خطبة عيد الفطر المبارك 1445هـ
"نسأل الله العظيم ونحن في هذا اليوم المبارك أن ينصر أهل غزة على عدوِّهم، ويثبت إخواننا المرابطين في فلسطين.."
الله أكبر (تسعًا) لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبرُ عَدَدَ ما صامَ صائِمٌ وأفطَر، الله أكبرُ عَددَ ما ذَكرَ اللهَ ذاكِرٌ وكبَّر، الله أكبرُ عدَدَ ما حَمِدَ اللهَ حَامِدٌ وشَكر، الله أكبرُ ما سَطَع فجْرُ الإسلام وأسْفَر، الله أكبرُ ما أقبَلَ شهرُ الصيام وأدْبَر، الله أكبرُ ما فَرِحَ الصائم بتمام صِيامِه واستَبْشَر، الله أكبرُ عَدَدَ ما تابَ تائِبٌ واستَغْفَر، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، أما بعـد:
تقبَّل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير، نسأل الله تبارك وتعالى أن يهل هلال هذا العيد علينا وعلى المسلمين بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ويرضى، نسأل الله العظيم ونحن في هذا اليوم المبارك أن ينصر أهل غزة على عدوِّهم، ويثبت إخواننا المرابطين في فلسطين، اللهم أرِنا في اليهود يومًا أسود، فإنهم لا يعجزونك، اللهم يا رب زلزل الأرض تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وانصر مسرى حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعِدْه إلى رحاب المسلمين، وطَهِّره من اليهود الغاصبين، آمين يا رب العالمين.
أيها المسلمون، ونحن نعيش في صباح عيد الفطر المبارك، لي معكم أربع وقفات:
الوقفة الأولى: أيها الصائمون القائمون هنيئًا لكم مغفرة ربكم: يا من صمتم أيام شهر رمضان، وقمتم لياليه المباركة، واليوم تخرجون إلى صلاة عيدكم، أقول لكم: هنيئًا لكم مغفرة ربكم، فإن الله تبارك وتعالى في مثل هذه الساعة المباركة يباهي بعباده الصائمين لرمضان إيمانًا واحتسابًا، فيقول للملائكة: يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي صاموا أيام شهر رمضان، وقاموا لياليه، واليوم خرجوا إلى عيدهم، فما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا، جزاؤه أن توفيه أجره، فيقول الله تعالى: «أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم، وأني قد رضيت عنهم، فينادي منادٍ من قبل الله: يا أمة محمد، عودوا إلى منازلكم، فقد بُدلت سيئاتكم حسنات» [1].
الوقفة الثانية: يا من ودَّعت رمضان تذكَّر أنك ستودِّع الدنيا: تذكَّر أخي المسلم رحيلك من الدنيا برحيل رمضان، فكما أن رمضان أيام معدودات، فكذلك الدنيا أيام معدودات، فيا مَنْ عددت رمضان وودَّعته ستعد أيام الدنيا وستودعها! فقل لي بربِّك: إلى أين ستودع الدنيا؟ ستودع الدنيا من أجل أن تلقى الله تعالى، فاسأل نفسك: ماذا قَدَّمْتَ لله؟ هل هيَّأت نفسك للوقوف بين يدي الله للحساب؟
أنا واثق أن كل واحد منا لو وعد بلقاءٍ مع مسؤول أو صاحب منصب أو شيخ عشيرة له منزلته، أنه سيلقاه، والله لهيئ نفسه لهذا اللقاء، فيا مَنْ ستلقون ربكم، ماذا هَيَّأَتم للقاء الله تعالى؟
اسأل نفسك: هل أنت راضٍ عن نفسك في شهر رمضان؟ هل صمت وقمت رمضان إيمانًا واحتسابًا؟ هل سلوكك على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل أمِنَ جارك وزوجتك وأولادك من ظلمك؟ هل أطعت أُمَّك وأباك؟ هل أعطيت حقَّ إخوانك وأخواتك من الميراث؟ هل تصرُّفاتك مع الناس ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
اسأل نفسك فاللقاء سيكون مع الله، مع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اسأل نفسك: هل سيكون اللقاء مع الله لقاء سعادة وفرحة أم لقاء خيبة وندامة؟ هل سيفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقائك يوم القيامة؟ هل ستكون وجوهنا بيضاء يوم تبيَـضُّ وجوه وتسوَدُّ وجوه؟
فيا مَن ودَّعت رمضان، تَذَكَّر أنَّك ستودِّع الدُّنيا، فهل هيَّأت زادك لهذا السفر الطويل؟ هل ستبقى ثابتًا على طاعتك، ومحافظًا على صلاتك في المساجد، وعلى تلاوتك للقرآن، وعلى قيامك لصلاة الليل، وإنفاقك في سبيل الله، أم أنك ستودِّع هذه الطاعات بتوديعك لرمضان؟
الوقفة الثالثة: المفهوم الحقيقي لمعنى العيد: هذا أحد الصالحين واسمه وهب بن الورد (رحمه الله) رأى قومًا يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تُقُبِّل منهم صيامهم، فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يُتَقَبَّل منهم صيامهم، فما هذا فعل الخائفين"[2].
فإذا كان هذا الرجل الصالح رآهم يضحكون، والضحك مباحٌ فقال: هذا ليس من فعل الشاكرين، فماذا سيقول لمن يغتاب المسلمين في يوم العيد؟ وماذا سيقول لمن يرفض أن يصالح أخاه وأُمَّه وأباه في يوم العيد؟ وماذا سيقول لمن يعصي الله في يوم العيد؟ ماذا سيقول لمن يذهب إلى أماكن اللهو والفساد والرذيلة في يوم العيد؟
دخل رجل على أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه في صباح يوم عيد الفطر، فوجده يتناول خبزًا فيه خشونة، فقال: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخبز خشن! فقال عليٌّ رضي الله عنه: اليوم عيد مَن قُبِلَ صيامه وقيامه، عيد من غُفِرَ ذنبه، وشُكِرَ سعيُه، وقُبِل عَمَلُه، اليوم لنا عيد، وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد.
هذا هو المفهوم الحقيقي لمعنى العيد، فالعيد ليس أن نأكل ما لذَّ وما طاب، وليس أن نلبس أجمل الثياب، إنما العيد هو ألَّا نعصي الله عز وجل، العيد يوم أن نتخلَّق بأخلاق الإسلام، ونترجم ما قاله نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في تعاملنا، فهو القائل: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»[3]، وهو القائل: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ - أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[4].
هذا هو العيد الذي يريده منا الإسلام، فالمفهوم الحقيقي للعيد، ليس لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن ترجم أخلاق الإسلام في واقع حياته، إنما العيد لمن طاعته تزيد.
أسأل الله أن يجعل هذا العيد بشير خير وبركة على الأمة الإسلامية، وأن يجعله نذيرًا ووبالًا ووحسرةً على أعداء الإسلام، وأن ترفع عنا وعن جميع بلاد العالمين هذا الغلاء، والوباء، وسائر أنواع البلاء، عاجلًا غير آجل، آمين يا رب العالمين.
الخطبة الثانية
الله أكبر (سبعًا) لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
الوقفة الرابعة: الماضي لا يُذكر، والجزاء من جنس العمل!
روى الإمام الذهبيُّ (رحمه الله) في كتابه تاريخ الإسلام: أن مَسْعُود بْن مُحَمَّد الهَمذَانيّ [المتوفى: 597 هـ] كان رجُلًا يُحِبُّ العفو والصفح، وكان يُرغِّب به، ويدعو إليه، وإذا جاءه من يعتذِرُ منه، عفا عنه وقال له كلمة عظيمة اشتُهر بها، هذه الكلمة هي: (الماضي لا يُذكر!).
وعندما توفي مسعود (رحمه الله)، رُئِي في المنام، فقيل له: ما فعلَ الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: "يا مَسْعُود، الماضي لا يُذْكَر، انطلقوا به إلى الجنَّة"![5].
فيا من جئتم إلى صلاة العيد، من منكم يفعل كما كان يفعل مسعود؟ من منكم يتخلق بأخلاق مسعود ويكون شعاره في تعامله مع من أساء إليه، أو أخطأ في حقه، أن يقول له: (الماضي لا يُذْكَر)؟!
يا من جئتم لصلاة العيد، تذكروا أخلاق نبيِّكم صلى الله عليه وسلم الذي كان يعفو ويصفح عمن ظلمه، وترجموا وصيته التي قالها لسيدنا عُقْبَة بن عَامِرٍ رضي الله عنه: ((يَا عُقْبَة بْنَ عَامِرٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ))[6].
تقبَّل الله طاعاتكم وكل عام وأنتم بخير.
[1] شعب الإيمان للبيهقي: (5/ 278)، برقم (3695).
[2] لطائف المعارف، ابن رجب: (ص: 209).
[3] صحيح مسلم، كتاب الإيمان - بَابُ بَيَانِ تَفَاضُلِ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّ أُمُورِهِ أَفْضَل:(1/ 65)، برقم (41).
[4] صحيح مسلم، كتاب الإيمان- بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ: (1/ 67)، برقم (45).
[5] تاريخ الإسلام للذهبي: (42/ 327).
[6] أخرجه أحمد في مسنده: (28/ 654)، برقم (17452)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
__________________________________________________________
الكاتب: د. شريف فوزي سلطان
- التصنيف: