ولكن بالتحريش بينهم
قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ».
عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ»؛ (رواه مسلم).
قال النووي: "هذا الحديث من المعجزات النبوية، ومعناه: آيس أن يعبده أهل جزيرة العرب، ولكنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها"
فالتحريش: هو إثارة العداوات، وإذكاء الكراهية، وإلقاء البغضاء، وتأليب النفوس بعضها على بعض.
لقد سرت آفة التحريش سريان النار في الهشيم، تجدها بين الشعوب، وتشاهدها في المجتمع الواحد، وتلامسها بين الأخوة والأقارب، يذكيها الأعداء، ويُؤجِّجها المغرضون، ويُصدِّقها المغفلون، ويكتوي بنارها الأبرياء.
والمتأمل في واقعنا المعاصر مع تطور الآلة الإعلامية، وتعدد وسائل التواصل، والتفنُّن في الحياكة والدبلجة والمونتاج للوقائع والأحداث، والصور والشخصيات، يرى حالة من السعار التأمري، والهيجان التشكيكي، واللهث التفسيري، خلف كل تصريح وتلميح أو تصرف وموقف من عدو أو صديق، قريب أم بعيد.
هذه السوأة الخلقية ولدت في الأفراد والمجتمعات جملة من المظاهر والآثار تجلت في الأمور التالية:
١- نبش التاريخ وبعث الماضي بحثًا عن مبررات معاداة الأجيال بأخطاء الأجداد.
٢- ذهاب الأوقات وضياع الأعمار في متابعة (قيل وقال) من تغريدات وتصريحات ولقاءات وتحليلات.
٣- تأزيم النفوس وإيغار الصدور وإفساد القلوب بالبغض والكراهية والحقد والحسد والتنازع والتدابر.
٤- سقوط النخب المثقفة والمتعلمة والمتفقهة بمجاراة ومتابعة الرعاع والغوغاء.
٥- إشغال المجتمعات والشعوب بنقاشات هامشية وحروب كلامية وعداوات وهمية.
٦- ربط عقيدة الولاء والبراء بالعصبية القبلية، والحمية القومية، والأهواء الشخصية.
٧- امتحان الناس بالأحكام الجائرة والتصنيفات المعلبة، من العمالة والخيانة، والتكفير والتبديع، والعلمنة واللبرلة.
والواجب على المسلم تجاه هذه الآفة النفسية والعاهة الاجتماعية ما يلي:
١- حفظ الحقوق الشرعية والالتزام بالتوجيهات الأخلاقية في التعامل مع الآخر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»؛ (رواه مسلم).
٢- الحرص على سلامة الصدر ونقاء القلب وصفاء النفس من الأمراض الذاتية والأدواء الداخلية.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر»؛ (رواه أبو داود والترمذي).
وعن عبدالله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النَّاس أفضل؟ قال: «كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللِّسان»، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْموم القلب؟ قال: «هو النَّقيُّ التَّقيُّ، لا إثم عليه، ولا بَغْي ولا غلٌّ ولا حسد»؛ (رواه ابن ماجه).
٣- استشعار الآثار الدنيوية والعواقب الأخروية بتتبُّع الأخطاء وتلقُّف الزلَّات والوقيعة في الأعراض.
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تُعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله»؛ (رواه الترمذي).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون من المفلس»، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؛ فقال: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة؛ ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»؛ (رواه مسلم).
عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ» ؟، قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: «إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ، لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ»؛ (رواه أحمد وأبو داود والترمذي).
أَيِسَ الرَّجِيمُ وَلَمْ يَفُزْ بِعِبَادَةٍ ** فَأَغَارَ نَحْوَ الْخَلْقِ بِالتَّجْيِيشِ
وَأَقَامَ عَرْشًا يَسْتَحِثُّ فُلُولَـهُ ** فَأَصَابَ مَا يَبْغِيهِ بِالتَّحْرِيـشِ
- التصنيف: