ماذا قدمت لحياتك؟!
أنت في حياة عمل ومراقبة واختبار وابتلاء، وموت وهرم، ومرض، وفقر وغنى… حياة معبر، كراكب استظلَّ تحت ظل شجرة، ثم ذهب وتركها.
قال الله تعالى: {يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24]، من الذي يقول؟ وما المقصود بالحياة؟ وماذا يُقدِّم لها الإنسان؟ هل المشاريع التجارية؟ أم الأموال أم الزروع والحرث، وما إلى ذلك؟
لا، أبدًا… يَقُولُ هذا الإنسان الشقي: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي؛ أي: يقول حين يرى العذاب ماثلًا أمامه -على سبيل التحسُّر والتفجُّع-: يا ليتني قدمت أعمالًا صالحةً في وقت حياتي في الدنيا؛ لأنتفع بها في حياتي في الآخرة، فالحياة المقصودة حياة الآخرة، فهي الحياة الحقيقية؛ أي: لا موت فيها -حياة كاملة من كل وجه، مُستقِرَّة دائمة- قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64].
أنت في حياة عمل ومراقبة واختبار وابتلاء، وموت وهرم، ومرض، وفقر وغنى… حياة معبر، كراكب استظلَّ تحت ظل شجرة، ثم ذهب وتركها.
قال بعض الشعراء الحكماء:
لا طيب للعيش مادامت مُنغَّصة ** لذاته بادِّكار الموت والهرم
وفي الآخرة سيكون هناك إمَّا جنَّة أو نار -والعياذ بالله- فمن قدم لحياته -في الآخرة- وعمل لها وأطاع اللهَ ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ سيكون بإذن الله في الجنَّة، ومن أعرض عن ذكر الله وأشغلته دنياه وأمواله وأولاده؛ سيُحشَر أعمى، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: ١٢٤-١٢٦]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9].
حينئذٍ يندم على ما سلف منه من المعاصي إن كان عاصيًا، ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعًا -ولا ينفعه ذاك الندم- فكن كيِّسًا فطنًا ولا تكن كيس قطن- قال صلى الله عليه وسلم: «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت».
وهذه بعض الأمثلة من الأعمال الصالحة التي تكون موافقة للشرع، ويكون صاحبها مُخلصًا لربِّه تبارك وتعالى، فتنفعه بإذن الله في آخرته، وقد عرف شيخ الإسلام العبادة بأنها: " اسم جامعٌ لكل ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة"، وهي متنوعة وكثيرة، ولا يمكننا حصرها فضلًا عن تعدادها، لكننا نذكر منها:
1- الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورُسُله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره.
2- والصلوات الخمس لوقتها.
3- والحج المبرور الذي يكون من مالٍ حلالٍ مبتعدًا فيه عن الفسق والإثم والجدال، والصيام والزكاة.
4- بِرّ الوالدين.
5- قراءة القرآن.
6- المداومة على الطاعات وإنْ قلَّت.
7- أداء الأمانة.
8- العفو عن الناس.
9- الصدق في الحديث.
10- النفقة في سبيل الله سواء على الوالدين والفقراء والمساكين والمحتاجين، وفي بناء المساجد، وفي طباعة المصاحف والكتب الإسلاميَّة، والنفقة على الأهل والأولاد.
11- أن يسلم المسلمون من لسانه ويده (وذلك بالكفِّ عن الغيبة والنميمة والقذف والسبِّ واللعن).
12- إطعام الطعام.
13- إفشاء السلام.
وغير ذلك كثير.
عن أبي ذَرٍّ قال: قلت: يا رسول الله، ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: «الإيمان بالله»، قلت: يا رسول الله، إن مع الإيمان عملًا، قال: «يرضخ مما رزقه الله» (ومعنى الرضخ هو العطاء)، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان فقيرًا لا يجد ما يرضخ به؟ قال: «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر»، قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: «يصنع لأخرق»؛ (وهو الجاهل الذي لا صنعة له يكتسب منها)، قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئًا؟ قال: «يعين مظلومًا»، قلت: أرأيت إن كان ضعيفًا لا يستطيع أن يعين مظلومًا؟ قال: «ما تريد أن تترك في صاحبك من خير!ليمسك أذاه عن الناس»، فقلت: يا رسول الله، إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: «ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة»؛ صحَّحه الألباني في الترغيب (876).
والله أعلم والموفِّقوالهادي إلى سواء السبيل.
المراجع:
• تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، التفسير الوسيط، وتفسير ابن عثيمين.
• موقع خالد السبت.
________________________________________________________
الكاتب: نورة سليمان عبدالله
- التصنيف: