اللباس من نعم الله على الناس
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وخلق غيره من الحيوان، خلق الإنسان وجعله محتاجًا إلى أكل وشرب ولِباس، وخلق الحيوان وجعله أيضًا محتاجًا إلى أكل وشرب، لكن لا يحتاج إلى لباس.
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وخلق غيره من الحيوان، خلق الإنسان وجعله محتاجًا إلى أكل وشرب ولِباس، وخلق الحيوان وجعله أيضًا محتاجًا إلى أكل وشرب، لكن لا يحتاج إلى لباس.
فالله ألبسها أصوافَها وأوبارها وأشعارها، وألبسها ريشها وقشورها، ولا تحتاج أن تخترع لباسًا لِتَلْبَسَهُ، أما ابن آدم، وعلى طريقة أبيه آدمَ خَلَقَهُ يحتاج إلى اللِّباس، آدم في الجنة مستورةٌ عورته، هو وزوجته، لكن إبليس، لكن الشيطان لم يتركهما، بل أغواهما حتى نزع عنهما لباسهما؛ كما قال سبحانه وتعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26]، فابن آدم يحتاج إلى لباسين؛ اللِّباس الأول يستر عورته، يواري سوأته، يستر بدنه من الحرِّ والبرد، أما اللِّباس الثاني، فهو لباس القلب؛ وهو لباس التقوى؛ لذا هنا قال: {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26]، ليس يواري السوأة فقط، بل هناك الريش، ريش للإنسان، والريش - كما قال ابن عباس - هو الـمال، وقال غيره: "الرياش والريش واحد، وهو ما ظهر من اللِّباس".
لذلك يقول الناس في أمثالهم: (فلان متريش)، هل يعني أنه يلبس الريش؟ لا، لكن يعني عنده أموال وعنده ملابس فاخرة؛ قال سبحانه: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 26، 27]، أكلا من الشجرة فعصيا الله، {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 22]، فمن أكل من هذه الشجرة تبدو سوأته، لا يبقى ما يسترها، فنظر آدمُ إلى سوأته، ونظرت حواءُ إلى سوأتها، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وكل هذا من عمل الشيطان، فأول خطيئة من الشيطان نزع لباس الإنسان، {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
وقال جل جلاله: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا} ؛ أي: إبليس، الشيطان، {عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] تشقى يا آدم، {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118].
الجنة لا عُرْيَ فيها ولا جوع، ولا شمس ولا حر ولا قَرَّ، وبالفعل سوَّل الشيطان للناس التهتُّك، وزيَّن لهم العري، حتى جعلهم يعتقدونه دينًا، بعض الناس ضحِك عليهم الشيطان حتى جعله إذا تعرَّى فإنه دين يتقرب فيه إلى الله، فصاروا - وهذا عند العرب قبل الإسلام - يطوفون حول بيت الله، حول الكعبة المشرفة، عراة الرجال والنساء؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يُعيرني تِطْوافًا"، والتِّطواف بكسر التاء: ثوب تلبسه المرأة تطوف به؛ [شرح النووي]، هذا ما أقرَّته قريش على من يأتيها حاجًّا، لا بد وأن يُحرِمَ في ثياب قريش، وأما الثياب التي أتيتم بها من خارج قريش، وفيها المعاصي فألقوها، فإما يعطيك أحد من قريش ثوبَه فتلبَسه، وإما أن تطوف عريانًا إذا لم يُعطِك أحد ثوبًا، هذا لباس الإحرام عندهم، صار دينًا، نسأل الله السلامة، فتقول: من يعيرني تطوافًا تجعله على فَرْجِها، حتى تستر نفسها، فإذا لم تجد أحدًا يعطيها، فكيف تستر نفسها؟ تطوف بالليل وقد وضعت يدها على فرجها، وتقول:
اليوم يبدو بعضُه أو كلُّه ** فما بدا منه فلا أُحِلُّه
هكذا كانوا، انظر إلى الشيطان وصل بالناس إلى أي درجة.
أي: يوم الطواف إما أن ينكشف كل الفرج أو بعضه، وعلى التقديرين تقول: فلا أحل لأحد أن ينظر إليه قصدًا، وتريد بذلك أنها كشفت الفَرْجَ لضرورة الطواف؛ لأنها تريد أن تطوف وهي مُحْرِمة، لا لإباحة النظر إليه والاستمتاع به، فليس لأحد أن يفعل ذلك.
هكذا هي كانت تعتقد، فنزلت هذه الآية عندما جاء الإسلام، ووجدهم هكذا ضحك عليهم الشيطان؛ قال الله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]؛ [(م) 25- (3028)، (س) (2956)].
قال الألباني رحمه الله في [صحيح السيرة (ص: 48)]: "وذكر ابن إسحاق ما كانت قريش ابتدعوه - يعني ضحك عليهم الشيطان فابتدعوه - في تسميتهم الحمس - قريش الناسُ سمَّوهم الحمس، لماذا؟ - وهو: الشدة في الدين والصلابة؛ وذلك لأنهم عظَّموا الحرم تعظيمًا زائدًا؛ بحيث التزموا بسببه ألَّا يخرجوا منه ليلة عرفة - ليلة عرفة في عرفة على الناس، ليس علينا نحن أهل قريش، من شدة احترامهم للبيت، هكذا سوَّل لهم الشيطان - وكانوا يقولون: نحن أبناء الحرم وقُطَّان بيت الله... وكانوا يمنعون الحجيج والعمار - ما داموا مُحْرِمين - أن يأكلوا إلا من طعام قريش، ولا يطوفوا إلا في ثياب قريش، فإن لم يجد أحد منهم ثوبَ أحد من الحمس، طاف عريانًا، ولو كانت امرأة، ولهذا كانت المرأة إذا اتفق طوافها لذلك، وضعت يدها على فرجها، وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله = وما بدا منه فلا أحله، قال ابن إسحاق: فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن ردًّا عليهم فيما ابتدعوه - وسول لهم الشيطان - وأنزل الله ردًّا عليهم فيما كانوا حرَّموا من اللِّباس والطعام على الناس: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 31، 32]، من حرم الأطعمة الأخرى غير طعام قريش؟ من حرم اللِّباس الآخر غير لباس الحمس، من؟ {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]".
لذلك نحن نعلم جميعًا أن لكلٍّ لِباسه، فلباس الطفل غير لباس الرجل، ولباس المرأة يختلف عن لباس الرجل في صنعته وهيئته، فالمطلوب في ثياب الرجل - حتى لا نتشبه بالشيطان أو نطيعه في بعض الأعمال - على الرجل أن يلبس ثوبًا لا يتشبَّه فيه بالنساء، فالرجال لهم ثياب تختلف عن ثياب النساء، وللنساء ثياب تختلف في صنعتها وهيئتها عن ثياب الرجال، فالمطلوب في ثياب الرجال أن يكون ساترًا للعورة، من السرة إلى الركبة، مع ستر الْمَنْكِبين إن كان في الصلاة، أو الحج كما في حال الحجاج عند إحرامهم، هذا أقل ما يكون من اللِّباس للرجال؛ إزارٌ ورِداءٌ.
فإن زادوا على ذلك، وأنعم الله علينا بنِعَمِ المال، وأردنا أن نلبس زائدًا على ذلك، في غير الإحرام، فلبِسوا القميص، والسراويلات، والجُبَّة والعباءة، والقَلَنْسُوَة والعِمامة، وغيرها من ثياب الناس، فلا مانع.
ولا يجوز للرجل أن يلبس ثوبًا طويلًا يجره؛ لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى من جرَّ ثوبه خُيَلاء»؛ (البخاري ومسلم)[1].
ولا أن يتشبه فيه بالكفار، فيما اختصوا به من لباس؛ كلباس الكهنة، وما فيه صور الصُّلبان، ونجمة اليهود السداسية، أو ملابس ملونة بألوان المثليين، وما له صلة أو ميزة لغير المسلمين، لا يجوز لمسلم أن يلبس مثل هذه الألبسة.
أما النساء فالمرأة كلها عورة، فتغطي جميع جسمها، عدا وجهها وكفيها في الصلاة، وأثناء الإحرام في الحج، وعند الفتنة، فتستر بدنها بثوب لا يكون فيه زينة في نفسه، وأن يكون الثوب صفيقًا لا يشِفُّ؛ صفيقًا يعني خيوطه متلاصقة، لا يُرى مِن ورائها، لا يشف فيُظهر عضوها؛ لأن الستر لا يتحقق إلا به، وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «... ونساء كاسيات...»؛ يلبسن ثيابًا، لكن هذه الثياب لا تستر فهن عاريات، نسأل الله السلامة، «مُمِيلات مائلات، رؤوسهن كأسْنِمَةِ البُخْتِ المائلة، لا يدْخُلْنَ الجنة، ولا يَجِدْنَ ريحها، وإن ريحها لَيوجد من مسيرة كذا وكذا»؛ [مسلم][2].
وأن يكون فَضْفَاضًا غير ضيق؛ فيصف شيئًا من جسمها، وألَّا يكون مبخَّرًا ولا مطيَّبًا بالعطور؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم لِيجدوا ريحها، فهي زانية، وكل عين زانية»؛ (ابن خزيمة)[3]، نسأل الله السلامة.
وألَّا يشبه لباسُها لباسَ الرجال؛ فقد ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبَس لِبسةَ المرأة، والمرأة تلبَس لِبسة الرجل))؛ (أبو داود وغيره)[4].
وألَّا يشبه لباسُ النساء لباسَ الكافرات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبَّه بقومٍ فهو منهم»؛ (أبو داود)[5].
وألَّا يكون لباسَ شهرة؛ وهو كل ثوب يُقصد به الاشتهار بين الناس؛ ثوب غريب في ألوانه، غريب في صفاته، فتمشي به في الشوارع، سواء كان الثوب نَفِيسًا يلبسه تفاخرًا بالدنيا وزينتها، أو خسيسًا يلبسه إظهارًا للزهد والرياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لبِس ثوبَ شهرةٍ في الدنيا، ألبسه الله ثوبَ مذلةٍ يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارًا»؛ (ابن ماجة وأبو داود)[6]؛ أي: "أي: ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة، والمراد به ثوب يوجب ذلته يوم القيامة، كما لبس في الدنيا ثوبًا يتعزز به على الناس، ويترفع به عليهم"[7].
وقال سبحانه ناهيًا عن التشبه بغير المسلمين، من المشركين وغيرهم، ينهى النساء فيقول: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]؛ يعني: لا تُخْرِجْنَ - يا نساء المؤمنين - محاسنكن في ذات المرأة وجسمها وفي حَلْيِها، ويكون على ذلك مرأى الرجال؛ قال معمر: "التبرج أن تُخْرِجَ محاسنها".
فالتبرج: إظهار المرأة محاسنَ ذاتها وثيابها وحليها بمرأى الرجال[8].
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]؛ أي: لا تُكْثِرن الخروج متجمِّلات أو متطيبات متعطرات، كعادة أهل الجاهلية الأولى - فلماذا سُمُّوا بأهل الجاهلية؟ لأنهم - الذين لا علم عندهم ولا دين، فكل هذا دفع للشر وأسبابه[9].
فكلنا سنموت، وكلنا سنُبْعث، وعندما نخرج من قبورنا نخرج عراة، لا تكون علينا ثياب؛ لأن الإنسان في تلك اللحظة لن ينظر إلى غيره، ولكن عيونه إلى السماء، وينظر إلى الكتاب يأخذه بيمينه أو بشماله، رجالًا ونساء، نسأل الله السلامة؛ لذلك سيكون لباس المجرمين يوم القيامة، ومن لم يطع الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا؛ فلينتظروا: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 48 - 50]؛ أي: ملابسهم السفلية من نحاس مُذاب من شدة الحرارة، {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50]؛ وهو النحاس المذاب من شدة الحرارة، {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 50 - 52].
وفي الحديث، وفي هذه الأمة نرى بعض النساء في حالة مُزْرِية من اللِّباس؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «النائحة -وهي التي تنوح على الميت- إذا لم تَتُبْ قبل موتها، تُقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودِرْعٍ من جَرَبٍ»؛ (مسلم)[10]، وقال سبحانه:
{فَالَّذِينَ كَفَرُوا} لهم لباس يوم القيامة، {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ} فُصِّلت وقُصَّت لهم ثياب، لكن الثياب {مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 19 - 21].
أما المؤمنون، نسأل الله أن نكون منهم، في الحياة الدنيا وعند الممات على لا إله إلا الله، وعند البعث والنشور، وعند المرور على الصراط، نسأل الله أن نكون جميعًا من أهل الجنة - ما هو لباسهم يوم القيامة؟
قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23].
وقال عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أيضًا: {أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] إذًا هذه الأساور من ذهب، {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا} [الكهف: 31] أيضًا لهم لباس وثياب، لكن لونها أخضر {خُضْرًا} [الكهف: 31]، وهل هي مصنوعة من القطن أو من الكتان أو من النايلون، أو البلاستيك كمعظم ملابسنا الآن، {مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31]؛ السندس هو الحرير الرقيق الذي يُرى ما وراءه، والإستبرق هو الحرير الغليظ، ما نسميه المخمل، له خمل، كلا النوعين هناك موجود، فأبشر يا عبدالله، {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ} [الكهف: 31]، هذه مجالسهم يتكئون على الأرائك، {نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 31]؛ والسندس: رقيق الديباج، والإستبرق: غليظه.
والحرير الذي نعرفه في هذا الزمان يستخرج من شجرة التوت لا من غيرها بواسطة دودة القز، أما حرير الآخرة، وملابس المؤمنين يوم القيامة، من أين يُستخرج؟
قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما طوبى؟ يسأل عنها عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر طوبى، فقال: ما طوبى؟ فـقال صلى الله عليه وسلم: «شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة»؛ عندما يمشي الإنسان على فرس جواد سريع مائة عام، ما يقطع ظلَّها «ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها»؛ (ابن حبان)[11].
ثياب أهل الجنة الحرير والسندس وما شابه ذلك من أكمام شجرة طوبى؛ يعني من براعمها، ترى اللون المناسب فتأخذه، تسحبه فإذا به لباسٌ على قدرك تمامًا، من أخبرنا بذلك؟
إنه الرحمة المهداة، إنه السراج المنير، البشير النذير، إنه محمد بن عبدالله؛ فصلوا عليه كما صلى الله عليه في كتابه وملائكته؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
[1] (خ) (5783) (م) 42- (2085).
[2] (م) 125 - (2128).
[3] (خز) (1681)، (حب) (4424)، جلباب المرأة المسلمة: (ص 137).
[4] (د) (4098)، (حم) (8309)، (حب) (5751)، "جلباب المرأة" (141/1).
[5] (د) (4031).
[6] (جه) (3607)، (د) (4029)، (حم) (5664)، انظر: صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2089).
[7] عون المعبود وحاشية ابن القيم (11/ 51).
[8] التحرير والتنوير (22/12).
[9] تفسير السعدي (ص: 664).
[10] (م) 29- (934).
[11] (حب) (7413).
_________________________________________________
الكاتب: الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد