وقفات مع محاسبة النفس في بداية العام

منذ ساعتين

ما أحوجنا في بداية هذا العام أن نُقبل على الله؛ لنعترف بتقصيرنا بين يديه، فرصة لنعرض حوائجنا له سبحانه، فهو أرحم بنا من الوالدة بولدها.

الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا، وقدَّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، ومنه المبتدأ وإليه المنتهى والمآب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من تعبد لله وأناب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب.

 

أيها المسلمون الموحدون؛ ما أحوجنا أن نقف مع أنفسنا وقفات في بداية العام لمحاسبتها عن كل تقصير، حتى يخفف عنا ربُّنا ما نحن فيه من البلاء والمصائب، وحتى نسعد ذلك اليوم؛ رُوي أن الحسن البصري رحمه الله يقول: (ما من يوم ينشق فجرُه إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة).

 

دنياك مدرسة والكل مُنتســــب   **   يا حظ من قال فيها ربـــــــــي الله 

دنياك مدرسة والكل مُمتَحــــن   **   طوبى لمجتهد قد وفَّــــــــــــق الله 

دنياك مدرسة طلابها رُتــــــــب   **   فاحرص على رتبة يرضى بهــا الله 

دنياك مدرسة تبدو نتائجهــــــا   **   لا ظلم فيها لأن الحاكــــــــــــم الله 

دنياك مدرسة والوحي منهجها   **   أستاذها المصطفى عنوانُهـــــــا الله 

 

قال الفضيل بن عياض: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب، خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عن السؤال جوابه وحسُن منقلبُه ومآبه، ومن لم يُحاسب نفسه دامت حسراتُه، وطالت في عرصات القيامة وقفاتُه، وقادته إلى الخزي والمقتِ سيئاتُه، وأكيسُ الناس من دان نفسه وحاسَبها وعاتبها، وعمِل لِما بعد الموت، واشتغل بعيوبه وإصلاحها.

 

ينبغي للمسلم أن يكون شعاره شعار الفاروق عمر: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا...

 

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبادر بالأعمال قبل أن يفاجئنا هذا اليوم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» ؟؛ الترمذي في سننه؟

 

قال ميمون بن مهران: لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبته لشريكه.

 

فمن أراد أن يكون من أولياء الله المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فليتخلق بخلق المحاسبة.

 

عباد الله، ينبغي للعاقل أن يكون له في يوم ساعة يحاسب فيها نفسه كما يحاسب الشريك شريكه في شؤون الدنيا، فكيف لا يحاسب الإنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الأبد؟! نسأل الله أن يجعلنا من الأبرار والسعداء.

 

كان داود الطائي يحاسب نفسه قائلًا: يا داود من خاف الوعيد قصُر عليه البعيد، ومن طال أمله قصر عمره، وكل ما هو آت قريب، واعلم يا داود أن كل شيء يشغلك عن ربك، فهو عليك مشؤوم، وأعلم يا داود أن أهل الدنيا جميعًا من أهل القبور، إنما يفرحون بما يقدمون ويحزنون بما يقصِّرون.

 

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: 53 - 56].

 

معاشر المسلمين الموحدين؛ ما أحوجنا لنقف مع أنفسنا وقفات جادة صادقة، ما أحوجنا في بداية هذا العام أن نُقبل على الله؛ لنعترف بتقصيرنا بين يديه، فرصة لنعرض حوائجنا له سبحانه، فهو أرحم بنا من الوالدة بولدها.

 

فمن منا لم يُذنب؟ ومن منَّا لم تقع عينه فيما حرَّم الله؟ ومن منا لم يعُق والديه؟ ومن منا لم يقع في مستنقع الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء؟ ليس العيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نستمر في الخطأ دون محاسبة ورجوع صادقٍ إلى الله سبحانه وتعالى.

 

أيها المؤمنون، هل هناك أرحم من الله؟! هل هناك أكرم من الله؟! لا وألف لا، إذًا فهيَّا نمشي سويًّا إلى الأمام، فهيا بنا جميعًا نُقبل إليه سبحانه، فمهما بلغت الذنوب، فالله سبحانه يبدلها حسنات إذا صدَقناه في التوبة وفي محاسبة أنفسنا.

 

وهذا رجل آخر يحاسب نفسه حسابَ الشريك لشريكة، فيقول:

وا حسرتي وا شقوتي من يوم نشر كتابيه   **   وا طول حزني إن أكن أُوتيته بشماليــــه 

وإذا سُئلت عن الخطأ ماذا يكون جوابيـه   **   واحر قلبي إن يكون مع القلوب القاسيــة 

كلا ولا قدَّمت لي عملًا ليوم حسابيـــــــه   **   بل إنني لشقاوتي وقساوتي وعذابيـــــــه 

بارزت بالزلات في أيام دهر خالية مــــن   **   ليس يخفى عنه مِن قُبح المعاصي خافية 

أستغفر الله العظيم وتُبت من أفعاليــــه   **    فعسى الإله يجود لي بالعفو ثم العافيـــة 

 

إنه حس مرهوف، إنه اعتراف بالذنوب والمعاصي..

 

قال بعض الحكماء لابنه: يا بني، لا تشغل قلبك من الدنيا إلا بقدر ما تحقِّقه من عمرك، ولتكن جرأتك على المعاصي بقدر صبرك على النار، وإذا أردت أن تعص الله فانظر موضعًا لا يراك الله فيه، وانظر إلى نفسك فإن كانت عزيزة فلا تذلها، وإن كانت ذليلة فلا تزدها إلى ذلها ذلًّا.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه....

__________________________________________________
الكاتب: ياسر عبدالله محمد الحوري

  • 0
  • 0
  • 34

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً