ولا تكن من الغافلين

منذ 2024-09-01

إذا كان النوم يجعلُ النائمَ يَفقدُ احساسه وشعوره، فَإِنَّ الغفلةَ تفعلُ بالقَلوبَ مثل ذلك وأكثر..

معاشر المؤمنين الكرام: إذا كان النوم يجعلُ النائمَ يَفقدُ احساسه وشعوره، فَلَا يرى وَلَا يَسمَعُ، وَلَا يشعرُ بشيء ممَا حَولَه، فَإِنَّ الغفلةَ تفعلُ بالقَلوبَ مثل ذلك وأكثر.. بل هي أَعْظَمُ أَدْوَاءِ القلوبِ خطرًا، وأشدُّها فتكًا وضررًا، وأسوئها إفسادًا وأثرًا.. ومن خطورتها ألّا يشعرُ الغافلُ بغفلته.. فَبِالنِّعَمِ يُسْتَدْرَجُونَ، وباللهو واللعب يُشغلون، وعن الخير والهدى يُصرفون، فإذا طالَ عليهم الأمد قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، فإذا هم عن ذكر ربهم والدارِ الآخرة غافلون، وإلى أن يأخذهم العذابُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، تأمل: {فَلَمَّا ‌نَسُوا ‌مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44].. أي نادمون متحسرون.. يتمنون الرجعة ولا يستطيعون: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُون * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون} [المؤمنون:99].

 

الغَفْلَةُ يا عباد الله: ركونٌ إلى الدنيا ونسيانُ للآخرة.. الغفلةُ: إِفْرَاطٌ في الشَّهَوَاتِ، واسْتغراقٌ في الملَذَّاتِ، قَالَ جلَّ وعلا: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

 

الغفلةُ: قلبٌ خاويٍ من تعظيم الله، وعقلُ لا يتفكرُ في آيات الله، ولسانٌ جافٌ من ذكر الله، وجوارحٌ تتكاسلُ عن طاعة الله، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ ‌الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [النحل:108].

 

الغفلةُ: جهلٌ بالله وعدم تقديرٍ لحقه، واستخفافٌ بالدار الآخرة، وعدم تفقهٍ بها، مع أنه قد يكونُ من حذاق الدنيا ومُتقنيها، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ ‌غَافِلُونَ} [الروم:7].

 

الغفلةُ: مُفسِدةٌ للْقَلْبِ، مُشغِلةٌ عن الخير، صادةٌ عن سماع الحقِّ واتباعهِ والانتفاعِ به، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146].

 

الغفلة: مَرَضٌ مُستَحكِم، وداءٌ مُستشرٍ، قلَّ أن يسلمَ منه أحد، قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس:92].

 

إذا عرفنا ما هي الغفلة، فإنَّ لِلْغَفْلَةِ أَسْبَابًا كثيرة؛ من أخطرها: طُولُ الأَمَلِ، كما قَالَ تَعَالَى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3].. قال علي بن أبي طالب: (إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتين: طولُ الأملِ واتباعُ الهوى؛ فأمّا طولُ الأملِ فينسي الآخرة، وأما اتباعُ الهوى فيصدُّ عن الحقّ.. وقال الحسنُ البصري: (ما أطالَ عبدٌ الأمل، إلا أساءَ العمل).

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: هجرُ القُرْآَنِ الْكَرِيمِ، قالَ تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء:1].

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: التَّهَاوُنُ في أداءِ الصَّلَوَاتِ المكتوبات، والتَّكَاسُلُ عن الجُمَعِ والجَمَاعَاتِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»، (والحديث في مسلم).

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: حبٌ الدُّنْيَا والركونُ إليها، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِزخارفهَا، والمُبَالَغَةُ فِي الِاشتِغَالِ بِـمَلَذّاتِها، قالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].. قال ابن القيّم: «على قدر رغبة العبد في الدّنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة».

 

ومن أعظم أسبابِ الغفلةِ: الجهلُ بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، فمن عرف الله حق المعرفة عظمه وأحبه وأطاعه فلم يغفل عن ذكره.. تأمل: {قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَاب * الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب * الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآب} [الرعد:28].

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: ارتكابُ المعاصي، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].

 

وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: صحبة البطالين ورفقاء السوء: فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، وعن المرء لا تسأل وسل عن قرينه، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي صار مثلهم: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

 

وَمِن أسباب الغفلة: كَثرَةُ اللَّهوِ وَاللّعِب، وَقَد صَحّ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: «مَنِ اتّبَعَ الصَّيدَ غَفَل»، وَأَولَى مِن ذَلِكَ بالتحذير هذه الأَلعَابُ الإِلِكتِرُونِيَّةُ الَّتِي أَسَرَتْ قُلُوبَ شَبَابِنَا، وَاستَنفَدَتْ قُوَاهُم وَأَوقَاتَهُم، حتى ضيعوا واجباتهم الدينية والدنيوية.

 

وكما أنَّ للغفلة أسبابٌ، فإن لها آثارًا خطيرة ونتائجَ سيئة.

 

فمِنْ أسوء آثَارِ الغفلة: الطَّبْعُ عَلَى قُلُوبِ الْغَافِلِينَ وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ؛ فَلَا تَتَّعِظُ بِمَوعِظةٍ، وَلَا تَنتفعُ بِتذكِيرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حقِّ الْكُفَّارِ الْمُعْرِضِينَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ ‌طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل:108].

 

وَمِنْ آثَارِ الْغَفْلَةِ ونتائجها: الِانْصِرَافُ عَنِ الْحَقِّ ونُصرة الْبَاطِلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146].

 

ومِنْ أسوء نتائج الْغَفْلَةِ وأخطرها: الخسارةُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ ‌لَا ‌يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7].

 

والإنسان كلما غفلَ قلبهُ عن الله، تمكنَ الشيطانُ منه أكثر، حتى يصبحَ له قرينَ سوءٍ لا يفارقه، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36].. وماذا سيجنى منه: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:37].

 

وَلقد حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عباده الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْغَفْلَةِ؛ فقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205].. وحذَّرَهم أن تُلْهِيَهمُ الدنيا بمتاعها عن طاعَته جلَّ وعلا، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9].. وفي البخاري ومسلم، قال صلى الله عليه وسلم يحذر أمته: «وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ».

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيد * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيد * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد} [ق:19].

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب} [الزمر:18].

 

معاشر المؤمنين الكرام: عرفنا ما هي الغفلة، وما هي أبرزُ أسبابها، وعرفنا بعضنًا من أسوأ آثارها ونتائجها.. وبقي أن نتعرفَ على كيفيةِ علاجها والتخلصِ منها، وأول ذلك: معرفة الله عز وجل، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دينه وشرعه، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]..

 

وثاني علاجات الغفلة: المحافَظةُ على الصلوات جماعةً، بخشوعٍ وحضورِ قلبٍ؛ قال جلّ وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14].. وفي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على هؤلاء الصَّلواتِ المكتوباتِ لم يُكتَبْ من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائةَ آيةٍ كُتِب من القانتين».

 

وثالث العلاجات: كثرةُ ذِكْرُ اللهِ تعالى؛ فالذكر يُحيي القلوبَ، ويَطرُد الشيطانَ، ويُزكِّي الروحَ، ويُقوِّي البدنَ على الطاعات، ويُوقِظ من نوم النسيان، ودوامُه يحفَظ العبدَ من المعاصي، قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين} [الأعراف:205].. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ»، والحديث في البخاري.. وقَالَ ابنُ الْقَيِّمِ: إنَّ الْغَافِلَ بَيْنَهُ وَبَينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وَحْشَةٌ، لا تَزُولُ إلا بِالذِّكْرِ.

 

وممَّا يحفَظ العبدَ من الغفلة: مداومة تلاوة القرآن وتدبره؛ فهو غذاء الأروح، وشفاء القلوب، قال جل وعلا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82].. وفي الحديث الصحيح: «من قرأ عشرَ آياتٍ في ليلةٍ؛ لم يُكتَبْ من الغافلين».

 

وممَّا يُعِينُ على التخلص من الغفلة: الإكثار من التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّه لَيُغانُ على قَلْبِي، وإنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ»، (والحديث في مسلم).. وفي الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: «إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكتتْ في قلبِه نكتةٌ سوداءُ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقُل قلبُه».

 

ومما يحفظُ العبد من الغفلة: مجالسةُ العلماء والصالحين؛ لأنهم يُذكِّرون بالله، ويُعلِّمون شرع الله، ويعينون على طاعة الله، قال جلّ وعلا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

 

وممَّا يُعِينُ على التّخلص من الغفلة: الابتعادُ عن مجالس اللهو والسوء، قال الله عز وجل: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بها وَيُسْتَهْزَأُ بها فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140].

 

ومما يعين على علاج الغفلة: كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى: ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها -قالوا: إذًا نكثر-، قال: الله أكثر».. وإنَّ من أعظم ما تعالج به الغفلة: ذِكْرَ الموت وما بعدَه، فهو واعظٌ بليغٌ، وزاجرٌ قوي.. مَنْ أكثرَ مِنْ ذكرِ الموتِ استفاقَ قلبُه، واستقامت نفسه، وصَلُحَت أعماله، فسَلِمَ من الغفلة.

 

فاتقوا الله يا عباد الله: وانْفُضُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ غُبَارَ الْغَفْلَةِ، وَبَادِرُوا بِالرُّجُوعِ والإنابة والتَّوْبَةِ، فإِنَّ السَّعِيدَ مَن تَابَ إِلَى رَبّه وأناب، واستعد لما أمامه من أهوالٍ وحساب.. {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ بَغتَةً وَأَنتُم لَا تَشعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفسٌ يَاحَسرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أو تَقُولَ لَو أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ المُتَّقِينَ * أَو تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ لَو أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحسِنِينَ} [الزمر:54].

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

 

اللهم صل على محمد..

___________________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله محمد الطوالة

  • 4
  • 0
  • 455
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    ضوابط الإكراه عند السلف - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ: عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بن الخطاب [لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينِ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ أَجَعْتَهُ، أَوْ أَخَفْتَهُ أَوْ حَبَسْتَه وفي رواية أخرى أو ضربته]. [مصنف ابن أبي شيبة ٤٩٣/٥، ومصنف عبد الرزاق] - عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ :[لَيْسَ الرَّجُلُ أَمِينًا عَلَى نَفْسِهِ إِذا أَجَعْتَهُ، أَوْ أَوْثَقْتَهُ، أَوْ ضَرَبْتَهُ]. [مصنف عبد الرزاق الصنعاني ٤١٧٦] • وقد اعتمد الأئمة على حديث عمر هذا كأصل في المسألة مثل شريح القاضي التابعي وأحمد ومالك والشافعي وسفيان: - الإمام أحمد وإسحاق: قلت لأحمد: رجل أمر رجلاً أن يقتل مسلمًا فقتله؟ قال: لا يقاد منه، وعليه أدب ينكَّل به. قال إسحاق: كما قال، إلا أن يكون حين أمره أعانه على ضبطه، فأمسكه عليه حتى قتله، فحينئذ يُقتَلان جميعًا. قلت: قول عمر «ليس الرجل بأمين على نفسه إذا أجعته، أو ضربته، أو حبسته». قال: إذا أقر على هذا لم يؤخذ به. قال إسحاق: كما قال. [مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ۳۷۰۳/۷] - قال أحمد: وحدُّ المُكره: إذا كان يخاف القتل أو ضرباً شديدا. قال إسحاق: هو كما قال بلا شك. [مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ١٥٨٧/٤] - التابعي شريح القاضي: حَدَّثَنا أبوُ بكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنِ المَسْعُودِيَّ، عَنِ القاسِمِ ،عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: القَيدُ كَرْهٌ، والسِّجْنُ كَرْهٌ، والوَعِيدُ كَرْهٌ. [مصنف ابن أبي شيبة ٤٩٣/٥] - الإمام مالك: قُلْتُ: وَكَيْفَ الإِكْرَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ؟ قال: الضَّرْبُ والتَّهْدِيدُ بِالقَتْلِ والتَّهْدِيدُ بِالضَّرْبِ، وَالتَّخْوِيفِ الَّذِي لَا شَكٍّ فِيهِ. قلت: فَالسِّجْنُ إِكْرَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ؟ قالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِن مَالِكٍ وَهُوَ عِنْدِي إِكْرَاهُ. [المدونة ٤٣٦/٢] - الإمام الشافعي: قالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللهُ تعالى: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [النحل ١٠٦] قال الشَّافِعِيُّ: وَلِلْكُفْرِ أَحكام كَفِراقِ الزَّوْجَةِ، وأَنْ يُقْتَلَ الكَافِرُ ويُغْنمَ مالُهُ فَلَمَّا وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُ سَقَطَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الإِكْرَاهِ عَلَى القَوْلِ كُلَّهِ، لأنَّ الأَعْظَمَ إِذا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ سَقَط ما هُوَ أَصْغَرُ مِنهُ وما يَكُونُ حُكْمُهُ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ. قال الشَّافِعِيُّ: والإِكْراهُ أَنْ يَصِيرَ الرَّجُلُ فِي يَدَيَّ مَن لا يَقْدِرُ عَلى الامتناعِ مِنهُ مِن سُلْطَانٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى وَاحِدٍ مِن هَؤُلاءِ ويَكُونُ المُكْرَهُ يَخَافُ خَوْفًا عَلَيْهِ دَلالَةٌ أَنَّهُ إِنْ امْتَنَعَ مِن قَوْلِ ما أُمِرَ بِهِ يَبْلُغَ بِهِ الضَّرْبُ المُؤلِّمُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ إِتْلَافُ نَفْسِهِ. [الأم للشافعي ٢٤٠/٣]

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً