عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه

منذ 2024-04-18

هذه سيرة موجزة لأحد أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو عبدالرحمن بن عوف، لعل طلاب العلم الكرام يستفيدون مِن سيرته المباركة في حياتهم الدنيا، فأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:

 

الشيخ صلاح الدق

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ، وأصْحَابِهِ، والتَّابِعِيْنَ لَهُم بإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بَعْدُ:

هذه سيرة موجزة لأحد أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو عبدالرحمن بن عوف، لعل طلاب العلم الكرام يستفيدون مِن سيرته المباركة في حياتهم الدنيا، فأقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق:

النسب والميلاد:

اسمه: عبدالرحمن بن عبد عوف بن عبدالحارث بن زُهْرة بن كِلاب، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبدالرحمن.

 

روى البخاريُّ عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي (أهلي ومالي) بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو؛ (البخاري، حديث:2301).

 

أم عبدالرحمن بن عوف: الشِّفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زُهْرة بن كلاب، أَسْلَمتْ وهاجرت إلى المدينة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 92).

 

وُلِدَ عبدالرحمن بن عوف بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 92).

 

صفة ابن عوف الجسمية:

كان عبدالرحمن بن عوف أبيض مُشْرَبًا بحُمْرَة، حَسَنَ الوجه، رقيق البشرة، أعين (واسع العينين) أهدب الأشفار (طويل شعر الأجفان) أقنى (طويل الأنف، دقيق الأرنبة، مع حدب في وسط الأنف) له جُمة (شعر الرأس الذي يسقط على المنكبين) ضخم الكفين، غليظ الأصابع، لا يغير لحيته ولا رأسه؛ (أسد الغابة لابن الأثير، جـ 3، صـ 380).

 

أسرة ابن عوف:

رزق اللهُ عبدالرحمن بن عوف بعَددٍ كبيرٍ من الأولاد: من الذكور: عشرون، ومن الإناث: ثماني؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 95:94).

 

إسلامه:

أَسَلَمَ عبدالرحمن بن عوف على يد أبي بكر الصديق، وكان أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 92).

 

هجرته:

هاجر عبدالرحمن بن عوف إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعًا، ثم هاجر إلى المدينة، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 92).

 

روى البخاريُّ عَنْ إبراهيمَ بنِ عَبْدالرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ: «آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ، قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُالرَّحْمَنِ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُالرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَزَوَّجْتَ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "وَمَنْ؟" قَالَ: امْرَأَةً مِن الْأَنْصَارِ، قَالَ: "كَمْ سُقْتَ؟" قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» "؛ (البخاري، حديث: 2048).

 

أحاديث ابن عوف:

روى عبدالرحمن بن عوف خمسةً وستينَ حديثًا، له في "الصحيحين" حديثان، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث.

روى عنه من الصحابة ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وجُبير بن مُطعم، وجابر بن عبدالله، والمسور بن مخرمة، وعبدالله بن عامر بن ربيعة، وروى عنه أيضًا عدد من التابعين؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 69:68).

 

(1) روى البخاريُّ عن مُصْعَب بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ «: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» ؛ (البخاري، حديث: 3157:3156).

 

(2) روى أحمدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: « يَا غُلَامُ، هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ مَاذَا يَصْنَعُ؟ قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ: فِيمَ أَنْتُمَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: سَأَلْتُ هَذَا الْغُلَامَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ مَاذَا يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ ثِنْتَيْنِ، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْجُد إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ سَجْدَتَيْنِ» ؛ (حديث حسن لغيره) (مسند أحمد، جـ3، صـ194، حديث1656).

 

جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم:

(1) شهد عبدالرحمن بن عوف بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت يومَ أُحدٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين فَرَّ الناس وأصيب يوم أحد فهتم (انكسرت ثناياه من أصلها) وجرح عشرين جراحة أو أكثر، أصابه بعضها في رجله فعرج؛ (الطبقات لابن سعد، جـ3، صـ 95) (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ 350).

 

(2) روى ابنُ سعدٍ عن عطاء بن أبي رباح عن عبدالله بن عمر قال: « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن عوف في سبعمائة إلى دُومة الجندل (اسم مكان) وذلك في شعبان سنة ست من الهجرة فَنَقَضَ عمامته بيده، ثم عَمَّمَه بعمامة سوداء فأرخى بين كتفيه منها فَقدِمَ دومة الجندل، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا (رفضوا) ثلاثًا، ثم أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانيًّا، وكان رأسهم، فبعث عبدالرحمن، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكتب إليه أن تزوج تماضر بنت الأصبغ، فتزوجها عبدالرحمن، وبنى بها، وأقبل بها وهي أم أبي سلمة بن عبدالرحمن» ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ7، صـ96).

 

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف ابن عوف:

روى مسلمٌ عَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ: "أَمَعَكَ مَاءٌ؟" فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ وَقَدْ قَامُوا فِي الصَّلَاةِ يُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا» ؛ (مسلم، كتاب الطهارة، حديث: 81).

 

ابن عوف أحد المبشرين بالجنة:

روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدٌ (ابن أبي وقاص) فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ (ابن زيد) فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ» ؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2946).

 

عبدالرحمن بن عوف هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد أصحاب الشورى الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم، وهو أحد الثلاثة الذين انتهى إليهم اختيار الخليفة منهم، وهو الذي اجتهد في تقديم عثمان بن عفان رضي الله عنه للخلافة؛ (البداية والنهاية لابن كثير، جـ 7، صـ 170).

 

قال الإمام الذهبي (رحمه الله): من أفضل أعمال عبدالرحمن بن عوف عَزْله نفسه من الأمر (الخلافة) وقت الشورى، واختياره للأمة مَن أشار به أهل الحَلِّ والعَقْدِ، فنهض في ذلك أتم نهوض على جَمْع الأمة على عثمان، ولو كان محابيًا فيها، لأخذها لنفسه، أو لولَّاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه: سعد بن أبي وقاص؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 86).

 

وفاء ابن عوف للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته:

روى أحمدُ عَنْ أُمِّ بَكْرٍ بنت المسْوَر بن مَخْرَمَة « أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بَاعَ أَرْضًا لَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَسَمَهُ فِي فُقَرَاءِ بَنِي زُهْرَةَ، وَفِي ذِي الْحَاجَةِ مِنْ النَّاسِ، وَفِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ بِنَصِيبِهَا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: مَنْ أَرْسَلَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحِنُّ عَلَيْكُمْ بَعْدِي إِلَّا الصَّابِرُونَ، سَقَى اللَّهُ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ» "؛ (حديث حسن) (مسند أحمد، جـ 41، صـ 484، حديث 23883).

 

روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَوْصَى بِحَدِيقَةٍ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِيعَتْ بِأَرْبَعِ مِائَةِ أَلْفٍ؛ (حديث حسن) (صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث 2949).

 

إمارة ابن عوف على الحج في خلافة عمر:

قال ابنُ سعد: لما اسْتُخْلِفَ عمر بن الخطاب سنة ثلاث عشرة بعث تلك السنة على الحج عبدالرحمن بن عوف، فحَجَّ بالناس، وحَجَّ مع عمر أيضًا آخر حجة حجها عمر سنة ثلاث وعشرين، وأذن عمر تلك السنة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فَحُمِلْنَ في الهوادج، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف، فكان عثمان يسير على راحلته أمامهن فلا يدع أحدًا يدنو منهن، وكان عبدالرحمن بن عوف يسير من ورائهن على راحلته فلا يدع أحدًا يدنو منهن، وينزلن مع عمر كل منزل، فكان عثمان وعبدالرحمن ينزلان بهن في الشِّعاب فيُقْبلانهن (يُوَصِلُّونهن) الشِّعاب، وينزلان هما في أول الشِّعب فلا يتركان أحدًا يمر عليهن، فلما استُخلف عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين بعث تلك السنة على الحج عبدالرحمن بن عوف فحَجَّ بالناس؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 99).

 

حرص ابن عوف على الخير:

(1) روى البخاريُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدالرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: «قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ، وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ» ؛ (البخاري، حديث: 1275).

 

(2) روى أحمدُ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: «دَخَلَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، بِعْتُ أَرْضًا لِي بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَتْ: أَنْفِقْ يَا بُنَيَّ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَتَاهَا، فَقَالَ: بِاللَّهِ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَنْ أُبَرِّئَ أَحَدًا بَعْدَكَ» ؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ 44، صـ 290، حديث 26694).

 

(3) قال نوفل بن إياس الهذلي: «كان عبدالرحمن بن عوف لنا جليسًا، وكان نعم الجليس، وأنه انقلب بنا ذات يوم حتى إذا دخلنا بيته ودخل، فاغتسل ثم خرج فجلس معنا وأتانا بجفنة (وعاء) فيها خبز ولحم فلما وُضِعت بكى عبدالرحمن، فقلت: يا أبا محمد، ما يبكيك؟ فقال: فارق رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ولم يشبع هو ولا أهل بيته من خبز الشعير» ؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ100:99).

 

كان عبدالرحمن بن عوف من أغنياء المسلمين الذين يشكرون الله تعالى على نِعمه الكثيرة، وذلك ببذل الكثير من ماله في سبيل الله تعالى.

 

(1) روى أبو نعيم عن الزُّهْري قال: «تصدَّق عبدالرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف، ثم تصدَّق بأربعين ألف، ثم تصدَّق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة» ؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 99).

 

الدينار: يُعادل أربعة جرامات وربع من الذهب الخالص.

 

(2) روى ابنُ جرير الطبريُّ عن قتادة قال: تصدَّق عبدالرحمن بن عوف بشطر ماله، وكان ماله ثمانية آلاف دينار، فتصدَّق بأربعة آلاف دينار، فقال ناس من المنافقين: إن عبدالرحمن بن عوف لعظيم الرياء! فقال الله: { ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ } [التوبة: 79]؛ (تفسير الطبري، جـ 14، صـ 385).

 

(3) قال جعفر بن بُرقان: بلغني أن عبدالرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 99).

 

منزلة ابن عوف عند السلف:

(1) قال إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف: كنا نسير مع عثمان بن عفان في طريق مكة، إذ رأى عبدالرحمن بن عوف، فقال عثمان: ما يستطيع أحدٌ أن يتعدَّى على هذا الشيخ فضلًا في الهجرتين جميعًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 75).

 

(2) قال إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف: سمعتُ عليَّ بن أبي طالب يقول- يوم مات عبدالرحمن بن عوف-: اذهب يا بن عوف، فقد أدركت صفوها، وسبقت رَنْقَهَا (كدرها)؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ100).

 

(3) قال سعيد بن المسيب: كان بين طلحة بن عبدالله وابن عوف تباعُد (خلاف بينهما) فمرض طلحة، فجاء عبدالرحمن يعوده، فقال طلحة: أنت والله يا أخي خيرٌ مني، قال: لا تقل يا أخي، قال: بلى والله؛ لأنك لو مرضت ما عُدتك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 88).

 

(4) قال سعد بن الحسن: كان عبدالرحمن بن عوف لا يُعرَف من بين عبيده؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 89).

 

وصية ابن عوف قبل وفاته:

قال عُروة بن الزبير: أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله؛ (أسد الغابة لابن الأثير، جـ 3، صـ 379).

 

وقال الزهري: أوصى عبدالرحمن لمن بقي ممَّن شهد بَدْرًا لكل رجل أربعمائة دينار، وكانوا مائة فأخذوها وأخذها عثمان بن عفان فيمن أخذ، وأوصى بألف فرس في سبيل الله؛ (أسد الغابة لابن الأثير، جـ 3، صـ 379).

 

ميراث ابن عوف عند وفاته:

تَرَكَ عبدالرحمن بن عوف عند وفاته ذَهَبًا قُطِّعَ بالفؤوس حتى مَجَلت أيدي الرجال (ظهرت فيها الجروح) منه، وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة مِن ثُمُنها بثمانين ألفًا؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ101).

 

وقال عثمان بن الشريد: ترك عبدالرحمن بن عوف ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة بالبقيع، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف (اسم مكان) على عشرين ناضحًا (بعيرًا)، وكان يُدخِل قوت أهله من ذلك سَنة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ3، صـ 101).

 

تُوفِّي الصحابي الكريم عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، ودُفِن بالبقيع، وعاش خمسًا وسبعين سنة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 1، صـ 89).

 

ختامًا:

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْـحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرام، وأرجو من كُلِّ قارئ كريم أن يدعوَ اللهَ سُبحانه لي بالإخلاصِ والتوفيقِ والثباتِ على الحق، وَحُسْنِ الخاتمة، فإن دعوةَ المسلمِ لأخيه المسلمِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتجَابةٌ، وأختِمُ بقولِ الله تعالى: {﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾} [الحشر: 10].

 

وآخرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نبيِّنا مُـحَمَّدٍ وَآلهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَـهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

  • 2
  • 0
  • 121

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً