آثار مواسم الطاعات
تأتي مواسم الخيرات للنفس المؤمنة لتعيد اكتشاف الخير فيها وتناديها لتنفق وتصوم وتحج وتكبر فكم من صائم لله في عرفة، وكم من موفق وقف عشية عرفة في عرفة، وكم في يوم النحر ذبح من هدى وأضحية.
تدور بنا الأيام وتشغلنا الدنيا بتفصيلاتها وتعقيداتها، فالكل منهمك في همه وكدحه وشغل يومه، فتأتي مواسم الخيرات لتنفض عن المؤمن غبار النسيان والغفلة، وتذكره بيوم معادة ليستعد ويعمل.
تأتي مواسم الخيرات للنفس المؤمنة لتعيد اكتشاف الخير فيها وتناديها لتنفق وتصوم وتحج وتكبر فكم من صائم لله في عرفة، وكم من موفق وقف عشية عرفة في عرفة، وكم في يوم النحر ذبح من هدى وأضحية.
نتذكر أمجاد الأوائل الصالجين فتشرئب النفوس وتتطلع الآمال، وترتفع الهمم لتلحق بركبهم. قال تعالى: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14].
تأتي مواسم الخيرات لتخاطب كل واحد منا على حده ما حالك في الأيام العظيمة هل حضرت هذه الأيام ولم تأبه بها، أو كان عملك أقل من ينبغي هنا يجب أن تقف لتعدل المسار فالفرص الماضية وإن كانت غالية لكن تب إلى الله وأنب وتقرب وانظر وارفع الأكف ضارعة لربك أن يلهمك رشدك فتفوز مع الفائزين فما زلنا في زمن المهلة والسعيد من أخذ العظة بها وحاسب نفسه وصحح مساره وأعلم أن من طلب الهداية بصدق وفقه الله لها. ففي الحديث: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم».
يا أخي من يردد في صلاته اهدنا الصراط المستقيم: حري أن يوفق للهداية والاستقامة فاطلبها بقلب حاضر وسل ربك فالله قريب ممن دعاه.
عبد الله إن وفقت للخير والعمل الصالح فالهج بالحمد والثناء لربك فهو الموفق واحمده أن اختارك وقربك، وحذار حذار أن تغتر بعملك فالتوفيق للطاعة وحبها نعمة متجددة تستوجب شكراً ولو لم يكن من بركة الشكر والحمد إلا كثرة الداعون لك يقول الفضيل بن عياض رحمه الله من أكثر من قول الحمد لله كثر الداعون له قيل له ومن أين قلت هذا قال لأن كل من يصلي يقول سمع الله لمن حمده، آ. ه أي استجاب الله لمن حمده.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: لو رزق العبد الدنيا وما فيها ثم قال الحمد لله لكان إلهام الله له بالحمد أعظم من إعطائه له الدنيا، لأن نعيم الدنيا يزول وثواب الحمد يبقى.
يا من أدركت مواسم الخيرات وقدمت فيها ما قدمت سل الله قبولها اقتداء بسنة الخليل إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [البقرة:127].
عباد الله يا كل موفق للعمل في العشر المباركات ويا حجاج بيت الله الحرام يا من وقفتم المواقف العظيمة وبسطتم الأكف متضرعة إليه يا كل من تجرد لربه بالعبودية والذلة والمسكنة أبشروا وأملوا.
عبد الله، لقد دعوت رباً عظيماً براً رحيماً، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا فضل أن يعطيه، فأحسن ظنك بربك وبالغ في الإحسان فإن ربك عند ظنك، وعطاء الله أعظم من أملك، وجوده أوسع من مسألتك لقد دعوت ربك الذي يفرح لتوبتك قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشُّورى:25].
فيا عبد الله الموفق ليلهج لسانك بحمد الله وذكره وشكره وكن عند حسن العهد ولا تكن كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا فحافظ على عملك، وافتح صفحة مليئة بالخير والاجتهاد في الطاعات في حياتك، واصدق مع الله يصدقك الله وراقب الله في أمورك تنل معيته وحفظه وتأييده واستأنف عملك واستحضر نيتك في كل عمل تعمل فالطاعات تنقلب إلى عبادات بالنية الصالحة.
وإن نازعتك النفس للعصيان فعالجها بالتوبة وطلب الغفران.
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201].
فالتوبة وتجديدها وظيفة عمرك حتى تلقى بك.
بعد مواسم الخيرات احذر من داء عظيم ومدخل للشيطان كبير هو العجب بالعمل واعلم أن من علامة قبول الحسنة اتباعها بأخرى وهذا محض فضل من الله ليستوجب شكرا أكبر وأعظم الشكر أن تعترف بأنك عاجز عن شكر الله تبارك وتعالى، قال تعالى {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
فلا تمن على الله ولا تدل بعملك فلله المنه والحمد والشكر والثناء قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].
ومن دواعي الأمر بالاستغفار بعد ذكر أعمال الحج العظيمة طرد العجب بالعمل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199].
وبعد مواسم الخيرات والتوفيق للعمل الصالح فيها يشرع للعبد أن يفرح بفضل الله عليه وتوفيقه {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
وبعد نهاية أعمال الحج يؤمر الحجاج بالتقوى يقول ابن عاشور عند قوله الله تعالى {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة:203].
جعل الله الأمر بالتقوى وصيته الجامعة للراجعين من الحج أن يراقبوا تقوى الله في سائر أحوالهم وأماكنهم، ولا يجعلوا تقواه خاصة بالحج كما كانت تفعله الجاهلية.
بعد مواسم الخيرات يوجه الله عباده لكثرة ذكره قال تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة:200] يقول ابن رجب وفي الأمر بالذكر بعد انقضاء النسك معنى وهو أن سائر العبادات تنقضي ويفرغ منها، وذكر الله باق ولا يفرغ منه بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا والآخرة فالأعمال كلها يفرغ منها والتي لا فراغ منها الذكر.
مواسم الخيرات وإدراكها يعيد لك ترتيب أولوياتك فالفرائض أحب ما تقرب العبد به إلى ربه ثم عليك بعد ذلك بأمهات النوافل كالوتر وسنة الفجر وسائر السنن الرواتب ثم اكلف من العمل ما تطيق وتخير من النوافل أحبها إلى قلبك ثم خذ في اعتبارك شرف الزمان فالأعمال والأحوال تتفاوت فهناك أوقات إجابة الدعاء كأخر ساعة من الجمعة وبين الآذان والإقامة وفي الثلث الاخير الليل فناج فيها ربك بث له شكوك ولا تستعظم طلب شيء فالله لا يتعاظمه شيء سل الله من خيري الدنيا والآخرة سل الله قلبا مقبلا عليه معظما له، ولا تنس أن تعود نفسك على إظهار ضعفك لربك فهو حال يحب الله أن يراها منك، واجعل لنفسك ساعة تخلوا بها بربك وخبيئة عمل بينك وبينه وسر عظيم لا يعلمه إلا الله يكون قرة لعينك عند لقاء ربك قال تعالى {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطًّارق:9] وحذار من الانشغال بالناس فلا تدري من الأقرب عند الله ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلامه المرء تركه ما لا يعنيه.
عبد الله: كل شخص يعمل يرجو قبول عمله ومن علامات العبادة المقبولة أن تزيد صاحبها من الله خشية لا تغره ولا تؤمنه قال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60].
المهم ما يحدثه العمل لك في مستقبلك.
عبد الله: لا تنظر إلى الماضي إلا بقدر ما تصلح به المستقبل إن كان خيرا تشكر وتزداد فالخير والنعمة تستوجب شكرا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].
وإن كان ما مضى شر تستغفر وتتوب فالله يقول: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:70]. اللهم اجعلنا معظمين لأمرك مؤتمرين به واجعلنا معظمين لما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
___________________________________________________
الكاتب: الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
- التصنيف: