المرأة.. وعشر ذي الحجة
منذ 2011-11-02
إنها لأيام ثوابها جزيل، وفضلها كبير، والتفريط فيها نوع من ندامة، والفرصة فيها قد لا تتكرر، فهي أفضل أيام العام ومن أعظم مواسم الطاعات والقربات، فقد خصها الشرع بالتكريم، ففيها يعظم الأجر، وتحط الأوزار، ويبدأ المؤمن عهدًا جديدًا مع ربه..
والمرأة المسلمة نصف المجتمع المسلم ومقياس نجاحه التربوي والاجتماعي، كما أنها راعية البيوت المسلمة، ومربية الأجيال القادمة، ومقومة الشباب الواعد، ومعدة المنهج التطبيقي للحياة السعيدة.
من هنا رأيت أن أوجه كلماتي إليها، وأن أرسل تذكرتي لها، أعاتبها تارة، وأنصحها تارة، وأحثها تارة، علنا أن نبث خيرًا نريده ونفعًا نرتجيه.
أولاً: عليك أيتها المرأة المسلمة أن تعدي لاستقبال هذه الأيام عدة تليق بها، فتبتدئين بالتوبة النصوح، التي تنتظم كل ذنب وتفريط، والإقلاع عن كل ما يغضب الله سبحانه، والندم عليه، وعدم العودة إليه، فالتوبة قبل البدء في أية خطوة هي السبيل الصحيح للعمل، إذ بالتوبة تطهرين نفسك وتعدين قلبك لاستقبال العبودية الحقة، وتوبتك أيتها الصالحة هي توبة بعد نية مخلصة وعزم راسخ ثم توجه إلى الله سبحانه بالتبتل والرجاء والاستغفار الصادق، إنها توبة تطبيقية وعزم فعلي ونتيجة ظاهرة للعمل لايبقى معها للذنب أثر ولا للتقصير سبيل.
ثانيًا: الخطوة التالية تتمثل في استدراك النقص الفائت وسد الخلل، وتعويض السابق، وعزم النجاة باغتنام تلك الأيام العشر ابتداءً، فهي نعمة عظيمة من الله على عباده إذ أكرمنا بشهر رمضان ومن بعده تلك الايام، وإنما يقدرها حق قدرها الصالحون المجتهدون الراغبون إلى الله، ويغفل عنها الغافلون الضائعون في متاهات الحياة.
ثالثًا: قد تتوق نفسك للالتحاق بركب الحجيج، وتشتعل النفس شوقًا لآداء الفريضة، غير أن عدم الاستطاعة تقيد الحركة وتمنع الطريق، فههنا لا بد من تجديد النية والاعتذار إلى الله -سبحانه-، وتسجيل العهد على النفس أنه إذا كان العجز هذا العام قد أخرني فلعلي أن أحاول من قابل أن أكون في الصدارة، متبتلة إلى الله -سبحانه- راغبة إليه، وربك الكريم إذا علم منك ذاك الشوق ورأى منك تلك النية، سيكرمك بما هو خير لك عاجل، فعن أنس -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجع من تبوك فدنا من المدينة فقال: « » قالوا يارسول الله وهم بالمدينة ؟! قال: » (رواه البخاري). فلعلك بنيتك الصادقة أن يكتب لك أجرهم.
من جانب آخر على المرأة أن تعين زوجها ليلتحق بذلك الركب الكريم -ركب الحجيج- فتعينه على الادخار، وتشجعه على اللحوق بهم، وتمنعه من الركون والكسل والدعة.
رابعًا: لكل أيام فاضلات عبودية تميزها، وأيام العشر يميزها الذكر عبادة وتقربًا إلى الله سبحانه، ومن أفضل الذكر قراءة القرآن والاستغفار، والتهليل والتحميد والتكبير، قال سبحانه: {واذكروا الله في أيام معدودات} [البقرة: 203]. فالزمي الذكر إذن في كل وقت وحين، والزمي أذكار الصباح والمساء وشاركي أسرتك في الاهتمام بالذكر، وعلمي أبناءك قيمة الذكر، وراجعي معهم حفظهم له وترديدهم إياه، ولا تشغلنك مشاغلك أيا كانت عنه، ولا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله.
خامسًا: احذري أيتها الأخت من المعاصي المهلكات، فالمعصية تحرم الرزق، والطاعات من الرزق، والمعصية تظلم القلب وأنت بحاجة كبيرة لانشراح الصدر لتقبلي على الطاعة، والمعصية تصنع وحشة بين العبد وربه وأنت بحاجة لاستشعار معية الله -سبحانه-، وتشبهي بالحجيج الصالحين فقد أمرهم الله سبحانه فقال: {فلا رفث ولافسوق ولاجدال في الحج} [البقرة: 197]. فالرفث والفسوق والجدال بدايات المعاصي التي نهى الله عنها في الحج، ومن لم يحج فعليه التخلق بخلق الحجيج ويترك السقوط في هاوية المعاصي والآثام .
سادسًا: أنصحك بالإكثار من الصالحات في تلك الأيام المباركات، فعن ابن عباس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « » (صحيح أبي داود)، والصالحات تحوي كل ما يرضاه الرب سبحانه من بر الوالدين وصلة الأرحام وفعل المعروف والدعاء لله سبحانه القريب المجيب وكذلك الصدقة وأما الصوم فهو مستحب بالكلية أيضًا وقد ( ورد فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثان: الحديث الأول: حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- الذي أخرجه مسلم وفيه: "ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر قط "، الحديث الثاني: أخرجه النسائي وغيره من طريق هنيدة بن خالد، رواه مرة عن حفصة ومرة عن أم سلمة قالت: "أربع لم يكن يدعهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: .. ومنها صيام العشر "، ومن العلماء من حاول التوفيق بين الحديثين وقال ما حاصله: إن كل زوجة من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- حكت الذي رأته، فعلى هذا يقال: إذا صام الشخص أحيانًا وأفطر أحيانًا، أو صام سنوات وأفطر سنوات فله وجه، وإذا عمل بأي من الرأيين فله سلف. ومن أهل العلم من أدخل الصيام ضمن الأعمال الصالحة الواردة في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: « » (صحيح أبي داود) وقال -صلى الله عليه وسلم-: « » (أخرجه مسلم)، ومن تلك الأعمال أيضًا الهامة الصلاة، فيستحب التبكير إلى الفرائض والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات لقوله -صلى الله عليه وسلم-: « » وهذا عام في كل وقت، فما بالنا في أيامنا تلك، وأنت أيتها المرأة المسلمة في أمس الحاجة إلى ذلك، فعليك إذن بتخفيف أعبائك اليومية لكي تستطيعي الاجتهاد في تلك العبادات في هذه الايام .
سابعًا: ويأتي إليك يوم النحر الذي قد يغفل عن فضله الكثيرون، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "خير الأيام عند الله يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر" لذلك فعليك إعانة زوجك وأسرتك ومن قبلهم نفسك في اغتنام بر ذلك اليوم والاجتهاد في التفكير في الخروج بأفضل ما يمكن فيه لاكتساب رضا الرب سبحانه .
ثامنًا: لا يمكن أن تمر عليك أيتها المؤمنة تلك الأيام بغير تفكر في معنى الإنقياد والاستسلام لأوامر الله -سبحانه وتعالى-، وهو المعنى المشهور والفائض والمتعلم من قصة ابتلاء إبراهيم في ولده إسماعيل -عليهما السلام-، والابتلاء في الولد من أعظم البلايا، فاستسلمي لأوامر ربك بانقياد ومحبة وثقة وتوكل ولا تتركي للشيطان سبيلاً للإعاقة في ذلك، وأيضًا لتجعلي تربية إبراهيم لابنه إسماعيل نموذجًا لك وقدوة في تربية أولادك، فكان ممتثلاً لأمر الله –تعالى- دون اعتراض إذ قال لوالده: {ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: 102]، إنها التربية الإيمانية الحقة والإيمان الصادق الذي يجب على المسلمة أن تعلمه أبناءها وتغرسه في نفوسهم، فتربية الأولاد لا تقتصر على تلبية احتياجاتهم المادية والحسية بل التغذية الروحية أساس التربية .
تاسعًا: وعلى المرأة أيضًا أن تحسن الظن بربها كما أحسنت أم إسماعيل الظن بربها "سألت إبراهيم -عليه السلام- آالله أمرك بذلك؟، فقال: نعم، قالت إذن لن يضيعنا" (رواه البخاري). فإن ثقتها بالله -سبحانه- تحققت ففجر لها بئر زمزم ثم فداه بذبح عظيم، فهذه الثقة بالله كانت سبب النجاة، وحسن الظن والثقة به –سبحانه- الذي ليس لنا سواه وليس لنا رجاء إلا فيه هو سبب النجاة من كل كرب وسوء .
عاشرًا: إن لك دورًا لاينبغي أن تغفلي عنه ولا تغيبي منه ألا وهو دور الدعوة إلى الله في هذه الايام، فالدعوة إلى الله خير العمل: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33]. ولكي تكوني داعية ناجحة فعليك أن تكوني قدوة أولاً بأن تبدئي بالتطبيق العملي للأوامر الشرعية لأن ذلك هو أساس الدعوة الناجحة فالعمل دومًا أهم من الكلام .
وأخيرًا فإنني أنصحك بالافتقار إلى الله –سبحانه- في هذه الأيام، فشعور الافتقار هو من أوثق ما يعيد الوصال بيننا وبين الله –سبحانه-، فليس لنا سواه نرجوه ونأمل أن يلحقنا بالصالحين أيا ما كانوا في مرضات الله بنياتنا الواثقة فيه -سبحانه-.
- التصنيف: