تتبع رخص الفقهاء والتلفيق بين المذاهب
وهذه الرٌّخص التي جاءت بها الشريعة لها أحكامها وشروطها وضوابطها، ولذلك أفرد لها علماء الأصول أبواباً مستقلة في كتبهم تناولت ذلك كله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الناظر في كتب أصول الفقه يجد أنه لا يخلو كتاب أُلِّفَ في هذا الفن قديماً وحديثاً إلا ويوجد به تعريف للرٌّخصة الشرعية، ولهذا فقد كثرت تعريفات العلماء لها واختلفت، وأجود هذه التعريفات تعريف «السبكي» لها بأنها: (الحكم الشرعي الذي غُيّر من صعوبة إلى سهولة لعذر اقتضى ذلك، مع قيام سبب الحكم الأصلي).
وهذه الرٌّخص التي جاءت بها الشريعة لها أحكامها وشروطها وضوابطها، ولذلك أفرد لها علماء الأصول أبواباً مستقلة في كتبهم تناولت ذلك كله.
والتيسير والتخفيف والترخيص عند المشقة مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، وأصل مقطوع به من أصولها لتحفظ على الناس ضروراتهم وحاجاتهم. وبناءً على ورود هذه الآيات والأحاديث في كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرّر أهل العلم قواعد كثيرة في ذلك، منها: (المشقة تجلب التيسير)، (الحرج مرفوع)، (لا ضرر ولا ضرار)، (الضرر يزال)، (إذا ضاق الأمر اتّسع).
وقسم العلماء الرخص إلى أنواع:
- الرٌّخصة الواجبة: كأكل الميتة للمضطر.
- الرٌّخصة المندوبة: كالقصر في الصلاة في السفر إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
- الرٌّخصة المباحة: كالسَّلَم، والتكلّم بكلمة الكفر عند الإكراه مع طمأنينة القلب.
والسَّلَم هو عقد على موصوف في الذمّة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد، ويسمى سلماً وسلفاً. وصورته: أن يقول رجل لرجل آخر فلاح –مثلاً-: خذ هذه عشرة آلاف دينار حاضرة بمائة صاع من التمر نوعه كذا تحل بعد سنة، فهذا هو السَّلم لأن المشتري قدّم سلماً والـمُسلَم مؤخر.
- الرٌّخصة التي على خلاف الأولى: ومثّلوا لها بفطر المسافر الذي لا يتضرر بالصوم لقوله تعالى: {{وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَّكُم}} [البقرة:184]
أما مجمَعُ الفِقهِ الإسلاميُّ فقد نصَّ على أنَّ الرُّخَصَ في القضايا العامَّة تُعامَل معاملةَ المسائِلِ الفقهيَّة الأصليَّة إذا كانت محقِّقةً لمصلحةٍ معتَبَرةٍ شرعًا، وصادرةً عن اجتهادٍ جماعيٍّ ممن تتوافر فيهم أهليَّةُ الاختيارِ، ويتَّصِفون بالتقوى والأمانة العلميَّة.
وأجاز مجمع الفقه الإسلامي الأخذ بالرٌّخص بمراعاة الضوابط الشرعية ومنها:
1/ أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعاً ولم توصف بأنها من شواذّ الأقوال.
2/ أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرٌّخصة دفعاً للمشقة سواء كانت حاجة عامة للمجتمع أو خاصة أو فردية.
فالرُّخصةُ الشَّرعيَّةُ هي ما ثبت على خلافِ دليلٍ شَرعيٍّ لمعارض راجحٍ وهي التي تُطلَقُ في مقابِلِ «العزيمة». ودلَّت النصوصُ الشَّرعيَّة على مشروعيَّة الأخذ بها، كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها)» [مسلم والنسائي بنحوه]
فالرخص الشرعية الثابتة بالكتاب أو السنة لا باس بتتبعها والأخذ بها لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن الله يحب أن توتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) كما في صحيح ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي المسند عن ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)» .
أما المقصود بتتبٌّع رخص العلماء أي باتِّباع الأسهل من أقوالهم في المسائل العلمـية، بحـيث لا يكون اتِّباع المكلف لهذه الرٌّخص بدافع قوة الدليل وسطوع البراهين، بل الرغبة في اتِّباع الأيسر والأخف، سواء كان ذلك بهوى في النفس أو بقصد التشهي أو الجهل.
فالسَّماحَ واليُسرَ في الشَّريعة مقيَّدٌ بما هو جارٍ على أصولها، وليس تَتَبُّع الرُّخَصِ ولا اختيارُ الأقوالِ بالتشهِّي بثابتٍ من أصولها، بل هو مما نُهِيَ عنه في الشريعةِ؛ لأنَّه ميلٌ مع أهواءِ النفوس، والشَّرعُ قد نهى عن اتِّباعِ الهوى.
إن قضية «تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب» مشكلة قديمة حديثة في آن واحد، ويحسن بنا في تحليلها أن نقرر بعض الثوابت والأطروحات في هذه القضية الحساسة:
** الأحكام التي يأمرنا الشارع بها مشتملة على حكم عظيمة فإذا تتبعنا الرخص وقعنا في عملية مسخ، وخرجنا من هذه الحكمة التي وضعها الله حينما وضع هذه الأحكام الشرعية، وطالبنا بالعمل بها، وكلفنا بالقيام بها وتحقيقها في واقع الحياة، ولا شك أن تتبع هذه الرخص يؤذن بالانسلاخ من الدين، وسبب لذهاب هيبة الدين، والتهاون بحرمات الشرع.
** الشريعة من حيث العموم والإجمال قد وضعت على خلاف داعية الهوى، فإذا التبس عليك أمر فانظر إلى الهوى أين يتجه؟ فغالباً تجد أن حكم الشريعة مخالف لداعية الهوى؛ لأن الشريعة إنما وضعت لانتشال المكلف وانتزاعه ورفعه من داعية هواه ليتخلص من رق الهوى، ومن عبادة النفس والشيطان إلى عبادة الملك الديان، فإذا كان الإنسان متتبعاً للرخص فهو في الواقع يدور مع هواه حيث دار، وصار مخالفاً لقصد الشارع بوضع الشريعة، وبتكليفه بها.
** المعتبر من المشقات هي التي لا تكون محتملة، أو تكون معتبرة بالشرع، هذه التي يترتب عليها التيسير كما هي القاعدة: (أن المشقة تجلب التيسير)، و (أن الأمر إذا ضاق اتسع) هذا معنى هذه القواعد، أما المشقة التي تكون باعتبار مخالفة الهوى فهذه مشقة ليست معتبرة، كمن يشق عله القيام للفجر، هذا معنى يسر هذه الشريعة، فهي شريعة سهلة، شريعة ميسرة بضوابطها الشرعية، أما أن يفهم الإنسان أن يسر الشريعة يعني أن نتلاعب بأحكام الله لقوله تعالى: {{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}} [الحـج:87]، وبقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {(يسروا ولا تعسروا} ) [أخرجه الشيخان]، فيقال لهؤلاء الناس: هذه الشريعة بنيت على التسهيل والتيسير، وهي شريعة ميسرة؛ ولكن التيسير والتسهيل إنما هو مضبوط مزموم بحكم الشرع لا بالتشهي والهوى.
** تتبع الرخص مؤذن بسقوط التكاليف، فهذا الإنسان الذي يتبع الرخص ينظر في كل مسألة ما هو الأخف؟ وما هو الأيسر في العمل؟ بل وما هي الفتيا التي ترخص له في مقارفة هذا الحرام؟ فيكون ذلك سبباً في سقوط التكليف أصلاً.. تتبع الرخص هو في الواقع تمرد على التكليف، تمرد على الشريعة، خروج عنها، وهذا الخروج بزعمه أنه بفتاوى، وهذه الفتاوى لا تنفعه عند الله -تبارك وتعالى-، وإنما هو أراد أن يبرر لنفسه أمراً.. فاختيار الأقوال بمجرد التشهي إنما هو إتباع للهوى، وليس عبودية للرب المالك المعبود.
يقول الإمام النووي: "لو جاز اتّباع أيّ مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعاً لهواه ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز وذلك يؤدي إلى الانحلال من رِبقَةِ التكليف".
وعرفها الدسوقي وغيره من المالكيَّة بأنها رفعُ مشَقَّةِ التكليف باتباعِ كُلِّ سَهلٍ.
** لما كانت الأهواء غلابة وجدت طائفة ممن يتصدر للكلام في مسائل العلم والدين والفتيا والحلال والحرام، تفتي الناس بحسب أهوائهم وأمزجتهم، وبحسب ما يروق لهم بدعوى التسهيل والتيسير ومسايرة الواقع، حتى وجدنا من يقول لأحد اللجان الوضعية في بلاده: «ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنه موافق الزمان والمكان، وأنا لا يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنصٍّ, من المذاهب الإسلامية يطابق ما وضعتم.. »
وأعجب فئام من الناس بمثل هؤلاء، وصاروا أتباعاً لهم، يدافعون عنهم أشد المدافعة، بل لربما تنقصوا العلماء الذين لزموا كتاب الله وسنة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستمروا على الجادة الصحيحة التي تنضبط بها الفتيا.
ولما صارت هذه الفتاوى تصل إلى جميع الناس عن طريق وسائل التواصل الحديثة في الفضائيات وفي غيرها، صار خطر ذلك على الناس عظيماً كبيراً، مهدداً بانسلاخ من الدين وصاحَب ذلك ظن كثير من الجهال أن الإنسان يخرج سالماً من المسألة إذا جعل بينه وبين النار عالماً، وأنه ليس عليه كي يخرج من الحرج إلا أن يعلق هذه المسألة برقبة مفتٍ من المفتين، وإن لم يكن أهلاً للفتيا، فيكون بذلك بريء الساحة، لا يلحقه ذم ولا عتاب ولا مؤاخذة.
** الحق واحد في المسائل المختلف فيها خلاف التضاد، هذا يقول: حرام، وهذا يقول: حلال، هذا يقول: يجوز، وهذا يقول: لا يجوز، هذا يقول: واجب، وهذا يقول: مباح، لكن الحق في ذلك واحد عند الله -تبارك وتعالى-، فمهما أفتاك الناس، ومهما قالوا في هذه المسألة من التحليل، وأوردوا على قولهم من الأدلة فإن ذلك لا يغير من حقيقة الحكم شيئاً فالحكم عند الله ثابت، وفتوى المفتي لا تقلب الحكم عند الله الأحكام لتثبيتها وتقريرها فصار فعلنا بالترخص نوعاً من الانفلات من حكم الشريعة، وصار الإنسان بهذا العمل متتبعاً للرخص، أي متتبعاً لهواه.
** العلماء أجمعوا على أن من تتبع رخص الفقهاء فهو فاسق، والشارع قصد إثبات العدالة للمسلم، ونهاه عن كل موجب للفسق، فالفسق إنما يجر إليه فعل المحرمات، وترك الواجبات.
وقد قال ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- والمروزي، ونقل الإجماع على فسقه ابن حزم وابن عبد البر وأبو الوليد الباجي من المالكية.
** ما أكثر ما ورد عن العلماء الربانيين في ذم هذا المسلك فمن ذلك ما قاله الإمام سليمان التيمي -رحمه الله- يقول: " لو أخذتَ برخصة كُلِّ عالِم اجتمع فيك الشرُّ كلُّه"، وعقب على هذا القول الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- بقوله: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً"، أي أنه لا يجوز تتبع الرخص، وأن ذلك مظنة لاجتماع الشر في الإنسان.
// ويقول الأوزاعي: "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام"
// وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ -يعني المسكر- وأهل المدينة في السماع -يعني سماع المعازف- وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً".
// قال ابن النجار: يحرم على العامي تتبٌّع الرٌّخص ويفسق به.
// ويقول الإمام إسماعيل القاضي المالكي: "دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً فنظرت فيه وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح المسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء، ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب"
// ويقول الحافظ بن حزم -رحمه الله- في بيان طبقت المختلفين: "وطبقة أخرى وهم قوم بلغت بهم رقة الدين وقلة التقوى إلى طلب ما وافق أهوائهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى وعن رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد حكي ابن حزم -رحمه الله- الإجماع على أن تتبع رخص المذاهب بغير مستند شرعي فسق لا يحل.
// ويقول أبو الوليد الباجي المالكي مبنياً ما وقع في زمانه من عموم هذه البلوى، ومن فشوها وانتشارها حيث إن العامة صاروا يسألون العلماء عن المسألة فإذا أفتوهم قالوا: ألا يوجد قول آخر؟ أليس في المسألة رخصة؟ فاجترأ هؤلاء العامة على العلماء بسبب أن بعض العلماء فتح لهم هذا الباب..
يقول –رحمه الله-: "وكثيراً ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها -رجل يحلف-: لعل فيها رواية أو لعل فيها رخصة وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو كان تكرر عليهم إنكار العلماء لمثل هذا لما طالبوا به".
// يقول الإمام الزركشي -رحمه الله- في ذلك: "وفي فتاوى النووي الجزم بأنه لا يجوز تتبع الرخص، وقال في فتاوٍ له أخرى؛ وقد سئل عن مقلد مذهب: هل يجوز له أن يقلد غير مذهبه في رخصة لضرورة ونحوها؟، أجاب: يجوز له أن يعمل بفتوى من يصلح للإفتاء إذا سأله اتفاقاً من غير تلقّط الرخص ولا تعمد سؤال من يعلم أن مذهبه الترخيص في ذلك".
** قال الخطابي -رحمه الله- بعدما ذكر الخلاف في مسألة المسكر من غير عصير العنب، يقول عن بعض الناس الذين يفتون الناس بالرخص، أو يبحثون عن الرخص لأنفسهم، فينفلت من أحكام الشريعة، يقول هذا القائل: "إن الناس لما اختلفوا في الأشربة، وأجمعوا على تحريم خمر العنب، واختلفوا فيما سواه حرمنا ما اجتمعوا على تحريمه، وأبحنا ما سواه" يريد أن يقول: نحن نبقى على الأمر المتفق عليه، وأما الأمور المختلف فيها فنحن نتخير فيها ما نشاء.
يقول الخطابي -رحمه الله-: "وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله تعالى المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل للزم مثله في الربا والصرف -أي بيع الدرهمين بالدرهم، وبيع الدينارين بالدينار- فقد رخص بهذا بعض الفقهاء"، ونكاح المتعة فقد جاء أيضاً عن بعض السلف القول بجوازه فلم يبلغهم النسخ"، إلى أن قال: "وليس الاختلاف حجة، وبيان السنة حجة على المختلفين من الأولين والآخرين، فلا يحتج أحد بأن هذه المسألة خلافية، ثم يتخير بعد ذلك من الأقوال ما شاء" هذه نقطة أساسية ينبغي أن ندركها وأن نعرفها.
قال عبد الله بن المبارك: حاجني أهل الكوفة في المسكر فقلت لهم: إنه حرام، فأنكروا ذلك وسموا من التابعين رجالاً، مثل إبراهيم النخعي ونظرائه، فقالوا: لقوا الله عز وجل وهم يشربون الحرام؟ فقلت لهم رداً عليهم: لا تسموا الرجال عند الحِجَاج، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاووس ونظرائهم من أهل الحجاز، فقالوا: خيار. فقلت: فما تقولون في الدرهم بالدرهمين؟ فقالوا: حرام. فقلت لهم: أيلقون الله عز وجل وهم يأكلون الحرام. دعوا عند الحجاج تسمية الرجال.
فالإمام عبد الله بن المبارك -رحمه الله- حينما جاء إلى الكوفة وكانوا يرخصون في النبيذ المسكر، كانوا يقولون: بأن المسكر المحرم إنما هو من عصير العنب فقط؛ لأنه هو الذي كان يشرب في وقت نزول القرآن، فيقولون: هذا هو الحرام، أما المسكرات من الأشياء الأخرى فإنها لا تحرم، فلما قدم عليهم ابن المبارك اجتمعوا عليه، وعرضوا عليه هذه المسألة فأخبرهم بأن ذلك لا يحل، فقالوا: قد رخص فيه فلان وفلان وفلان، وذكروا جماعة من علماء التابعين، فقال لهم: دعونا من تسمية الرجال، وأنتم ما تقولون: في فلان وفلان وفلان؟ وذكر لهم عطاء الخرساني، وذكر لهم طاووس بن كيسان، وذكر لهم جابر بن زيد، وذكر لهم جملة من علماء التابعين، فقال: ما تقولون في هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء علماء وأئمة، ولهم قدرهم ومنزلتهم، قال: فما تقولون في بيع الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين؟ فقالوا: رباً لا يجوز، قال: إن هؤلاء يرخصون فيه، فما تقولون؟ فإن قلتم: هؤلاء علماء فهؤلاء أيضاً علماء، فإذا استرخصتم في شيء تشتهونه وهو شرب بعض المسكر؛ لأن هؤلاء العلماء أفتوا بجوازه أيضاً رخصوا في الأشياء الأخرى، لماذا تقولون: إنها حرام؟
** اجتماع الرخص شر محض لأنه يؤدي إلى حالة مركبة لا يقرٌّها أحد من المجتهدين، والخروج عن قول جميع العلماء، مما ينتج عن ذلك إحداث قول جديد في المسألة لم يقل به مجـتهد، فعلى سبيل المثال:
// من تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود، مقلّداً الإمام أبا حنيفة في عدم اشتراط الولاية، ومقلّداً الإمام مالكاً -في رواية له- في عدم اشتراط الشهادة بذاتها، ويكفي إعلان الزواج.
فهذا الزواج غير صحيح لأنه لا يجيزه الإمام أبو حنيفـة ولا الإمام مالك على هذه الصورة الملفّقة لأنه تولّد منه قول آخر مخالف لرأي هؤلاء العلماء على كيفية لا يصححونها، ولا يصح أيضاً لأنه مخالف للأدلة الصحيحة الواردة في هذه المسألة، ولأن الأصل في الأبضاع (الفروج) التحريم، ولا شك أن فيه تلاعباً بالشريعة وخروجاً عن مقاصدها
// رجل أخذ بقول الإمام مالك -رحمه الله- بأن القهقهة لا تبطل الصلاة، أو أنها لا تنقض الوضوء، والأحناف يقولون: بأن القهقهة تبطل الوضوء وبالتالي تبطل معها الصلاة، فإذا أخذ بقول مالك وهو مثلاً من الأحناف، ثم هو أيضاً أخذ بقول آخر في أن الوضوء يكفي فيه مسح ثلاث شعرات من الرأس، ومعلوم أن هذا القول أيضاً لبعض الفقهاء، وأخذ بقول آخر هو أنه يكفي في الرجلين المسح فقط، وهذا قال به أيضاً بعض الفقهاء أخذاً بقراءة الجر، في قوله -تبارك وتعالى-: {{وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَين}} [المائدة:6] فتصور هذا الإنسان الذي يمسح على رجليه في الوضوء، ويمسح في رأسه ثلاث شعرات فقط، ويرى أن القهقهة مثلاً -وهي كذلك- لا تبطل الوضوء، فهو في الواقع خرج على قول الجميع، فجميع العلماء لا يقولون: بأن هذه القضايا مجتمعة غير مؤثرة؛ لكن بعضهم يرى أن هذه القضية غير مؤثرة، والآخر يرى أن القضية الأخرى غير مؤثرة، والثالث يرى أن القضية الثالثة غير مؤثرة، لكن ما أحد منهم يقول: إن هذه القضايا جميعاً إذا اجتمعت في إنسان فإن صلاته صحيحة، إذا اجتمعت فيه فصلاته باطلة عند الجميع وهكذا.
** يحتج بعضهم أيضاً بأن الخلاف رحمة، ويحتجون بقول بعض السلف: "خلاف أمتي رحمة"، وبقول عمر بن عبد العزيز: "ما أحب أن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يختلفوا، إنهم لو لم يختلفوا لما كان توسعة لمن بعدهم"
لكن المقصود أن الخلاف رحمة بمعنى أن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما اختلفوا كان ذلك مسوغاً لمن كان جاء بعدهم أن يجتهد، وأن يتلمس الأحكام، وأن يتعرف عليها، فهو قد يخطئ وقد يخالفه غيره، فلا يكون ذلك سبباً للحوق الحرج فيه، ولا يكون ذلك داخلاً في توعد الله للمختلفين: {{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}} [آل عمران:105]
ولهذا يقول الإمام إسماعيل القاضي المالكي من علماء القرن الثالث الهجري: "إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن يكون توسعة لأن يقول بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا؛ ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا"، وقد علق الإمام ابن عبد البر -رحمه الله- على قول الإمام إسماعيل القاضي، علق عليه بأنه: قول جيد جداً.
** وجود الخلاف لا يسوغ بأخذ بما شاء من الأقوال، يقول الخطيب البغدادي -رحمه الله-: "فإن قال قائل: فكيف تقول في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟" يقول: "نقول له -إن شاء الله-: هذا على وجهين، أحدهما: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان عقله يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده".
// وقال الطوفي -رحمه الله- في «شرح مختصر الروضة»: قَوْلُهُ: «فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ»، أَيْ: إِنِ اسْتَوَى الْمُجْتَهِدَانِ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَضِيلَةِ، وَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يَتَّبِعُ «أَيَّهُمَا شَاءَ» مُخَيَّرًا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. الثَّانِي: يَأْخُذُ بِأَشَدِّ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ «الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيٌّ وَالْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيٌّ»، كَمَا يُرْوَى فِي الْأَثَرِ. وَفِي الْحِكْمَةِ: إِذَا تَرَدَّدْتَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، فَاجْتَنِبْ أَقْرَبَهُمَا مِنْ هَوَاكَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَشَدَّهُمَا وَفِي لَفْظٍ: أَرْشَدَهُمَا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لِلْحَدِيثِ أَنَّ الرُّشْدَ فِي الْأَخْذِ بِالْأَشَدِّ. الثَّالِثُ: يَأْخُذُ بِأَخَفِّ الْقَوْلَيْنِ لِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي الشَّرِيعَةِ، كَقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} .
** المسلم إذا اختلفت أمامه الأقوال، واحتاج إلى معرفة الحكم عليه أن يسأل من هو مستوفٍ لشروط الإفتاء، لا يسأل كل أحد، ولهذا يقول بعض العلماء: بأن المفتي من استكمل ثلاثة أمور:
1/ الاجتهاد أن يكون عالماً مؤهلاً للاجتهاد، لا يكون من الجاهلين.
2/ العدالة: فلا يكون هذا الإنسان فاسقاً كأن يكون حليق اللحية مثلاً ويفتي، أو يكون هذا الإنسان مثلاً ممن يتعاطى المحرمات، أو يتبجح بها في الصحف، ويذكر مثلاً أنه يشاهد القنوات الفضائية، ويحب استماع أغنية أم كلثوم مثلاً، ويسمع الموسيقى الهادئة في أوقات الإرهاق بعدما يتعب من التأليف والكتابة كما يقول بعضهم متبجحاً بذلك في الصحف، أو في القنوات التي تجرى له مقابلات فيها، فمثل هذا لا يكون عدلاً، وإنما فاسقاً ومجاهراً بفسقه، فهذا حقه أن يعزر لا أن يستفتى ويسأل ويتعرف على الأحكام الشرعية عن طريقه، فلا بد في المفتي أن يكون عدلاً.
3/ الكف عن الرخص، وعن التساهل فيما يجريه على نفسه، أو فيما يفتي به للعامة، فإنه إذا كان معروفاً بتتبع الرخص والتساهل والبحث عما يسوغ للناس، وعما يصلح لهم مما يجري على وفق أهوائهم فإن هذا لا يستحق بحال من الأحوال أن يستفتى، سواء كان تساهل هذا الإنسان في الفتيا عن طريق التساهل في معرفة الحكم فهو يبادر إلى الجواب دون نظر ولا تمهل ولا تمعن في المسألة، ودون الرجوع إلى الأدلة المعتبرة مثلاً فيها، فهو يبادر في الجواب لسبب أو لآخر، أو كان تساهله عن طريق تتبع الرخص.
يقول ابن الصلاح: (لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى، ومن عرف بذلك لم يجز أن يُستفتى، وذلك قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة، والإبطاء عجز ومنقصة، وذلك جهل، ولأن يُبطئ ولا يخطئ، أجمل من أن يعجل فيضلَّ ويُضل.. )
وقد جعل ابن السمعاني -رحمه الله- من شروط أهل الاجتهاد: الكف عن الترخيص والتساهل، ثم صنف المتساهلين نوعين:
1- أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر فهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز .
2 - أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول.
** أوضح بعض العلماء كابن الصلاح والنووي وابن القيم وغيرهم، أن من صح مقصده، واحتسب فـي تطلّب حيـلة لا شبهة فيها، ولا تجرّ إلى مفسدة للتخلّص –مثلاً- من ورطة يمين ونحوها، وهو ثقة، فذلك حســن جمــيل، وعليـه يحمـل ما جاء عن بعض السلف، كقول سفيان: (إن العلم عندنا الرٌّخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد( قال ابن الصلاح: (وهذا خارج على الشرط الذي ذكرناه، فلا يفرحن به من يفتي بالحيل الجارة إلى المفاسد).
** ينبغي أن يراعي في هذا الباب هو أن على العبد إذا اختلفت أمامه الأقوال أن يكثر من التضرع إلى الله -تبارك وتعالى-، ويكثر من سؤال ربه -جل وعلا- أن يهديه إلى الصواب، فيما اختلف فيه بإذنه، ويدعو هذا الدعاء الوارد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول: «(اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)» [مسلم]
وفي الصحاح قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ، لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ؟ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ: أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ)» .
** يندب المرء إلى التورع والاحتياط فلا يتعجل أو يميل إلى الأقوال التي توافق هواه، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(دَعْ مَا يَرِيبُكَ، إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَة) » [الترمذي وأحمد]
وكون الصدق طمأنينة، والكذب ريبة معناه: إذا وجدت نفسك ترتاب في الشيء فاتركه، فإن نفس المؤمن كما قال بعض العلماء: تطمئن إلى الصدق، وترتاب في الكذب، فارتيابك من الشيء منبئٌ عن كونه مظنة للباطل فاحذره، وطمأنينتك للشيء مشعر بحقيقته فتمسك به.
ويقول بعض أهل العلم في معنى الريبة هنا يقول: "هي قلق النفس واضطرابها، فإن كون الأمر مشكوكاً فيه مما تقلق له النفس، وكونه صحيحاً صادقاً مما تطمئن إليه النفس"
جاء في هذا المعنى أيضاً حديث وابصة بن معبد عند الإمام أحمد والدارمي والطبراني في الكبير بإسناد صحيح -إن شاء الله- قال: «أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (جئت تسأل عن البر والإثم؟) قلت: نعم، قال: (استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك)» .
يقول ابن رجب -رحمه الله-: "وأما ما ليس فيه نص من الله ولا رسوله ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان -يعني لا المؤمن الذي يتتبع الأهواء- المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين"
يقول يعني إذا وقع منه شيء وحاك في صدره في شبهة موجودة، ولم يجد من يفتي بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه ودينه، يقول: إذا ما وجدت أحد تثق في فتواه في هذه الحالة، وليس في المسألة دليل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من أقوال السلف
وفي قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(وإن أفتاك المفتون)» يقول ابن رجب: "يعني أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وأن أفتاه غيره أنه ليس بإثم
فما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وأن أفتاه غيره أنه ليس بإثم، فهذا مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكر عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضاً إثماً، وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه مما شُرح صدره للإيمان، وكان المفتي يفتي بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي، فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي فالواجب على المستفتي الرجوع إليه، وإن لم ينشرح له صدره، وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدر كثير من الجهال، فهذا لا عبره به"
// ويقول ابن عبد البر -رحمه الله-: "والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول منها، وذلك لا يعدم، فإذا استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا من الكتاب والسنة، فإذا لم يَبِن ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا بيقين، فإذا اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه جاز له ما يجوز للعامة من التقليد، واستعمل عند إفراط التشابه والتشاكل وقيام الأدلة على كل قول بما يعضده قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر)
المصادر
- التحذير من تتبع رخص الفقهاء الشيخ خالد السبت
- تتَبُّـعُ الرُّخَصِ الشيخ هشام السعيد
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: