فيحاء (قصة قصيرة)

منذ 3 ساعات

ليتني أستطيع الحراك لأزيح ذرات الرمل التي غطت فمها لأبعد عنها تلك الحجارة الصماء التي استقرت على جسدها الرقيق

لم أستطع التعرف عليها جيدا
فكل شيء في هذا المكان يبدو كأنه قادم من عالم آخر!

ليت عيناها تقترب أكثر من بعضهما
وليت أنفها الصغير يستقر مكانه!
مالها تتأرجح أمامي كلوحة معلقة على غصن زيتونة مباركة
إنك أنت ،بل إنكم أنتم
هل أنت أنت ؟أم أنتم أنتم

ليت بصري يثبت قليلا لأعرف من تكونين!
لا أدري ماذا يحدث ربما علي أن أقطع هذا البحر أولا فهو يقف كبرزخ بيني وبينك_ أو بينكم_!
ولكن هذا البحر لاتجف منابعه إن مياهه تكثر شيئا فشيئا  وعلي أن أتغلب عليه!
أخذت نفسا عميقا ؛عميقا بعمق المحيطات البعيدة
تنفست ثقة بالله ومن ثم بذاك الصوت القادم من بعيد
إنه يناديني باسمي أنا
وينادون باسمها أيضا
إذا هي هي إنها فيحاء أختي التي طالما كانت خصلات شعرها تتمزق في راحتي  التي تأبى أن تفرج عنها!
لقد كانت  تكبرني بعامين فقط كافيين لأن  تجعلاها تُنصب من نفسها أما ثانية لي،
ولكن الحق يقال لقد كانت ممتلئة بالحنان كأمي تماما إنها نسخة منها حتى كأنك لاتكاد تميز بينهما ،لقد كانت مفعمة بالحيوية لتلاعبني وتداعبني
كانت هادئة كهدوء سنابل قمح اشرأبت أعناقها نحو السراج المنير هادئة بم يكفي لتتحمل غلاظتي وتسامحني فور أن نسمع صوت أمي يطلق عبارات التأنيب.

صوّبت نظري إلى ذلك المكان بعد أن جفت مياه البحر المالحة ولم يبق منها إلا بضع قطرات لم تستطع الهرب من بين أجفاني،  غابت المياه وليتها لم تغب فقد رأيت مكانها  اللون الأحمر الداكن يحيط بها ىقد  كانت شقيقتي  كأميرة الثلج في مسبح قرمزي يلتف حول جسدها.

محاولا  استيعاب الموقف وتأكيدا لما جال في خاطري للحظة
استجمعت مابقي لدي من قوة وحركت شفاهي بحروف  متثاقلة لينطلق صوتي كالصاروخ  المدوي ناشرا اسمها في جنبات هذا المكان المظلم المخيف.

انتظرت جوابها طويلا  لتخبرني أنها بخير،
أنها ستكون قوية لأجلي،
لأجل أمي التي أكاد أجزم أنها على شفا حفرة من الانهيار،
لأجل أبي الذي طالما أخبرنا أن رحيلنا سيقصم ظهره!

ولكن لاجواب يصلني إلا بضع تأوهات تترجم لي ألم روح طالما كُنت سببا في ألمها من قبل

ليتها تستمر إنها كافية لأن تخبرني أن شقيقتي لازالت  على قيد الحياة
وأن هناك ذرة أمل تلوح بالأفق قادمة من تلك الناحية حيث الأصوات والصجيج

ليتني أستطيع الحراك لأزيح ذرات الرمل التي غطت فمها
لأبعد عنها تلك الحجارة الصماء التي استقرت على جسدها الرقيق
ليتني استطعت تحقيق حلمي وأصبحت طبيبا كنت سأجري لها تنفسا صناعيا ريثما يحضرون


هاهي الأيام مرت يافيحاء وها أنذا  ماثلاً أمامك بجسد طفل  وهموم رجل أربعيني كما كنت تطلبين  مني كل يوم:متى ستصبح رجلا مثل  كل الرجال!

ها أنذا أصبحت رجلا أملك من القوة مايجعلني أخبرهم أن فيحاء قد رحلت!
بابتسامتها؛بشقاوتها ؛بشعرها ووجها وجسدها النحيل الذي  افترش الأنقاض كوسادة أبدية

فاطمة عبود

فاطمة الأمير

كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.

  • 0
  • 0
  • 35

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً