الإسلام يجمع بين المثالية والواقعية

منذ 2024-08-22

ومثالية الإسلام تحثُّ على القيم العليا، وتدعو إلى الأفضل والأكمل والتنافس في مجالات الخير، وبذل أقصى المستطاع لنيل أعلى الدرجات.

ليس في الإسلام تلك المثالية الخيالية التي لا وجود لها إلا في عالم الأحلام، مثل التي أنشأها أفلاطون في المدينة الفاضلة، والتي هي بعيدة كل البعد عن واقع الإنسان وما رُكِّب فيه من غرائز ونزعات، وما يعتريه من نقص وقصور.

 

كما أنه لـيس في الإسلام تلـك الواقعية التي تعني الرضا بـالواقع أيًّا كان وضعه أو صورته، أو أن تُطَوِّع الإسلام ومبادئه لتوافق الحياة على أي لون، أو لتساير الواقع على أي شكل، أو لترضي بأوضاعهم المختلَّة وتقاليدهم المعوجَّة، وإنما جاءت لتلغـي كل أشكال الجاهلية ونُظمها، ولتنشئ من ذات نفسها نظامًا خاصًّا بها، يتوافق مع الإنسان على اختلاف قدراته.

 

فالإسلام يقف وسطًا، فهو يأخذ من المثالية، ما تستوعبه من المثل العليا، ويأخذ من الواقعية، ما تتضمنه من حزم وعدل وعزم، ولنضرب لذلك مثالًا: النفس البشرية جُبِلتْ على نزعتي الرضا والغضب، وطُبعت على غريزتي الحب والكراهية، والعفو والقصاص، والمثالية تأبى إلا أن تطبع النفس- فحسب- بطابع الرضا والحب والعفو، وهذه هي المثالية الخيالية التي لا طاقة للنفس البشرية بها.

 

فإذا كنا نرضى في كل حال، فلا بد أن نتخلى عن الرجولة والنخوة، وقد كان الرسول صلوات الله عليه يغضب إذا انُتهكت محارم الله.

 

وإذا كنا نحب فـي كل حال، فلابد أن نغض الطرف عن كل ما هو بغيض، وبذلك لا تظهر قيمة الحب، وقد كان رسول الله يحب ويبغض في الله.

 

وإذا كنا نعفو في كل حال، فلا بد أن نتخلى عن القوة والشجاعة، ونضرب صفحًا عن قاعدة القصاص فالله تعالى يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: 179].

 

إن الإسلام يرغب في الواقعية الحازمة تطبيقًا لمبدأ العدل، كما يرغب في المثالية المعتدلة تطبيقًا لمبدأ الإحسان، وهذا ما عناه القرآن حين قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}[النحل:90].

 

• وانظر إلى الإسلام حيث يناسب فطرة الإنسان، فلم يأمر الإسلام بترك النكاح، وكذلك لا يمانع من الطلاق إذا استحالت الحياة الزوجية.

 

• أما مثاليته فقد دعا الزوج إلى المعاشرة الحسنة؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

 

وواقعيته أن أعطى الإسلام للمرأة الحق في الخُلع إن أساء الزوج ولم يُحسن المعاشرة بالمعروف، ودعا الزوجة لطاعة الزوج؛ امتثالًا لقوله تعالى:{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}[البقرة: 228]، وقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].

 

وكل ذلك حتى تدوم المودة والرحمة، وأما واقعيته فقد أعطى الحق للزوج بتأديب المرأة في حال النشوز.

 

• واقعيته في إزالة المنكرات والفواحش التي تضر بالفرد والمجتمع، ومثاليته في التدرج لإزالة هذا المنكر أو التلطف في إزالته.

 

• فلم تمنع مثالية الإسلام في الدعوة إلى السلام بين الدول من واقعيتها في فرض الجهاد إذا اقتضى الأمر ذلك.

 

• ولم تمنع مثالية الإسلام في جعل الوازع الديني أو الأخلاقي سببًا في صيانة الحقوق من واقعيتها في تقرير نظام العقوبات.

 

ولم تمنع مثالية الإسلام أن يبلغ الإنسان أعلى أفق ممكن من المستوى العالي الرفيع، في يُسرٍ وراحةٍ وطمأنينةٍ، وفي الواقعية يراعي الإسلام ظروف الإنسان وفطرته، وحدود طاقته، وطبيعة تكوينه، وواقع حياته.

 

فالشرائع التي شرعها البشر ناقصة كنقصان البشر، فإمَّا أن تميل إلى المثالية التي لا تتحقق، وغالبًا تميل إلى الواقعية التي فرضت نفسها بالحق أو الباطل، فتجد الشرائع تشرع على حسب حالة الناس الراهنة.

 

فالإسلام جمع بين المثالية والواقعية في شكلٍ محكمٍ رائع؛ لأنه يصعب الفصل بين المثالية والواقعية في الإسلام، وإنما هما شرعة للبشر متكاملة تُنير لهم سبل الخير، وترسم لهم قواعد السلوك وقوانين المعاملات.

 

• واقعية الإسلام تقرِّر ضعف الإنسان إجمالًا، وتفاوت أفراده بشكل عام، قال تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28].

 

وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}[فاطر:32].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «خُذُوا مِنَ الأَعَمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»؛ (رواه مسلم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم:  «وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لو تَدُومُونَ علَىَ ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، ثلاث مرات»؛ (رواه مسلم).

 

ومثالية الإسلام تحثُّ على القيم العليا، وتدعو إلى الأفضل والأكمل والتنافس في مجالات الخير، وبذل أقصى المستطاع لنيل أعلى الدرجات.

  • 1
  • 0
  • 168
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    أعلام من أئمة السُّنَّة ⓶ سَعِيدُ بنُ جُبَير اسمه وكنيته: سعيد بن جُبَير بن هشام، الإمام، الحافظ، المقرئ، المفسر، الشهيد، أبو محمد - ويقال: أبو عبد الله الأسدي الوالبي مولاهم الكوفي. مولده: ٤٦ هـ وفاته: قتله الحجاج بن يوسف ظلماً في شعبان سنة خمس وتسعين. علمه: علمه روى عن ابن عبَّاس، وعبد الله بن مغفل وعائشة، وعدي بن حاتم وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة، وأبي مسعود البدري، وعن ابن عمر، وابن الزبير، والضحاك بن قيس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وروى عن التابعين، مثل: أبي عبد الرحمن السلمي، وكان من كبار العلماء وقرأ القرآن على ابن عبَّاس، وقرأ عليه القرآن أبو عمرو بن العلاء، وطائفةٌ [سير أعلام النبلاء للذهبي] قال له ابن عبَّاس: انظر كيف تحدث عني فإنك قد حفظت عني حديثًا كثيرًا [الطبقات الكبرى لابن سعد] ثناء العلماء عليه: عن أشعث بن إسحاق قال: كان يقال: سعيد بن جُبَير جِهْبِذ العلماء [حلية الأولياء لأبي نعيم] عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، قال لقد مات سعيد بن جُبَير، وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه [سير أعلام النبلاء] عبادته: قال عبد الله بن مسلم: كان سعيد بن جُبَير إذا قام في الصلاة كأنه وتدٌ [المعرفة والتاريخ للفسوي] قال هلال بن يساف: دخل سعيد بن جُبَير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة واحدة [الزهد للإمام أحمد] من أقواله: إن الخشيةَ أن تخشى الله تعالى حتى تحُولَ خشيتُك بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية [حلية الأولياء لأبي نعيم]

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً