طريقة إعداد خطبة الجمعة مع وصايا للخطباء

منذ 2023-05-26

إن إعداد خطبة الجمعة من الأمور المهمة للخطيب الذي يصعد المنابر في كل أسبوع؛ ولذلك اجتهدت في جمعِ بعضِ الوصايا والأمور المهمة التي ينبغي على الخطباء مراعاتها عند إعداد خطبة الجمعة، وإلقائها على الناس

إن إعداد خطبة الجمعة من الأمور المهمة للخطيب الذي يصعد المنابر في كل أسبوع؛ ولذلك اجتهدت في جمعِ بعضِ الوصايا والأمور المهمة التي ينبغي على الخطباء مراعاتها عند إعداد خطبة الجمعة، وإلقائها على الناس، فأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:

الحكمة من خطبة الجمعة والعيدين

الله سبحانه وتعالى شرع خطبة الجمعة والعيدين لحِكَمٍ عظيمة، ونستطيع أن نوجزها في الأمور الآتية:

(1) تصحيح عقيدة الناس.

 

(2) تذكير الناس بالـجنة والنار، ولقاء الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، ومحاسبته لهم على ما قدَّموا من أعمال.

 

(3) تعليم المسلمين أمور دينهم ومعرفة الحلال والحرام.

 

(4) ترغيب المسلمين فيما عند الله تعالى من النعيم المقيم، وحثهم على الزهد في الدنيا والإكثار من ذكر الله سبحانه، لتكون القلوب حية دائمًا، وقريبة من خالقها ورازقها سبحانه وتعالى.

 

(5) اجتماع المسلمين والتأليف بين قلوبهم، ومساعدة بعضهم لبعض في أمور الدين والدنيا.

 

وصايا للخطباء الكِرام:

تعتبر خطبة يوم الجمعة درسًا أسبوعيًّا لترسيخ العقيدة الصحيحة في قلوب المسلمين، وتهذيب أخلاقهم، وتحذيرهم من المنكرات؛ ولذلك ينبغي على الخطباء الكرام عند إعداد خطبة الجمعة وإلقائها مراعاة الأمور التالية:

(1) إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى.

• قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

 

• روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه»؛ (مسلم، حديث: 2985).

 

• روى الشيخانعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ (البخاري، حديث: 1، مسلم، حديث: 1907).

 

(2) التوسل إلى الله تعالى بالدعاء للتوفيق في إعداد الخطبة.

• قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

 

(3) الدعوة إلى الله تعالى شرف كبير، فيجب على الخطيب أن يشكر الله تعالى الذي جعله ينال هذا الشرف، وهذه المنزلة العالية.

 

(4) معرفة فضل وثواب الدعوة إلى الله تعالى.

• قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

 

• روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من تبِعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»؛ (مسلم، حديث: 2674).

 

• روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعلي بن أبي طالب يوم خيبر: «والله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك من أن يكون لك حـُمْـرُ النَّعَم»؛ (البخاري، حديث: 4210، مسلم، حديث: 2406).

 

• قوله: «حـمـر النعم»؛ أي: الإبل العظيمة، وهي أعزها وأنْفَسُها عند العرب؛ (مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 9، ص: 3934).

 

(5) يجب على الخطيب أن يتذكر أن الله سبحانه وتعالى سوف يسأله عن أقواله وأفعاله يوم القيامة.

قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله: {مَا يَلْفِظُ} ؛ أي: ابن آدم، {مِنْ قَوْلٍ} ؛ أي: ما يتكلم بكلمة، {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ؛ أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمةً ولا حركةً؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12]؛ (تفسير ابن كثير، ج: 7، ص: 398).

 

(6) ينبغي على الخطيب الكريم الاقتداءُ بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقدر استطاعته، ولا يكلف الله سبحانه وتعالى نفسًا إلا وسعها.

• قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].

 

• وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

 

• وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

 

• وقال جل شانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].

 

(7) ضرورة عدم مخالفة قول الخطيب لفعله؛ لأن ذلك له أثـــر كبير في قلوب الناس.

• قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].

 

• وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].

 

• روى الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه»؛ (البخاري، حديث 3267، مسلم، حديث 2989).

 

• روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها»؛ (مسلم، حديث 2722).

 

• قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: "لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل، ولا عامل لا يعلم"؛ (اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، ص: 166).

 

• قال الإمام مالك بن دينار رحمه الله: "العالـم الذي لا يعمل بعلمه بمنزلة الصفا - الـحجر الأملس - إذا وقع عليه القَطْرُ زلِق عنه"؛ (اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، ص: 192).

 

طريقة إعداد الخطبة:

نستطيع أن نوجز خطوات إعداد خطبة الجمعة في الأمور الآتية:

(1) حسن اختيار موضوع الـخطبة؛ بحيث يتناسب مع أحوال الناس، والقضايا المعاصرة التي تهمُّهم.

 

(2) تقسيم الـخطبة إلى عناصر.

 

(3) الاهتمام بذكر الأدلة على من القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وأقوال سلفنا الصالح، واجتناب الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

 

(4) الاهتمام باستخدام اللغة العربية السهلة التي تتناسب مع أفهام الناس.

 

(5) كتابة مصادر إعداد الـخطبة وخاصة الأمور الفقهية، فربما يحتاج إليها.

 

(6) يستطيع الخطيب كتابة عناصر الـخطبة بإيجاز في ورقة صغيرة، ويحملها معه؛ لكي يتذكرها إذا نسِيَ منها شيئًا.

 

(7) ضرورة اهتمام الخطيب بمظهره الشخصي، مع حرصه على ارتداء أفضل ثيابه.

 

(8) يحرص على الذهاب إلى المسجد مبكرًا، وخاصة إذا كان المسجد بعيدًا عنه، ولكي يتمكن من مراجعة الـخطبة مرة أخرى.

 

(9) اختيار مقدمة قصيرة ومناسبة لموضوع الـخطبة؛ مراعاةً للوقت.

 

(10) يبدأ الخطيب خطبته بالحديث عن العناصر المهمة، ويراعي إعطاء كل عنصر الوقت المناسب له.

 

(11) استخدام الحكمة والموعظة الحسنة عند إرشاد الناس ونصحهم.

 

• قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

 

• وقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

 

• روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»؛ (مسلم، حديث 2594).

 

(12) يجب أن يكون الخطيب متواضعًا مع الناس، ويعلم أنه قد يكون بين المستمعين لخطبته مَن هو أكثر منه علمًا.

 

(13) الاهتمام برفع صوته، وخاصة عند الرغبة في تأكيد أمر معيـن، وتنبيه الناس له.

 

(14) بيان معاني الكلمات الصعبة الموجود في الآيات أو الأحاديث النبوية الشريفة.

 

(15) الاهتمام بنسبة الأقوال المأثورة إلى أصحابها؛ لأن هذا يؤدي إلى زيادة الثقة في كلام الخطيب.

 

(16) الاهتمام بتصحيح أمور العقيدة أثناء إلقاء الـخطبة.

 

(17) عدم إثارة الأمور الفقهية الخلافية على المنبر؛ حتى لا تحدث فتنة بين الناس.

 

(18) عدم التكلف عند أداء الخطبة، واجتناب السرعة عند الكلام.

 

• روى الترمذي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون والـمتشدِّقون والـمُتَفَيْهِقُون»، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والـمتشدقون، فما الـمتفيهقون؟ قال: «الـمتكبرون»؛ (حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث 1642).

 

• قوله: (الثرثارون): الثرثار: هو الكثير الكلام بتكلُّفٍ.

 

• قوله: (والـمتشدقون): الـمتشدق هو: الذي يتكلم بملء فمه تفاصحًا وتفخمًا وتعظيمًا لكلامه.

 

• قوله: (الـمتفيهقون): الـمتفيهق: هو الإنسان الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه؛ تكثرًا وارتفاعًا، وتكبرًا وإظهارًا لفضله على غيره من الناس؛ (عون المعبود، محمد أشرف آبادي، ج: 13، ص: 91).

 

• قال الإمام النووي رحمه الله: "يكره التفاخر في الكلام بالتشدُّق، وتكلف السجع والفصاحة، والتصنع بالـمقدمات التي يعتادها الـمتفاصحون من زخارف القول، فكل ذلك من التكلف الـمذموم، وكذلك التحري في دقائق الإعراب، ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوام، بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته إياهم لفظًا يفهمونه فهمًا جليًّا، ولا يدخل في الذم تحسين القادر للخطب والمواعظ، إذا لم يكن فيها إفراط وإغراب؛ لأن المقصود منها تهييج القلوب إلى طاعة الله تعالى، ولحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر؛ (مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 7، ص: 3019).

 

(19) استخدام القصص الصحيحة من حياة الأنبياء والصالحين والدروس المستفادة منها؛ لأن الأسلوب القصصي في الخطبة له تأثير كبير على الناس.

 

(20) الحرص على عدم ذكر أحدٍ بعينه من أصحاب المعاصي، وأن يجعل النصيحة عامة.

 

• روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: لينتهنَّ عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم»؛ [البخاري، حديث: 750].

 

(21) عدم إطالة وقت الـخطبة؛ حتى لا يمل الناس.

 

(22) إذا أراد الخطيب توضيح بعض الأمور بالتفصيل، فينبغي عليه أن يجعل ذلك بعد الصلاة مع مراعاة عدم إطالة الدرس؛ لأن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا.

 

• روى مسلم عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ - علامة - من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الـخطبة، وإن من البيان سحرًا»؛ (مسلم، حديث: 896).

 

أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكـــــرام، وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.

____________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق

  • 4
  • 0
  • 1,568

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً