من فوائد ذكر الله تعالى (2)
أن دُور الجنة تبنى بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء، وأن الذكر سدٌّ بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق عمل من الأعمال، كان الذكر سدًّا في تلك الطريق
ومن فوائد الذكر أيضًا ما ذكره ابن القيم رحمه الله:
أن دُور الجنة تبنى بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء، وأن الذكر سدٌّ بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق عمل من الأعمال، كان الذكر سدًّا في تلك الطريق، وأن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب، وأن الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها، وأن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل؛ قال تبارك وتعالى في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وأن للذكر من بين الأعمال لذةً لا يُشبهها شيءٌ فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر، وأنه يكسو الوجه نضرةً في الدنيا ونورًا في الآخرة، وأن في داوم الذكر في الطريق والبيت والحضر والسفر والبقاع تكثيرًا لشهود العبد يوم القيامة، فإن البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة، وإن الذكر يعطي الذاكر قوةً، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظُن فعله بدونه قال: وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته - أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر.
ما دمت تقدِر فأكثر ذكر خالقنــــا *** وأدِّ واجبه نحو العبــــــادات
فسوف تندم إن فرَّطت في زمـن *** ما فيه ذكر لخلاق السماوات
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعليًّا - رضي الله عنهما - أن يسبحا كل ليلة إذا أخذ مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويكبرا أربعًا وثلاثين، لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلَّمها ذلك، وقال: «إنه خير لكما من خادم».
فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوةً في عمله مغنيةً عن خادم، قال: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يذكر أثرًا في هذا الباب، ويقول: إن الملائكة لما أمروا بحمل العرش، قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك، فقال قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما قالوا حملوه حتى رأيت ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الأثر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال: حدثنا مشيختنا أنه بلغهم أن أول ما خلق الله عز وجل حين كان عرشه على الماء حملةُ العرش، فقالوا: ربنا لِمَ خلقتنا؟ قال: خلقتُكم لحمل عرشي، قالوا: ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟ قال: لذلك خلقَتُكم، فأعادوا عليه ذلك مرارًا فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله فحملوه.
قال: وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة وتحمُّل المشاق، والدخول على الملوك ومن يخاف، وركوب الأهوال، ولها أيضًا تأثير في دفع الفقر، قال: ومبنى الدين على قاعدتين: الذكر، والشكر.
إذا رمتَ أن تحظى بعزٍّ برفعة *** بدنياك والأخرى لنيل السعـادة
عليك بذكر الله جل جلالــــــه *** وإياك أن تغفل ولو قدر لحظة
آخر:
إله الورى حتمٌ على الناس حمده *** لما جاد من فضل عليهم بلا من
وليس المراد بالذكر مجرد ذكر اللسان، بل الذكر لقلبي واللساني، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله، والثناء عليه بأنواع المدح، وذلك لا يتم إلا بتوحيده، فذكره الحقيقي يستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه.
وأما الشكر فهو القيام بطاعته، فذكره مستلزم لمعرفته، وشكره متضمن لطاعته، وهما الغاية التي خُلق لأجلها الجن والإنس.
(فائدة): قال الشيخ تقي الدين: من ابتُلي ببلاء قلب أزعجه، فأعظم دواء له قوة الالتجاء إلى الله، وداوم التضرع والدعاء، فإن يتعلم الأدعية المأثورة ويتوخى الدعاء في مظان الإجابة؛ مثل آخر الليل، وأوقات الأذان والإقامة، وفي السجود وإدبار الصلوات، ويضم إلى ذلك الاستغفار.
وليتخذ وردًا من الأذكار طرفي النهار وعند النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف، فإنه لا بد أن يؤيده الله بروح منه، ويكتب الإيمان في قلبه، وليحرِص على عمود الدين، وليكن هِجِّيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنه بها يحمل الأثقال ويكابد الأهوال، وينال رفيع الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل، وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، ولم ينل أحد شيئًا من عميم الخير إلا بالصبر والله الموفق.
شعرًا:
لا تقصد الناس إذا أدبــــــــرت *** دنياك واقصد من جواد كريـم
كيف يرجى الرزق من عند من *** يطلب الرزق من الرب الرحيم
آخر:
يا أيها الطالب من مثلــــــــــه *** رزقًا له جرت عن الحكمـة
لا تطلبنَّ الرزق من طالـــــــبٍ *** مثلك محتاج إلى الرحمـة
وارغَب إلى الله الذي لم يـزَل *** في يده النعمة والنقمـــــة
شعرًا:
بذكرك يا مولى الورى نتنعَّــــــــــــــم *** وقد خاب قوم عن سبيلك قد عمـــــــــوا
شهدنا يقينًا أن علمك واســــــــــــــعٌ *** فأنت ترى ما في القلوب وتعلــــــــــــــــم
إلهي تحملنا ذنوبًا عظيمـــــــــــــــــةً *** أسأنا وقصرنا وجودك أعظــــــــــــــــــــم
وحقك ما فينا مسيء يســـــــــــــره *** صدودك عنه بل يخــاف وينــــــــــــــــدم
سكتنا عن الشكوى حيـاءً وهيبــــــةً *** وحاجاتنـا بالمقتـضى تتكلـــــــــــــــــــــم
إذا كان ذل العبد بالحال ناطقًـــــــــا *** فهل يستطيع الصبر عنه ويكتـــــــــــــــم
إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنـــــا *** فأنت الذي تولي الجميل وتكـــــــــــــــرم
وأنت الذي قربت قومًا فوافقـــــــوا *** ووفقتهم حتى أنابوا وأسلمــــــــــــــــــوا
وقلت استقاموا منةً وتكـرمًــــــــــــا *** فأنت الذي قومتهم فتقـومـــــــــــــــــــوا
لهم في الدجى أنس بذكرك دائمًـــــا *** فهم في الليالي ساجـدون وقــــــــــــــوم
نظرت إليهم نظرةً بتعطـــــــــــــــف *** فعاشوا بها والناس سكرى ونـــــــــــــــوم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهـلـــــــــه *** وسامح وسلمنا فأنت المسـلـــــــــــــــــــم
_________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان
- التصنيف: