تَعْجيلِ الْفِطْرِ

منذ 2024-03-30

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»  (أخرجه البخاري ومسلم).

سُنِّيَّةُ تَعْجيلِ الْفِطْرِ، وَبَيانُ الْحِكْمَةِ وَوَجْهُ الْخَيْرِيَّةِ فِي التَّعْجيلِ:

يُسْتَحَبُّ تَعْجيلُ الْفِطْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْغُروبِ، وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى هَذَا، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "تَعْجيلُ الْفِطْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْغُروبِ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفاقٍ"[1].

 

وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبابِ يَشْهَدُ لَهُ الْأحَادِيثُ الْمُتَكاثِرَةُ، مِنْهَا:

• حَديثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»[2].

 

• وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْنَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ، وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ، وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، قَالَتْ: أَيُّهُمَا الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: قُلْنَا: عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ- قَالَتْ: كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-»، (زَادَ أَبُو كُرَيْبٍ: وَالْآخَرُ أَبُو مُوسَى -رضي الله عنها-) [3].

 

• وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا»[4].

 

وَقَدْ كانَ الصَّحَابَةُ -رضي الله عنهم- يُسارِعونَ بِالْفِطْرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُروبِ؛ كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمون الْأَوْدِيِّ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا، وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا»[5].

 

وَأَمَّا الْحِكْمَةُ مِنِ اسْتِحْبابِ تَعْجيلِ الْفِطْرِ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: "قَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّمَا حَضَّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى تَعْجيلِ الْفِطْرِ؛ لِئَلَّا يُزادَ فِي النَّهارِ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ؛ فَيَكونُ ذَلِكَ زِيادَةٌ فِي فُروضِ اللهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ، وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الصِّيَامِ"[6].

 

وَمِنَ الْحِكْمَةِ أَيْضًا: "أَلَّا يَتَبَرَّمَ بِالصَّوْمِ، وَلَا أَنْ يَطولَ عَلَيْهِ زَمانُهُ، وَأَنْ يُعْطِيَ النَّفْسَ حَقَّهَا مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَكَسْرُ صُورَةِ الْجوعِ الَّذِي أَثارَهُ الصَّوْمُ"[7].

 

وَأَمَّا كَوْنُ النَّاسِ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ فَلِمَا "فِيهِ مِنْ إِظْهارِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي مُتابَعَتِهَا، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي مُخالَفَتِهَا، وَفِعْلُها كَالْعَلَمِ عَلَى صَلاحِ الدِّينِ وَالْأُمورِ كُلِّهَا، وَتَرْكُهَا كَالْعَلَمِ عَلَى فَسادِ الدِّينِ وَالْأُمورِ كُلِّهَا، حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ -رضي الله عنهم- كانوا إِذا خُذِلُوا فِي أَمْرٍ، فَتَّشُوا عَلَى مَا تَرَكُوا مِنَ السُّنَّةِ، فَإِذَا وَجَدُوهُ، عَلِمُوا أَنَّ الْخِذْلانَ إِنَّمَا وَقَعَ بِتَرْكِ تِلْكَ السُّنَّةِ، فَلَا يَزالُ أَمْرُ الْأُمَّةِ مُنْتَظِمًا، وَهُمْ بِخَيْرٍ مَا دَامُوا مُحَافِظينَ عَلَى سُنَّةِ تَعْجيلِ الْفِطْرِ، وَإِذَا أَخَّرُوهُ، كانَ عَلامَةً عَلَى فَسادٍ يَقَعونَ فِيهِ"[8].

 

وَلِأَنَّ "التَّعْجيلَ أَحْفَظُ لِلْقُوَّةِ، وَأَرْفَعُ لِلْمَشَقَّةِ، وَأَوْفَقُ لِلسُّنَّةِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْبِدْعَةِ، وَلِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّمانَيْنِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ"[9]، وَلِأَنَّ "فِيهِ مُخالَفَةَ أَهْلِ الْكِتابِ، وَكانَ مِمَّا يَتَدَيَّنونَ بِهِ: الْإِفْطارُ عِنْدَ اشْتِباكِ النُّجومِ، ثُمَّ صارَ فِي مِلَّتِنَا شِعارًا لِأَهْلِ الْبِدْعَةِ، وَسِمَةً لَهُمْ، وَهَذِهِ هِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي لَمْ يَرْضَهَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-"[10].

 

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "تَنْبيهٌ: مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ: مَا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمانِ مِنْ إِيقَاعِ الْأَذانِ الثَّانِي قَبْلَ الْفَجْرِ بِنَحْوِ ثُلُثِ ساعَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَإِطْفاءِ الْمَصابيحِ الَّتِي جُعِلَتْ عَلامَةً لِتَحْريمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى مَنْ يُريدُ الصِّيامَ، زَعْمًا مِمَّنْ أَحَدَثَهُ أُنَّهُ لِلِاحْتِياطِ فِي الْعِبادَةِ، وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ إِلَّا آحَادُ النَّاسِ، وَقَدْ جَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ صَارُوا لا يُؤَذِّنونَ إِلَّا بَعْدَ الْغُروبِ بِدَرَجَةٍ؛ لِتَمْكينِ الْوَقْتِ زَعَمُوا! فَأَخَّرُوا الْفِطْرَ، وَعَجَّلُوا السُّحورَ، وَخالَفُوا السُّنَّةَ، فَلِذَلِكَ قَلَّ عَنْهُمُ الْخَيْرُ، وَكَثيرٌ فِيهِمُ الشَّرُّ"[11].

____________________________________________
الكاتب: يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

 

[1] إحكام الأحكام (2/ 26).

[2] أخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098).

[3] أخرجه مسلم (1099).

[4] أخرجه أحمد (7241)، والترمذي (700)، وصححه ابن حبان (3507)، وحسنه النووي في المجموع (6/ 361).

[5] أخرجه عبد الرزاق (7591)، وصحح إسناده النووي في المجموع (6/ 362)، وابن حجر في الفتح (4/ 199).

[6] شرح البخاري، لابن بطال (4/ 104).

[7] الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 200).

[8] العدة، لابن العطار (2/ 883).

[9] المفهم، للقرطبي (3/ 157).

[10] الميسر، للتوربشتي (2/ 463).

[11] فتح الباري (4/ 199).

 

  • 0
  • 0
  • 34

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً