لماذا تدعم الهند "إسرائيل"؟
يتعجب البعض من المساندة القوية التي تقدمها الهند للكيان الصهيوني، حتى بعد جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة
يتعجب البعض من المساندة القوية التي تقدمها الهند للكيان الصهيوني، حتى بعد جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والمستمرة منذ شهر أكتوبر وحتى الآن، ومرجع هذا التعجب أن الشائع في الأدبيات السياسية العربية أن الهند تأخر تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل حتى عام 1992 بعد مباحثات السلام بين العرب وإسرائيل، وتزعم هذه الأدبيات أن علاقة صداقة أشبه بالتحالف ربطت بين العرب والهند منذ استقلال الهند وحتى الثمانينات من القرن العشرين بدعوى تضامن الهند مع الفلسطينيين ومناهضتها للمشروع الصهيوني، فضلاً عن التعاون الواسع بين جمال عبد الناصر وأغلب الدول العربية مع رئيس وزراء الهند "جواهر لال نهرو" ثم خلفائه من قادة الهند في إطار منظمة عدم الانحياز، وكل هذه الدعاوي هي التي تغلب على الخطاب الإعلامي العربي حتى اليوم، وما عليك سوى إجراء بحث على محركات البحث على الإنترنت حتى تغرق في المقالات والتحليلات بل والأوراق العلمية التي تروج لهذه الدعاوى.
لكن من الثابت علميًا بالمصادر والمراجع الموثوقة أن هناك علاقات قوية سرية ربطت الهند بإسرائيل منذ حكم الزعيم الهندي الشهير "جواهر لال نهرو" الذي كان أول رئيس وزراء للهند منذ استقلالها عام 1947 وحتى وفاته عام 1964، وتجلت هذه العلاقات السرية في العديد من مظاهر التعاون السري بين البلدين ولعل أبرزه وأكثره دلالة التالي:
- في عام 1962 اندلعت حرب بين الهند والصين وحينها طلب "جواهر لال نهرو" سرًا من نظيره الصهيوني ديفيد بن جوريون أن يزوده بأسلحة متطورة، واستجابت إسرائيل للطلب الهندي وأمدت الهند بكميات من الأسلحة والذخائر[1] بما في ذلك المدفعية وذخائرها وأنواع من المدرعات والصواريخ وطائرات الهيليكوبتر، وفي نفس العام وقعت الهند وإسرائيل اتفاقية للتعاون في المجال النووي[2].
- في عام 1963 زار الجنرال الإسرائيلي دافيد شلتييل الهند وعقد مع رئيس الأركان الهندي معاهدة سرية قضت بأن تزود إسرائيل الهند بكميات جديدة من الأسلحة والذخائر بجانب التعاون في مجال التدريب العسكري، وفي نفس العام تسربت وثيقة سرية أخرى توضح أن الهند تسلمت من إسرائيل أكثر من 99 ألف دانة مدفع هاون و50 مدفع هاون ثقيل[3].
- عند نشوب حرب الهند مع باكستان في عام 1965 قدمت إسرائيل إلى الهند مساعدات عسكرية بشكل عاجل ومتسارع.
- عند هجوم إسرائيل على مصر وسوريا وفلسطين والأردن ضمن حرب 5 يونيو 1967 قدمت الهند مساعدات عسكرية لإسرائيل وكان من بينها كميات ضخمة من قطع غيار مركبات القتال لا سيما الدبابات إم. إكس 13[4].
وفي أعقاب حرب 1967 سافر العميد "أرييل شارون" إلى الهند وأبرم عقدًا لشراء قطع غيار للطائرات الإسرائيلية ميستير و أوراكان وغيرهما بجانب المزيد من قطع غيار الدبابات إم إكس 13، وتدفقت هذه الشحنات الضخمة من الهند إلى إسرائيل عبر اليونان حفاظًا على السرية.
وفي نفس الوقت اشترت الهند من إسرائيل العديد من الأسلحة السوفيتية التي غنمتها إسرائيل من العرب في حرب 1967[5] حيث كان أغلب التسليح الهندي وقتها هو تسليح سوفيتي.
كما تعددت الزيارات وتبادل الوفود العسكرية بين الهند وإسرائيل لنقل الخبرات العسكرية للهند ومن أجل التعاون في مجالات التدريب العسكري والتصنيع العسكري.
- في حرب الهند مع باكستان عام 1971 دعمت إسرائيل الهند بالسلاح والذخائر كما تكفلت بتقديم جزء كبير من المال والسلاح والتدريب للانفصاليين البنغال المدعومين من الهند والذي أدى تمردهم لانفصال بنجلاديش واستقلالها عن باكستان[6].
- وفي أعقاب حرب 6 أكتوبر 1973 تعددت زيارات الوفود العسكرية الهندية لإسرائيل للحصول على خبرتها العسكرية في هذه الحرب خاصة في مجال الحرب الإلكترونية، ومقاومة الصواريخ المضادة للدبابات[7].
- عام 1977 حصل الموساد الإسرائيلي على معلومات حول المفاعل النووي الباكستاني وقدمها للهند.
- في عام 1978 زار الهند وفد من المخابرات الإسرائيلية، وقدّم لها معلومات مهمة عن البرنامج النووي الباكستاني، وفي 1979 زار إسرائيل وفد هندي ضم رئيس جهاز المخابرات وخبيرًا نوويًا في الموساد للتعاون ضد البرنامج النووي الباكستاني.
- بعد تدمير إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981، سعت الهند إلى التعاون مع إسرائيل لتدمير المفاعل النووي الباكستاني بالتنسيق معها، إلا أن ذلك لم ينجح.
- بعد حرب إسرائيل عام 1982 ضد لبنان حرصت الهند على الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال تشغيل طائرات الاستطلاع والإنذار المبكر، وكذلك في مجال تنظيم وإدارة الحزام الأمني في جنوب لبنان لمحاولة تطبيقها في منطقة الحدود في كشمير[8].
ومن هنا يتضح لنا أن العلاقات الوثيقة بين الهند وإسرائيل لم تبدأ في 1992 عندما صارت العلاقات معلن عنها، ولا أن الهند انتظرت ولم توثق علاقاتها مع إسرائيل إلا بعد انطلاق عملية مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل في 1991، ولا أن تولي الأحزاب الهندية اليمينية للحكم وابتعاد حزب المؤتمر الهندي عن الحكم[9] أدي لتوثيق العلاقات بين الهند وإسرائيل للتعاون ضد عدو مشترك هو الأصولية الإسلامية بحسب مزاعمهم، فهذه كلها شعارات كاذبة غرضها التلبيس على العرب والمسلمين كي تستمر أسطورة كتلة عدم الانحياز واليسار العالمي ونحوها من الشعارات التي تدعم الغشاوة السياسية على أعين العرب والمسلمين في العالم كله.
واليوم عندما نجد أن حجم التبادل التجاري بين الهند وإسرائيل يقترب من 8 مليار دولار سنويا، بينما كان المعلن عام 1991 هو 200 مليون دولار فقط فإننا نعلم أن هناك فرقًا بين ما هو معلن وما هو سري في علاقات الهند وإسرائيل، وهي حقيقة ثابتة بشأن السياسة الدولية بشكل عام.
إن الهند هي ثالث أكبر شريك تجاري آسيوي لإسرائيل منذ 2014، وعاشر أكبر شريك تجاري بشكل عام، وشملت مجالات التعاون الاقتصادي بينهما كلا من التكنولوجيا المالية، والإنترنت والسيارات الكهربائية، وتحلية المياه، وأدوات التحليل للمختبرات، والتعلم الآلي، وإدارة البيانات، كما أنشأت الدولتان صندوق ابتكار قيمته 40 مليون دولار، مول 11 مشروعا في الصناعة والتنمية والبحوث التكنولوجية، وتعاونت شركاتهما في مجالات المياه والزراعة والطاقة والصحة والمعلومات والاتصالات.
كما أن تعاونهما في مجال التسليح والصناعات العسكرية مستمر في التعاظم، فالهند اليوم هي أكبر مشترٍ للمعدات العسكرية الإسرائيلية بنسبة 49% من مجمل واردات الهند العسكرية، وإسرائيل هي ثاني أكبر مورد دفاعي للهند بعد روسيا، مما يجعلهما شريكين أساسيين في التعاون العسكري، وتساهم إسرائيل بشكل فعال في تحديث الجيش الهندي عبر توريد الأسلحة عالية التكنولوجيا إلى الجيش الهندي وتدريبه عليها كالطائرات بدون طيار، وأدوات الرؤية الليلية، وجدران إلكترونية لتحسين الرقابة على الحدود الهندية، فضلا عن الذخيرة والصواريخ والمضادات المتقدمة الجوية والأرضية، بجانب المناورات العسكرية المشتركة.
وحسب صحيفةEconomic Times الهندية، فإن الهند هي المستورد الأكبر للصناعات العسكرية الإسرائيلية، حيث كانت قد اشترت في العقد السابق معدات عسكرية من إسرائيل بقيمة تصل إلى عشرة مليارات دولار.
كما تستغل إسرائيل الهند ورجال الأعمال الهنود لإنشاء شركات تتمدد في دول العالم الإسلامي على أنها شركات هندية بينما هي في حقيقتها استثمارات إسرائيلية[10].
ونجد أن هذا التعاون العسكري والأمني والاقتصادي له ثمار سياسية عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر التالي:
- عام 1991 صوتت الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار الذي ينصّ على إلغاء اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.
- عام 2014 امتنعت الهند عن التصويت بمجلس حقوق الإنسان لصالح قرار يدين إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة.
- ديسمبر 2017 التزمت الهند الصمت عندما اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
- يناير 2024 تزعمت الهند مجموعة من الدول أعضاء مجموعة "عدم الانحياز" وتمكنت من منع صدور بيان من اجتماع وزراء خارجية المجموعة يدين إسرائيل صراحة ويدمغها بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة وذلك في اجتماع وزراء خارجية مجموعة عدم الانحياز مؤخرا في كمبالا (عاصمة أوغندا).
[1] انجي وحيد فخري، إسرائيل ودول الجنوب: دراسة في العلاقات الإسرائيلية الهندية، منشور
[2] محمد حامد، ترجمة أ.م.صفا، الحلف الدنس التعاون الهندي الإسرائيلي ضد العالم الإسلامي، ط مجلس شئون المسلمين في العالم، إسلام أباد، ومؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص 29.
[3] محمد حامد، مرجع سبق ذكره، ص 29.
[4] انجي وحيد فخري، مرجع سبق ذكره.
[5] محمد حامد، مرجع سبق ذكره، ص 33.
[6] محمد حامد، مرجع سبق ذكره، ص 37-38.
[7] مجلة السياسة الدولية ، العدد 148 ، أبريل 2002، ص 124.
[8] مجلة السياسة الدولية ، العدد 148 ، أبريل 2002، ص 124.
[9] خسر حزب المؤتمر الانتخابات عام 1989.
[10] عزيز كايد، عمر أبو عرقوب، تطور العلاقات الإسرائيلية الهندية، بحث منشور .
- التصنيف: