( وهو الخلاق العليم )
فحريٌّ بكل مسلم ومسلمة أن يعلِّق قلبه بالله الخلَّاق العليم الذي لا يُعجزه شيءٌ في الأرض، ولا في السماء، وألَّا ييأس في جميع أموره من فتحِ الله له ورزقه ونصره، وأنه سبحانه إذا أراد شيئًا، قال له: كن فيكون.
معنى اسم الله الخلَّاق: اسم مبالغة لاسم الفاعل، تقول: غافر وغفَّار، خالق وخلَّاق، ويدل على كثرة خَلْقِ الله تعالى وإيجاده؛ قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر: 86].
قادر على إقامة الساعة، فإنه الخلَّاق الذي لا يُعجزه خلقُ ما يشاء، وهو العليم بما تمزَّق من الأجساد، وتفرَّق في سائر أقطار الأرض؛ كما قال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 81، 82]، قادر على أن يخلُق خلائقَ كثيرةً، وواسع العلم بأحوالها ودقائق ترتيبها.
وجميع المخلوقات؛ متقدمها ومتأخرها، صغيرها وكبيرها، كلها أثر من آثار خلقه وقدرته، وأنه لا يستعصي عليه مخلوقٌ أراد خلقه.
وقد وَرَدَ ذِكْرُ هذا الاسم في القرآن الكريم مرتين؛ وذلك في قوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر: 86]، وقوله جل وعلا: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81].
قال ابن القيم:
وكذاك يشهد أنه سبحانه ** الخلَّاق باعث هذه الأبدانِ
وأما معنى اسم الله العليم:
أن الله عليمٌ بما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأحاط علمه سبحانه وتعالى بجميع الأشياء؛ ظاهرها وباطنها، دقيقها وجليلها، يعلم دقائق الأشياء والأمور، وخفايا الضمائر والنفوس، لا يعزُب عن ملكه مثقال ذرة، وهو مشتق من العِلْم، وهو ضد الجهل، فالعليم متضمن للعلم الكامل المطلق، الذي لم يُسبق بجهل، ولا يَلحقه نسيان.
يقول ابن القيم:
وَهُوَ العليمُ أَحَاطَ عِلْمًا بِالَّذِي ** في الكونِ مِنْ سِرٍّ ومنْ إِعْلانِ
وبكلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَـــــهُ ** فهوَ المحيطُ وليسَ ذا نِسْيَانِ
فما هي فوائد معرفة هذين الاسمين لله تعالى؟
إن لاسم الله العليم آثارًا إيمانية، تتجلى في حياة الفرد المسلم؛ فمن ذلك:
1- أن يتيقن المسلم دائمًا أن الله عليم بما تكتسبه جوارحه، وما يُخفي في قرارة نفسه، علمًا يقينيًّا يجعله مسارعًا إلى الطاعات، مسابقًا إلى الخيرات، مجانبًا للسيئات، دائمَ المراقبة لنفسه، حذرًا من نفسه على نفسه؛ فيحقق بذلك مراقبة الله سبحانه وتعالى، والخشية منه وحده، حتى يترقى من درجة الإيمان إلى مرتبة الإحسان؛ وهي: «أن تعبد الله كأنك تراه»؛ (البخاري)، وفي لفظ لمسلم: «أن تخشى الله كأنك تراه».
2- أن يؤمن بالقضاء والقدر؛ فيصدق تصديقًا جازمًا بأن قدر الله تعالى لا يأتي إلا بالخير؛ لأن الله عزَّ وجلَّ عالم بكل شيء، وهو الحكيم سبحانه، وأن يرضى الإنسان بالمقدور، ويستسلم لمشيئة الله العليم الحكيم.
3- أن تتواضع أمام عِلْمِ الله تعالى، فلا تغترَّ ولا تطغَ بسبب علمك، مهما بلغتَ من العلم فهو ناقص.
ومن آثار الإيمان باسم الله (الخلَّاق)، و(الخالق):
أولًا: الإيمان باسمه سبحانه (الخالق) يستلزم الإيمان بوحدانيته سبحانه، وألوهيته، وإفراده وحده بالعبادة.
ثانيًا: الإيمان باسمه سبحانه (الخالق) يُورِث المحبة الكاملة له عز وجل؛ لأنه سبحانه الذي خلقنا، وأنعم علينا بنعمة الإيجاد، بعد أن لم نكن شيئًا مذكورًا، ثم أمدَّنا سبحانه بما خلقه في هذا الكون من نِعَمٍ، وبما سخَّره لنا من مخلوقاته، وبما خلق في قلوب الأمهات والآباء من الرحمة والرعاية، وبما أمدَّنا به من السمع والبصر والأفئدة، وغير ذلك من النِّعم التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فحقيقٌ بمن خَلَقَنا وأوجدنا وربَّانا بنِعَمِه أن يحب غاية الحب، وأن يذل له غاية التذلل، وهذان هما قطبا التعبُّد لله عز وجل.
ثالثًا: الإيمان باسمه سبحانه (الخالق) يدل على صفاته سبحانه الأخرى؛ كالحياة والقدرة، والعلم والإرادة والحكمة؛ إذ لا يمكن أن يكون خالقًا غير قادر ولا مريد ولا عالمٍ بما خَلَقَ، أو أنه ليس له فيما خلق حكمة ولا علة.
وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "من طرق إثبات الصفات وهو دلالة الصنعة عليها، فإن المخلوق يدلُّ على وجود خالقه، وعلى حياته، وعلى قدرته، وعلى علمه ومشيئته".
رابعًا: الإقرار بألوهية الخالق عز وجل، وتقدمه على كل شيء؛ وقد قرر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ذلك بقوله: "إنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدُّمًا لا أوَّلَ له، فلكل مخلوق أول، والخالق سبحانه لا أول له، فهو وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكُنْ".
خامسًا: الإيمان باسمه (الخالق) يستلزم قبول شرعه، والحكم به، والتحاكم إليه، وعدم الرضا بغيره بديلًا؛ لأنه الشرع الصادر عن الخالق الحكيم، العليم بخلقه ونوازعهم ومصالحهم، فكان أحسنَ الشرع وأكملَه وأصلحَه.
فحريٌّ بكل مسلم ومسلمة أن يعلِّق قلبه بالله الخلَّاق العليم الذي لا يُعجزه شيءٌ في الأرض، ولا في السماء، وألَّا ييأس في جميع أموره من فتحِ الله له ورزقه ونصره، وأنه سبحانه إذا أراد شيئًا، قال له: كن فيكون.
نسأل الله العظيم أن يرزقنا رزقًا حسنًا، ويبارك لنا في جميع أمورنا، ويحفظنا ويحفظ علينا أمْنَنا وإيماننا.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
_____________________________________________________________
الكاتب: د. سعد الله المحمدي
- التصنيف: