إيضاحاتٌ لإشكالاتٍ حوْلَ صَوْمِ يَومِ عاشوراءَ

منذ 2024-07-13

إنَّ للصِّيام في شهر الله المُحرَّم مزيَّةً وفضلاً كبيرًا، جاء بيانُه في خبر الصَّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر عنه بقوله:  «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»

الحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّد الأوَّلينَ والآخِرينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ، وصحابته الغُرِّ المَيَامينَ، والتَّابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين.

أمَّا بعدُ؛ فإنَّ دلائلَ سَعَةِ رحمةِ الرَّبِّ بعبادِه، وعلائِمَ إرادَتِه الخَيرَ بهم، وعموم فضله عليهم، وكريم إحسانه إليهم، لتبدو واضحةً جَليَّةً في تنوُّع أبواب الخير، التي دلَّهم عليها، وفي تعدُّد طرق البِرِّ والهداية التي أرشدهم ووجَّه أنظارهم إليها، بما أنزل عليهم من البيِّنات والهُدى في محكم كتابه، وبما بيَّنه لهم النبيُّ المُصطفى والحبيب المجتبى والرسول المرتضى صلى الله عليه وسلم في صحيح سُنَّته وما ثبت به النَّقل من حديثه عليه الصلاة والسلام ؛ حتَّى أضحتْ أبوابُ الخيرِ لا حُدودَ لها، ولا مُنتهى تنتهي إليه، ولا مُسْتَبَقَ تقتصِر عليه.

وإنَّ منْ أعظمِ أبواب الخير، وأرجاها، ومن أحْفَل طُرُق البِرِّ والهداية وأحظاها برضا الربِّ الكريم سُبحانه، والظَّفَرِ بحُسن ثوابه، وجميل عطائه: الصِّيامَ الذي تُروَّضُ به النَّفسُ على كَبح جماحها، والتَّجافي بها عن التَّردِّي في وَهْدةِ الشَّهَوات المُحرَّمة، والخطايا الموبقة، وتسمو به إلى بلوغ الكمالاتِ الرُّوحيَّة، والمقامات العليَّة، وتتبوَّأ به أشرفَ المنازل، في الدَّار الآخرة، دار الخُلد ودار المتَّقين.

وإنَّ للصِّيام في شهر الله المُحرَّم مزيَّةً وفضلاً كبيرًا، جاء بيانُه في خبر الصَّادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر عنه بقوله:  «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» [1].

والصَّومُ حينَ يقعُ في شهرٍ حرامٍ؛ فإنَّ الفضلَ يقترنُ فيه بالفضل؛ فيتأكَّدُ بشرفه في ذاته، ويتأكَّد بشرف زمانه.

ولقدْ كانَ آكدُ الصِّيامِ في هذا الشَّهر: صومَ يوم عاشوراء، ذلك اليومُ من أيَّام الله التي جَعل لها سبحانه وتعالى من الفضل وعِظم الثَّواب ما ثبت في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه([2])، بسنده عن أبي قَتادةَ رضي الله عنه أنَّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراءَ، فقال:  «إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ».

وأخبر ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن شدَّة عناية النبي صلى الله عليه وسلم وكمال حرصه على صوم هذا اليوم؛ رجاءَ إدراك فضله، واحتساب عظيم أجره، فقال: «مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ يَوْمًا يطلبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ -يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ- وَلَا شَهْرًا إِلَّا هَذَا الشَّهْرَ-يَعْنِي رَمَضَانَ»([3]).

وممَّا يدلُّ أعظمَ دلالةٍ على كمال اهتمام الصَّحابة الكرامِ رضي الله عنهم بصوم هذا اليوم؛ رجاءَ فضله، وأملا في الظَّفَر بحسن الموعود فيه: ما كانوا يصنعون بصِبْيَانِهمْ الصِّغارِ فيه؛ حيثُ أخبرتْ بذلك الرُّبيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها فقالتْ:

«أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداةَ عاشوراءَ إلى قُرى الأنصارِ التي حولَ المدينة:

«مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا؛ فَلْيُتِمَّ صَوْمَه، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا؛ فَلْيُتِمَّ بَقيَّةَ يَوْمِهِ». قالت: فكنَّا بعد ذلك نَصُومه ونُصَوِّمُ صِبْيَاننا الصِّغَارَ منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللُّعبةَ من العِهْن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إيَّاها حتَّى يكون عند الإفطار»([4]).

هذا، ولقد أورد فريقٌ من الناس طائفةً من الإشكالاتِ المتعلِّقةِ بصوم هذا اليوم، وهي إشكالاتٌ قديمةٌ متجدِّدةٌ، تتكرَّر كلَّما أظلَّ النَّاسَ هذا اليومُ ونزلَ بساحتهم.

وجملة هذه الإشكالات سبعةٌ: 

 الأوَّلُ: تعارض التواريخ، وذلك أنَّ الروايات الصحيحة تنبئ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَدِم المدينة في هجرته إليها في شهر ربيع الأول، وظواهرُ أحاديث عاشوراء تنبئ أنَّه رأى اليهود يصومون عاشوراء أوَّل قدومه إليها، وليس ذلك في المحرَّم!

الثَّاني: أنَّ صيام يوم عاشوراء عادةٌ قُرشيَّةٌ جاهليَّةٌ وافقهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها، فلا خَصِيصَةَ لنا بصيامه.

الثَّالثُ: أنَّ صيامَ عاشوراءَ شريعةٌ يهوديَّةٌ، تلقَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنهم، فكيف يجوز أن يثبُت شرعُنا بمجرَّد فعل اليهود؟

الرَّابعُ: أنَّ صيام يوم عاشوراء كان مشروعًا قبل رمضان؛ ثم نُسِخَ صيامُه بعد فرض شهر رمضان.

الخامسُ: أنَّ أحاديث عاشوراء تُنبئ عن إلزام الصِّبيان بصومه، وهذا يوهم تكليفَهم، وهم-بالإجماع- غيرُ مكلَّفين.

السَّادسُ: أنَّ أحاديث صيام التَّاسع متعارضةٌ؛ إذ يدل شيء منها على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع، ويدل شيء آخر منها على أنه اعتزم أن يصوم التَّاسع قبل وفاته؛ فحضر أجله قبل ذلك.

السَّابعُ: أنَّ هناك اضطرابًا في تحديد يوم عاشوراء: هل هو اليوم التَّاسع أو العاشر من المحرم، ولو كان سُنَّةً مشهورةً، لما جاز فيها مثل هذا الاختلاف.

ولذا؛ رأيتُ لزامًا عليَّ أنْ أذكرَ في هذه الرسالة الموجزةَ جُملةَ هذه الإشكالاتِ التي استشكلها هذا الفريق مُعقِّبًا عليها بما ينقضُها إن شاء الله تعالى، وبما يُسفر عن وجه الحقِّ فيها، ويدلُّ على الصواب الذي غاب علمُه عن كثير من الخائضين، واللهُ المسؤول أن يوفق إلى ذلك، إنه أكرم مسؤول.

 

لقراءة نصِّ الكتاب كاملاً (pdf)

لقراءة مُلخَّص الكتاب (ورقة واحدة)

 

-----------------------------------

([1]) أخرجه مسلم في صحيحه ( 1163) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([2]) صحيح مسلم (1162).

([3]) أخرجه البخاري (2006) ومسلم (1132) اللفظ له  رحمه الله.

([4]) أخرجه البخاري (1960) ومسلم (1136) واللفظ له رحمه الله.

____________________________________________________________

الكاتب: الشيخ الدكتور/ أسامة بن عبدالله خيَّاط

  • 0
  • 0
  • 139

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً