وقف اتفاق الحبوب وأزمة الغذاء القادمة
عندما قررت روسيا وقف اتفاق تصدير الحبوب وقصفت ميناء أوديسا الذي تخرج منه السفن وضعت دول العالم أمام أزمة غذاء غير مسبوقة
عندما قررت روسيا وقف اتفاق تصدير الحبوب وقصفت ميناء أوديسا الذي تخرج منه السفن وضعت دول العالم أمام أزمة غذاء غير مسبوقة، فالأمر لا يتوقف على نقص الإمدادات فقط وإنما تسبب في ارتفاع أسعار هذه السلعة الاستراتيجية التي لا يمكن لإنسان أن يستغني عنها، في ظل نكسات اقتصادية تضرب الكثير من البلدان وتجعلها عاجزة عن توفير المخصصات المالية اللازمة للاستيراد.
بررت الحكومة الروسية قرارها بأن العقوبات التي تفرضها الدول الغربية منعت تنفيذ الشق المتعلق بروسيا في الاتفاق، ففي الوقت الذي سمح فيه الروس بمرور السفن المحملة بالحبوب تعثرت حركة الصادرات الروسية من الأسمدة والحبوب والزيوت والغذاء حيث تقيد العقوبات حركة السفن وتمنعها من التعامل مع روسيا.
ترك الرئيس الروسي بوتين الباب مفتوحا للتراجع عن القرار، واشترط إعادة ربط البنوك والمؤسسات المالية الروسية بنظام “سويفت” المصرفي الدولي الذي شلّ حركة الأموال من روسيا وإليها، وطلب أيضا استئناف تشغيل خط تصدير الأمونيا الذي يربط مدينة تولياتي الروسية بميناء أوديسا الأوكراني الذي يبلغ طوله حوالي 2400 كيلومتر والذي تعطل بسبب تفجيره.
أزمة الغذاء قادمة
كان واضحا منذ بداية الحرب أن القمح سيتحول إلى ورقة مؤثرة في الصراع بين روسيا والناتو، وبدأت الدول الأوربية في تخزين الحبوب بكميات كبيرة، مستفيدة من الخبرة التاريخية في الحربين العالميتين، وذهبت إليها معظم الشحنات التي خرجت من أوكرانيا حسب الاتفاق الذي أبرم العام الماضي بين روسيا وأوكرانيا برعاية تركيا والأمم المتحدة.
ورغم أن معظم الدول العربية مستوردة للحبوب وفي مقدمتها مصر التي هي أكبر مستورد للقمح في العالم، فإنها حتى الآن لم تتعامل مع الموضوع بالأهمية التي تتناسب وخطورته، فلا خطط درست ولا مؤتمرات عقدت للاستعداد لما هو قادم، ولا أراضي زرعت، ولا توجيهات حكومية متعلقة بتوجيه الفلاحين لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
كل المؤشرات والتقارير الدولية تؤكد أن أزمة الغذاء العالمية قادمة، وأن حركة التصدير والاستيراد التي كانت سهلة في السابق لم تعد كذلك، سواء بسبب الإغلاق الذي تم في فترة كورورنا، أو بسبب الحروب التي اتسعت وتأثرت بها ممرات الملاحة وتضغط على حركة النقل البحري، وتفاقمت مع حالة التراجع الاقتصادي والعجز عن توفير السيولة الدولارية.
الاكتفاء الذاتي
ربما تتساند بعض الدول لمواجهة أزمة الغذاء لكن هذه المساندة ليست لوجه الله في عالم يحارب الإيمان ولا يعرف قيمة التكافل، وهي مرهونة بتقديم المزيد من التنازلات التي تزيد من عمق الأزمات، وستكون مؤقتة ولفترة زمنية ليست بالطويلة لأن الصراعات والصدامات تشمل الجميع وستنشغل كل دولة بنفسها وبشعبها.
الدول التي لن تستعد بخطط مواجهة للجوع ستجد نفسها في دوامة قد تسقط ولن تخرج منها، والاستعداد يكون باستراتيجية حقيقية مستقلة تضعها عقول مستقلة وتنفذها أيدٍ مخلصة، والأمر لا يحتاج إلى ميزانيات بالدولار ولا خبراء أجانب، ولا لجان فنية من مؤسسات التمويل والإقراض الدولية، ولا روشتات من صندوق النقد.
الخطط المطلوبة للاستعداد للجوع يجب أن تقوم بها وتشرف عليها الدولة وأن يشارك فيها كل الشعب، ولا يترك الأمر لما يسمى القطاع الخاص أو الأفراد الذين يبحثون عن الربح، ولا يعتمد في الموضوع على الاستثمار الأجنبي الذي كل همه المكاسب السريعة وتحويل الأموال، فلن يحك جلدك إلا ظفرك، كما أنه لن تفلح خطة بدون التخلص من الفساد واستبعاد العقول المريضة.
التكامل العربي الإسلامي
قد لا تستطيع دولة بمفردها أن تحقق الاكتفاء الذاتي، ولكن تنوع الثروات والإمكانات في العالم العربي وتوافر كل أسباب القوة كافيان لتحقيق الاكتفاء، ولدينا الطاقة البشرية ونسبة الشباب المرتفعة التي لو أحسن توظيفها لاستطعنا أن نحقق طفرات تنموية حقيقية وننقل الأمة من حال إلى حال.
ثروات الدول العربية والإسلامية منهوبة من القوى الدولية التي تعيش على تفرقنا وتمزقنا، وقد فشلت كل محاولات التكامل لأنها بُنيت على أسس خاطئة، ومن نفذوا التجارب التي فشلت لم يكونوا من أنصار الاستقلال وإنما كانوا من دعاة التبعية، وكانت نقطة الضعف الأساسية هي الانسلاخ من العقيدة التي تمثل الأساس القوي لأي تجمع وعليه يتم حشد الأمة.
العمق الإسلامي مجال واسع غير مستغل؛ فالعالم الإسلامي من إندونيسيا وماليزيا شرقا حتى المغرب، ومن تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى شمالا وحتى قلب إفريقيا جنوبا به خيرات لا أول لها ولا آخر، تنتظر من يعيد فكرة الرابطة الإسلامية التي ستكون المخرج العاجل والسريع من كل أزماتنا.
الجوع خطر لا يمكن الاستهانة به، والمجاعات عندما تزحف تأكل الأخضر واليابس، ولا تبقي على شيء، وهي لا تنتقى الفقراء وتترك الأغنياء، فالمجاعات تكتسح المجتمعات بمن فيها، فالشعوب الجائعة لا يمكن السيطرة عليها، ويؤكد تاريخ المجاعات أنها كزلزال يسحق كل شيء، وعندما تقع الواقعة فلن يوجه اللوم لأحد لأن الجميع سيكون من ضحاياها.
الاستعداد لمواجهة الجوع يحتاج إلى عقول مخلصة تحب أوطانها، مستقلة غير تابعة، صادقة لا تكذب، مرتبطة بأمتها وتعتز بثوابتها وهويتها، وتؤمن بربها وتتوكل عليه.
المصدر : الجزيرة مباشر
صحفي وكاتب مصري، شغل موقع مساعد رئيس تحرير جريدة الشعب، ورئيس تحرير الشعب الالكترونية.
- التصنيف: