الاجتهاد المطلق والمقيد

منذ 2024-10-23

في هذا المبحث نبيِّن التقسيم الثالث من تقسيمات الاجتهاد، وهو تقسيمه باعتبار الإطلاق من عدمه؛ أي: هل المجتهد مجتهد مطلق متصرف في الأحكام الشرعية بالنظر والاستنباط والاجتهاد أم أنه ليس كذلك

الشيخ وليد بن فهد الودعان

في هذا المبحث نبيِّن التقسيم الثالث من تقسيمات الاجتهاد، وهو تقسيمه باعتبار الإطلاق من عدمه؛ أي: هل المجتهد مجتهد مطلق متصرف في الأحكام الشرعية بالنظر والاستنباط والاجتهاد أم أنه ليس كذلك، بل هو مجتهد مقيَّد بمذهب من المذاهب، أو بطريقة من الطرق الاستنباطية، والشَّاطبي لم ينص على هذا التقسيم، ولكنه يُفهَم من مضمون كلامه، علمًا أن هذا التقسيم خاص بالاجتهاد في عُرف الأصوليين.

 

رأي الشَّاطبي:

ينقسم الاجتهاد بهذا الاعتبار - عند الشَّاطبي - إلى قسمين:

القسم الأول: اجتهاد مطلق.

القسم الثاني: اجتهاد مقيد.

فالاجتهاد المطلق؛ كاجتهاد الأئمة مالك وأبي حنيفة والشافعي، وهم الذين يأخذون أصولهم مباشرة من فهمهم مقاصد الشريعة، ومعرفتهم بلغة العرب؛ فهم مجتهدون في فهم المقاصد، ومجتهدون في اللغة العربية.

 

أما الاجتهاد المقيد، فقد أشار الشَّاطبي إلى أنه على نوعين:

النوع الأول: الاجتهاد المنسوب إلى أصحاب الأئمة المجتهدين؛ كابن القاسم وأشهب في مذهب مالك، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، والمزني والبويطي في مذهب الشافعي، فهؤلاء "يأخذون أصول إمامهم وما بنى عليه في فهم ألفاظ الشريعة، ويفرِّعون المسائل، ويصدرون الفتاوى على مقتضى ذلك"[1]، وقد يخالفون مذهب إمامهم، وقد يوافقونه، وقد قبل الناس اجتهادهم وفتاويهم لفهمهم مقاصد الشرع في وضع الأحكام، ولولا ذلك لَمَا قُبِل منهم، ولما جاز لهم الاجتهاد، وبعض هؤلاء قد يبلغ تمام المعرفة في كلام العرب، وقد لا يبلغ[2].

 

والنوع الثاني: ما عليه كثير من المتأخرين، الذين من شأنهم تقليد المجتهدين من المتقدمين بالنقل من كتبهم، والتفقه على مذاهبهم.

فهؤلاء مقلِّدون، لا يحق لهم الاجتهاد، ولا يجوز منهم، ولا يصح اتباعهم، كسائر العوام، واجتهادهم غير معتبر؛ لأنه لم يخرج من أهله.

وهذان القسمان هما ما ظهر من كلام الشَّاطبي، وليس لازمًا أن يكون الأمر محصورًا فيهما.

وقد وافق الشَّاطبيَّ في هذا التقسيم عامة الأصوليين؛ فهم يثبتون هذا التقسيم، ويذكرونه في مؤلفاتهم[3].

ويفصلون في القسم الثاني، وهو المجتهد المقيد، ويجعلونه على قسمين:

القسم الأول: مجتهد المذهب، وهو المتمكن من تخريج الوجوه على نصوص الأئمة.

والقسم الثاني: مجتهد الفتوى، وهو من تبحَّر في مذهب إمام، وتمكن من الترجيح بين أقوال الإمام[4].

 

وبعضهم ذكر تقسيمًا آخر، وهو:

الأول: مَن لا يكون مقلدًا لإمامه، لا في المذهب ولا في دليله؛ لكونه قد جمع أوصاف المجتهد المستقل، وإنما ينسب إليه؛ لأنه سلك طريقه ومنهجه في الاجتهاد.

الثاني: مَن يكون في مذهب إمامه مجتهدًا، بحيث يستقل بتقرير مذهبه بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصولَ إمامه وقواعدَه.

الثالث: مَن لا يبلغ رتبة أئمةِ المذهب أصحابِ الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس، حافظ مذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، يصور ويحرر ويمهد، ويقرر ويزيف ويرجح، إلا أنه أنزل من الرتبة الثانية.

الرابع: من يقوم بحفظ المذهب في نقله وفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها، غير أن عنده ضعفًا في تقرير أدلته وتحرير أقيسته[5].

وعلى هذا، فهذا التقسيم جرى فيه الشَّاطبي مجرى الأصوليين، ولم يأتِ فيه بجديد.

 


[1] الموافقات (5/ 126)، وانظر منه: (5/ 51).

[2] انظر: الموافقات (5/ 51 - 52، 126 - 127).

[3] بعض الأصوليين ذكر القسمين، وبعضهم اقتصر على القسم الأول، ويفهم منه القسم الثاني، وبضدها تتبين الأشياء، كما قد قيل؛ انظر: المستصفى (2/ 353) الضروري (138) الإحكام (4/ 164) بذل النظر (692) أدب الفتوى (35) المجموع (1/ 75) صفة الفتوى (16 وما بعدها) نهاية الوصول (8/ 3833) شرح مختصر الروضة (3/ 585) المسودة (546 - 457) جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني (2/ 589، 594) الإبهاج (3/ 256) البحر المحيط (6/ 205 - 206) الإنصاف (1/ 258) الفوائد السنية (3/ 1144، 1157) الرد على من أخلد إلى الأرض (38 - 42) مناهج العقول (3/ 274) شرح الكوكب المنير (4/ 467) معونة أولي النهى (9/ 587 - 588) غاية الوصول (148) التحرير مع التقرير والتحبير (3/ 293) تيسير التحرير (4/ 182) نشر البنود (2/ 315 - 316) المدخل لابن بدران (374).

[4] انظر: أدب الفتوى (40 وما بعدها) المجموع (1/ 75 - 77) صفة الفتوى (17) المسودة (547 - 549) إعلام الموقعين (4/ 162 - 164) الإنصاف (12/ 259 - 264) الرد على من أخلد إلى الأرض (38 - 42) شرح الكوكب المنير (4/ 468 - 471) معونة أولي النهى (9/ 588 - 590) نشر البنود (2/ 316 - 317) المدخل لابن بدران (375 - 377).

[5] انظر: شرح المعالم (4/ 1598 - 1600) جمع الجوامع مع شرح المحلي وحاشية البناني (2/ 594 - 595) الفوائد السنية (3/ 1157) مناهج العقول (3/ 274 - 275) غاية الوصول (148) نثر الورود (2/ 628).

  • 0
  • 0
  • 162
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    بئس المسار وبئس المصير • في العمق، فإن استماتة الإخوان المرتدين في الدفاع عن موقف كتائبهم الكربلائية وفصائلهم الإيرانية عائد لسببين، الأول: أن شرائح واسعة من الناس سرّها مقتلة الرافضة المجرمين، وهذا أمر لا تخطئه العين وليس في الشام وحدها، وهو ما جعل أنصار الإخوان المرتدين يشعرون بعزلة تاريخية لم يعيشوها من قبل، إذ انحازوا إلى صف أبتر شاذ مخالف لـ "جمهور الأمة" كما دأبوا على تسميته، والسبب الثاني أنهم ينظرون للمحور الرافضي كآخر جبهة يتسترون فيها خلف شعارات "المقاومة والثورة"، وهي في نظرهم آخر حليف لأفرعهم المتساقطة تباعا من مصر إلى تركيا، فلم يبق إلا فرعهم الغزي الذي ختم مساره بالذوبان في المعسكر الرافضي! وأعلن رسميا وحدة مساره ومصيره مع الرافضة وليس العكس، ولذلك فإيران بالنسبة إليهم هي الحصن والحضن والملاذ الأخير لهم قبل أن يخلعوا مسوك الضأن ويتحالفوا علنا مع الشيطان بصورته السافرة بغير مسوك ولا شعارات. إن الإخوان المرتدين على مرّ التاريخ كانوا خونة أهل السنة، وفي صف عدوهم، وقد استحقوا هذا الهوان وضربت عليهم الذلة بما اقترفوه من طوام مزمنة بحق العقيدة في مسار جاهلي أوله انحراف، وأوسطه انحراف، وآخره انحراف!، فلقد نقضوا التوحيد من كل باب، وحاربوه في كل ساحة، فمُسخوا أذلاء وعبيدا لا يعز لهم جناب ولا يصح لهم مسار، وصاروا مسبّة العمر ومعرة الدهر! والجماعات بقدر قربهم من مسار الإخوان بقدر ضرب الذلة والمهانة والتيه عليهم. أما اليهود، فما زال علوهم يتعاظم وكيدهم يتفاقم ولئن ظنوا أنهم قد سلموا وخلت لهم الساحة فقد خابت ظنونهم فإن حربنا مع حلفائهم الصليبيين وجيوش الردة، جزء من الحرب ضدهم، وتهيئة للمعارك الفاصلة بإذن الله معهم، وهم يدركون ذلك جيدا، وما زالت خيبر أخرى تنتظرهم على أيدي أتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأحفاد صحابته. ولئن كنا نرى أن الساحة لم تتهيأ بعد لهذه المنازلة الفاصلة بهذه الحالة المنهجية الهجينة المخالفة لمنهاج النبوة، ولكن نحسب أنّ من حكمة الله تعالى تأخير وصول طلائع المجاهدين الربيين إلى بيت المقدس وفتح جبهة مباشرة سنية خالصة ضد اليهود؛ حتى يقطع الناس تعلقهم بهذه النماذج الجاهلية، ويكفروا بكل هذه الأحزاب والمشارب التي يتحد فيها مسار خونة السنة بمسار ومصير الرافضة الكافرين. وإلى أن ييسر المولى تعالى أسباب الوصول والالتحام المباشر مع اليهود في حروب على طريق محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه لا طريق الخميني وزمرته؛ فإننا نكرر التحريض لمن تيسرت له الأسباب من المجموعات أو المنفردين أن لا يتوانوا في استهداف "الوجود اليهودي" في كل مكان، فاليهود في القرآن كلهم يهود، وقتلهم أينما حلوا خطوة على طريق القدس، كما أن قتال الرافضة ومحاورهم خطوة على طريق القدس التي فتحها عدو الرافضة اللدود عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وصلاح الدين مدمر الدولة العبيدية الرافضية. فيا أحفاد الفاروق وصلاح الدين لقد قدر الله تعالى أن لا يكتمل المسير إلى القدس إلا بقتال الرافضة ومحاورهم، وهذا من تدبير الله تعالى واختبار صدق حملة الراية في عصر الجاهلية الثانية، فهذا طريق الفاتحين الذين دخلوا القدس أول مرة، وهو الطريق ذاته لمن أراد المسير على خطاهم، والله مولاكم فنعم المولى ونعم النصير. • المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 462 الخميس 23 ربيع الأول 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً