية

انتهت الجولة الأولى من الانتخابات العامة في تركيا بنتيجة غير محسومة لأي من أطراف الصراع على المقعد الرئاسي، فيما حسمت أصوات الانتخابات البرلمانية السباق لصالح "تحالف الجمهور"، لكنها سجلت سوابق غير معهودة، من ناحية نسبة المشاركة التي بلغت داخل البلاد 88.92 بالمائة و 52.69 بالمائة في الخارج، إضافة إلى فرض جولة ثانية وحاسمة لاختيار المرشح الرئاسي بين أعلى مرشحين حصولاً على الأصوات في 28 مايو الحالي، حيث كانت النتيجة في الجولات السابقة تحسم من الجولة الأولى.

سيناريوهات معقدة تشهدها الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مستصحبة معها كل تفاصيل الجولة الأولى من أرقام وإحصائيات ومرشحين، وفي خلفيتها تأتي كذلك نتائج الانتخابات البرلمانية، وهي كلها ذات دلالات مؤثرة للغاية في النتيجة النهائية، وربما تُقرب التصور المحتمل لما ستشهده الجولة الانتخابية الرئاسية الثانية من أحداث.

 

 الذين أدلوا بأصواتهم لصالح أردوغان لا يوجد ما يدعوهم إلى تحويل وجهتهم ناحية دعم مرشح المعارضة كيلتشدار أوغلو، ولكن بعض أصوات هذا المرشح المعارض قد تذهب إلى أردوغان

بداية ماذا عن مرشح "تحالف الجمهور" الرئيس المنتهية ولايته، رجب طيب اردوغان، وحظوظه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وما السيناريوهات المحتملة؟

حصل أردوغان في الجولة الأولى على نسبة 49.50بالمائة، أي27.088.360صوتًا، بفارق 2.520.164 عن أقرب منافسيه كيلتشدار أوغلو الذي حصل على 24.568.196 صوتًا، وهو ما يعني أنه بحاجة لنحو 274 ألف صوت لحسم الجولة الثانية لصالحة، إذا بقيت نسبة التصويت عند حدودها في الجولة الأولى مشكلة ما يبلغ 56 مليون ناخب تقريبًا.

بالنظر إلى توزيع أصوات الناخبين في الجولة الأولى، فإن الذين أدلوا بأصواتهم لصالح أردوغان لا يوجد ما يدعوهم إلى تحويل وجهتهم ناحية دعم مرشح المعارضة كيلتشدار أوغلو، ولكن بعض أصوات هذا المرشح المعارض قد تذهب إلى أردوغان لاعتبارات وأسباب.

الاعتبار الأول، أن الانتخابات البرلمانية حسمت لصالح تحالف أردوغان، فبحسب النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، فقد حصل "تحالف الجمهور" على 321 مقعدًا بنسبة 49.37 بالمئة، و"تحالف الأمة" على 213 مقعدًا بنسبة 35.12 بالمئة، و"تحالف الحرية والعمل" على 66 مقعدًا بنسبة 10.52 بالمئة، وهو ما يعني بقاء النظام الرئاسي الحالي، واستحالة التحول مجددًا إلى النظام البرلماني.

 هذه النتيجة ستخل بالتوافقات التي عقدت بين أحزاب المعارضة، ويمثلها "تحالف الأمة"، أي أنها لن تكون في الجولة الثانية متحمسة لفوز كيلتشدار أوغلو على نحو ما كان في الجولة الأولى، لأنها في النهاية لن تستفيد شيئًا بلغة برجماتية.

 كما أن الناخب التركي الذي أعطى صوته لـ "كيلتشدار أوغلو" سيراجع موقفه مجددًا؛ لأن وصوله للرئاسة سيعني تضاربًا كبيرًا بين برلمان أردوغان ورئاسة كيلتشدار أوغلو؛ سيدفع ثمنه الناخب التركي نفسه في كل الأحوال.

الاعتبار الثاني، أن أصوات المرشح الذي حل ثالثًا هي أقرب إلى أردوغان من منافسه مرشح المعارضة كيلتشدار أوغلو، فقد حصل مرشح "تحالف الأجداد"، سنان أوغان، على نسبة 5.17 بالمئة من الأصوات، أي أكثر من 2.8 مليون صوت، وهي نسبة كفيلة بأن تأخذ أردوغان إلى مقعد الرئاسة مباشرة، وهو من حيث الأيدولوجية السياسية أقرب لأردوغان من منافسه كيلتشدار أوغلو، فأصوات كتلة سنان أوغان القومية  قريبة من زعيم حزب "الحركة القومية" دولت بهجلي، الحليف الرئيس لأردوغان، كما أن سنان أوغان اشترط عدم تقديم تنازلات لحزب "اليسار الأخضر" الكردي، وهو حزب داعم لـ"تحالف الأمة" المعارض الذي يقوده المرشح كيلتشدار أوغلو.

الاعتبار الثالث أن زعيم حزب "البلد"، محرم إنجه، الذي أعلن انسحابه من السباق الرئاسي قبل أيام من الجولة الأولى، لكنه حصل على نسبة 0.44 بالمئة من أصوات الناخبين أي ما يعادل 239 ألف صوت، وهي نسبة يمكن أن تقرب الرئيس أردوغان من حسم السباق الرئاسي لصالحه، ولكن لا يمكن أن تذهب لصالح مرشح المعارضة كيلتشدار أوغلو،، والذي يتهمه محرم أنجه بتسريب شريط جنسي فاضح ومفبرك قضى على أحلامه في المنافسة واجبره على الانسحاب من السباق الرئاسي.

لغة الأرقام، والرياح السياسية، كما رأينا، تهب في اتجاه داعم لفوز أردوغان، في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، لكن سفينة الانتخابات دائمًا متأرجحة، وتتقاذفها أهواء الناخبين، وتوجهات الفاعلين الدوليين والإقليميين، ومن المستحيل الحسم بنتيجة، ولكنها سيناريوهات تقريبية، وحسابات سياسية.

 

 ذلك أن تحالف الطاولة السداسية، يعتبر أطرافه أن كيلتشدار  فشل في مهمته، فهو لم يتمكن من تجاوز العتبة البرلمانية التي تسمح له تغيير النظام الرئاسي، والتحول لنظام برلماني

أما عن مرشح "تحالف الأمة"، كيلتشدار أوغلو، فهو الآخر له حظوظه وآماله في الوصول إلى الرئاسة ليقطع عقمًا طويلاً عن الفوز في الانتخابات العامة لازمة طوال مسيرته السياسية، وربما تكون هذه فرصته الأخيرة في الترشح، وهو الذي بلغ من العمر 75 عامًا، أي أنه في الانتخابات الرئاسية القادمة، بعد 5 سنوات، سيكون طارقًا للثمانينيات من العمر.

حصل كيلتشدار أوغلو على ثاني أعلى نسبة تصويت في الجولة الأولى بمعدل 44.89بالمائة، أي أنه كان بحاجة إلى ما نسبته 5بالمائة، ليتجاوز منافسه الرئيس أردوغان، ولكنه يدخل السباق الرئاسي، في جولته الثانية، وفي جعبته فشل في حسم الانتخابات من الجولة الأولى كما كان متوقعًا من قبل تحالف الطاولة السداسية، كما أن الفارق بينه وبين أردوغان، لو بقي هكذا في الجولة الثانية؛ فسيعني أنه خاسر لامحالة، وهو فارق وصل كما أسلفنا إلى 2.520.164 مليون صوت، فكيف له أن يجسر هذه الهوة الكبيرة في الأصوات ويتجاوز منافسه أردوغان؟

ليس من المرجح أن يحصل كيلتشدار أوغلو على نسبة تصويت من تلك التي أعطت أصواتها لمنافسه أردوغان في الجولة الأولى؛ لأن كتلة أردوغان ربما جزء أكبر منها "كتلة صلبة"، تصوت لصالح اردوغان لقناعات أيدولوجية وفكرية، ولا يوجد ما يدعوها لسحب ترشيحها، والكتلة الثانية التي تصوت لصالح أردوغان عن قناعة بإنجازاته، وهذه أيضًا لا يوجد في الأفق ما يدعوها للتقاعس عن ترشيحه في الجولة الثانية المرتقبة.

 هذا يعني أن كيلتشدار أوغلو -بلغة انتخابية- لن يستطيع أن يسحب من الخزان الانتخابي لمنافسه، والعكس قد يكون صحيحًا، بالنظر إلى اللغة السلبية التي تعطاها التحالف المعارض مع البلدات التي شهدت أحداثًا مأساوية عقب الزلزال المدمر، والتي أعطت كثيرًا من أصواتها لصالح أردوغان، باعتباره مرشح الدولة التي وقفت إلى جانبهم، بخلاف المعارضة التي وقفت عند حد الاستغلال السياسي للحدث، هذه اللغة التي أثارت موجه غضب تكاد تكون عامة في تركيا من السلوك السياسي والأخلاقي لأحزاب المعارضة برئاسة المرشح كيلتشدار أوغلو.

أضف إلى ذلك أن تحالف الطاولة السداسية، يعتبر أطرافه أن كيلتشدار  فشل في مهمته، فهو لم يتمكن من تجاوز العتبة البرلمانية التي تسمح له تغيير النظام الرئاسي، والتحول لنظام برلماني يتيح لأطراف الطاولة كلهم مشاركة أكبر في دولاب الحكم، كما أنه فشل في حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، ومن ثم فإن حماسهم الانتخابي خفت إلى حد بعيد، فهم كانوا مع كيلتشدار أوغلو لتحقيق مكاسب سياسية وقد تلاشت بالفعل، فما الذي يدعوهم لدعمه مجددًا وبقوة في الجولة الثانية؟! 

هذا عن الصوت داخل كيان التحالف المعارض، أما عن الصوت خارجه، فإن أصوات المرشح الخاسر، سنان أوغان، البالغة 5.17بالمائة تخول بالفعل لـ كيلتشدار أوغلو حسم السباق الرئاسي لصالحه، لكن كسب هذه الأصوات سيعني بلغة الأرقام أنه سيخسر أصوات كتلة "اليسار الأخضر" الداعمة له والتي تقدر بنحو 10.54بالمائة، إذ أن شرط سنان أوغان لدعم أي مرشح رئاسي التخلي عن دعم كتلة "اليسار الأخضر"، وعليه فإن عقبة كؤود تقف أمام تحقيق سيناريو الحلم للذي قد يشكل رافعة حقيقة لرغبة المرشح المعارض كيلتشدار أوغلو للوصول إلى القصر الرئاسي، فهو لن يغامر بـ 10.54بالمائة متحققة في مقابل كسب أصوات محتملة تقدر بـ 5.17 بالمائة.

كما أن كتلة محرم إنجه الانتخابية لن تشكل فارقًا كبيرًا في النتيجة لصالح كيلتشدار أوغلو، فهي بالكاد تصل إلى 0.44 بالمائة، وهي نسبة لا تسمح لـ كيلتشدار أوغلو بتجاوز الرقم الذي حصل عليه أردوغان.

إن لغة الأرقام الانتخابية، والسيناريوهات التي تفرزها، تعطي اليد العليا في الجولة الثانية لمرشح تحالف الجمهور الرئيس أردوغان، أما مرشح تحالف المعارضة كيلتشدار أوغلو، فحقًا يحتاج معجزة انتخابية للوصول إلى القصر الرئاسي، وربما تأتي تلك المعجزة من تدخلات خارجية دولية أو إقليمية تستطيع أن تحول دفة الانتخابات لصالحه، وما ذلك ببعيد.

  • 0
  • 0
  • 676

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً