على شواطئ البركة

منذ 2024-10-23

إن الأعمال والجهود والأعمار والأموال لا يكتب لها الخيرية ولا ينتفع بها الناس مهما كان حجمها وكثرتها ما لم تحل فيها البركة من الله سبحانه وتعالى

في زحمة الحياة وكثرة المتطلبات التي يسعى الإنسان لتأمينها لنفسه ولأهله وأولاده وللمجتمع من حوله والتي يعتقد أنها توفر له الراحة والطمأنينة والسعادة يجد كثير من الناس أنهم يعملون ويبذلون لأجل ذلك الوقت والجهد ويلقون لأجل ذلك المشقة والعناء، ومع ذلك فإن الثمرة ضعيفة، والنتيجة قد تكون في كثير من الأحيان مخيبةٌ للآمال. 

وإن من الأسباب التي قد تؤدي إلى عدم انتفاع العبد بوقته وماله وأولاده وعلمه وعبادته وعمله هو ذهاب البركة والخيرية وتوفيق الله منها، فأين البركة في عبادتنا؟! ولماذا لا نجد أثرها في حياتنا؟! وأين الخشوع واللذة والطمأنينة فيها؟! وأين البركة في أوقاتنا؟! ساعات وأيام وشهور وسنوات تضيع في سفاسف الأمور!

وأين البركة في طعامنا؟! يأكل الإنسان من أصناف الطعام ما لذَّ وطاب، ومع ذلك يشعر بالجوع، ويتكلم عن أعداد الوجبات، ويطلب الزيادة من وقت لآخر! وأين البركة في بيوتنا وأولادنا؟! أليس هناك عشرات المشاكل في البيوت ومع الأولاد؟ وأين ثمرة التربية؟! وأين البركة في الأموال؟! وأين بركة العلم ونحن نسمع ونقرأ عن علماء المسلمين وما قدموه للدنيا من علوم واختراعات في جميع نواحي الحياة؟! قال الشافعي: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين، والإمام ابن الجوزي هو تلميذ ابن عقيل، يقول سبطه أبو المظفر عنه: سمعته يقول على المنبر في آخر عمره: كتبت بأصبعي هاتين ألفَي مجلدٍ، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني، وهذا من التحدُّث بالنعم.

 

هذا الطبيب الرائد ابن النفيس صنف كتابًا في الطب سمَّاه (الشامل)، يقول فيه التاج السبكي: لو تم لكان ثلاثمائة مجلد، تمَّ منه ثمانون مجلدًا، وكان -فيما يذكر- يملي تصانيفه من ذهنه، فكيف تمَّ له ذلك؟ ومن أين له هذه المنزلة؟! لقد كان -رحمه الله تعالى- إذا أراد التصنيف توضع له الأقلام مبرية، ويدير وجهه إلى الحائط، ويأخذ في التصنيف إملاءً من خاطره، ويكتب مثل السيل إذا انحدر، فإذا كلَّ القلم وحفي فليس عنده وقت يبري القلم، وإنما يرمي القلم ويتناول غيره؛ لئلا يضيع زمانه في بري القلم! واليوم يقرأ الطالب ما يقارب عشرين عامًا حتى يتخرج من الجامعة وربما يدرس الدكتوراه فتجد ثمرة العلم ضعيفة وبسيطة مقابل هذه السنوات الطوال، وأين بركة الراتب والدخل الشهري الذي ما أن يستلمه الموظف أو العامل فينتهي خلال ثلاثة أيام أو أقل ثم تبدأ مرحلة الديون؟! وأين بركة الكلمة؟! وأين أثرها في حياتنا؟! وأين بركة ملايين هذه الأمة؟! وأين بركة جيوشها وأسلحتها؟! واليهود يعربدون في المقدسات، ويستبيحون الأرض والعرض، دون أن تقوم غضبًا لله! وأين بركة العمر؟! يُعمر أحدنا ثلاثين إلى أربعين سنة إلى خمسين وستين وسبعين وثمانين فتنظر إلى إنجازاته وأعماله فلا تجد فيها عملًا له أثر في المجتمع والأمة والدين والإنسانية.

 

أيها المؤمنون، إن الإنسان قد يكون مباركًا بعمله وصلاحه؛ فالرُّسُل مبارَكون بأعمالهم الصّالحةِ ودَعوتهم إلى الخيرِ والهدَى، قال عيسَى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}  [مريم: 31]، ونوحٌ عَليهِ السَّلام أُهبِط ببركاتٍ من الله {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}  [هود: 48]، وألقَى الله البركةَ على إبراهيمَ وآله، قالَ تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ}  [الصافات: 112، 113] وبارَك في إبراهيم وأهلِ بيته، قال عزَّ وجلَّ: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}  [هود: 73]، ودعَا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ربَّه بالبركَة في العطاءِ في قولِه: «وبارِك لي فيما أعطيتَ»؛ (رواه الترمذي (464).

 

إن من يتفكر ويتدبر في هذا كله وينظر إلى شرائع الدين وأحكامه يجد أن الأعمال والجهود والأعمار والأموال لا يكتب لها الخيرية ولا ينتفع بها الناس مهما كان حجمها وكثرتها ما لم تحل فيها البركة من الله سبحانه وتعالى القائل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}  [الرعد: 17]، وكلُّ شيءٍ لا يكونُ لله فبركتُه منزوعَة، وهو سبحانه الذي يُبارِك وحدَه، والبركةُ كلُّها مِنه، ويباركُ فيمن شاءَ من خلقِه، قال جلَّ وعلا: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}  [الزخرف: 85]، وكلُّ ما نُسِب إليه فهو مبارَك، واسمه تعالى مباركٌ تُنال معه البركة، قال عزَّ وجلَّ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}  [الرحمن: 78]، والله جلَّ وعلا برحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعِف البركات، وليسَت سَعةُ الرزق والعملِ بكثرته، ولا زيادةُ العمر بتعاقُب الشهور والأعوام، ولكن سعةُ الرزقِ والعمُر بالبركة فيه. وإذا أراد الله بعبدٍ خيرًا بارك له في رزقه وكَتَب له الخير فيما أولاه من النعم والبركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، فما أحوجنا إلى بركة الله في أعمارنا وأولادنا وأعمالنا وحياتنا كلها!

 

ما أحوجنا إلى هذه البركة! نسبح في شواطئها، ونغترف من خيرها، ونتلذذ بطعمها في زمن ضعف فيه الإيمان، وقست فيه القلوب، وضاقت فيه النفوس، وتكدر العيش، وإن أول الطرق لكي يستجلب العبد والمجتمع والأمة بركة الله هي التقوى، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}  [الأعراف: 96]، فالتقوى تجلب بركة العمر وبركة الرزق ولذة العبادة والطاعة والأُنْس بالخالق سبحانه وتعالى، قال بعض الصالحين: لقيت غلامًا في طريق مكة يمشي وحده، فقلت: أما معك مؤنس؟ قال: بلى، قلت: أين هو؟ قال: هو أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي. قلت: أما معك زاد؟ قال: بلى. قلت: أين هو؟ قال: الإخلاص والتوحيد والإيمان والتوكل. قلت: هل لك في مرافقتي؟ قال: الرفيق يشغل عن الله، ولا أحب أن أرافق من يشغلني عنه طرفة عين. قلت: أما تستوحش في هذه البرية؟ قال: إن الأُنس بالله قطع عني كل وحشة، فلو كنت بين السباع ما خفتها... قلت: ادعُ لي، قال: حجب الله طرفك عن كل معصية، وألهم قلبك التفكير فيما يرضيه، قلت: أين ألقاك؟ قال: أما في الدنيا فلا تُحدِّث نفسك بلقائي، وأما في الآخرة فإنها مجمع المتقين، وقد اشتاقت نفسي، فإن طلبتني هناك فاطلبني في زمرة الناظرين إلى الله عز وجل... قلت: وكيف علمت؟ قال: بغضِّ الطرف له عن كل محرَّم، واجتنابي في كل منكر ومأثم، وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه، ثم صاح وأقبل يسعى، حتى غاب عن بصري.

 

وذكر الله ولزوم الاستغفار باب يستجلب منه العبد البركة والرزق والخير الوفير، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}  [نوح: 10- 12].

 

وتستجلب البركة بحب النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه؛ فيحصل العبد بهذا الاتباع على حب الله وتوفيقه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}  [آل عمران: 31]، وأخبر سبحانه أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت له الهداية التامة، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}  [النور: 54]، وحذر سبحانه وتعالى من مخالفة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}  [النور: 63]، فحب النبي واتِّباع هديه بركة على الفرد والمجتمع والأمة، وتعود البركة إلى حياتنا بتلاوة كتاب الله وتطبيقه في واقعنا، يقول الله تبارك وتعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ}  [الأنعام: 92]، فالقرآن جعله الله بركة من خلال اتباع تعاليمه وقراءته وتحكيمه، والبيوت التي يُتلى فيها القرآن تحل فيها البركة، والأجساد التي يتلو أصحابها القرآن تحل في حياتهم البركة، والأمة التي تقرأ القرآن أمة مباركة، قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}  [الأنعام: 155]، وسورَةُ البقرة سورَة مبارَكة، مأمورٌ بتعلُّمها وتلاوتها، قالَ عليه الصلاة والسلام: «تعلَّموا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أخْذَها برَكَة، وتركَها حَسرة، ولا تستطيعُها البطَلَة»؛ أي: السَّحَرة، (رواه أحمد ومسلم في الصلاة (804).

 

أيها المؤمنــــــــون، التزام الصدق في السلوك والمعاملة، وفي البيع والشراء، والبعد عن الغش بين أفراد المجتمع، يجلب البركة، قال صلى الله عليه وسلم: «البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما»؛ (متفق عليه)، فكم من أموال لا يُكتَب لها القبول؟! وكم من صفقات تتلاشى وتضمحل وتنتهي ولا يُستفاد منها لعدم حلول البركة فيها؟! ولحرصِ الإسلامِ على الأسرةِ وحلولِ البركةِ فيها وعليها مِن أوّل نشأتها شُرِع الدُّعاء للزوجين بالبركة عندَ النكاح، يقول أبو هريرةَ رضي الله عنه: كانَ النبيُّ إذا رفَّأ الإنسانَ إذا تزوَّج قالَ له: «بارَك الله لك، وبارك عليك، وجمَع بينكما في خير»؛ (رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح"[1091].

 

وأوفرُ الزَّوجاتِ بركةً ما قلَّت المؤونةُ في نكاحها، والزواجُ السَّعيد ما صاحَبَه اليسرُ والتَّسهيلُ، يقول المصطَفى صلى الله عليه وسلم: «أعظمُ النِّساءِ بركةً أيسرُهنَّ مؤونة»؛ (رواه أحمد (6/145)، وصححه الحاكم (2/ 178)، ووافقه الذهبي).

 

وإذا دَخل ربُّ الأسرةِ دارَه شرع بإفشاء السلام على أهله رجاءَ البركة، يقول أنَس رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بنيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فسلِّم، تكُنْ بركةً عليكَ وعلى أهلِ بيتك»؛ (رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح (2698) "، من منا يدخل بيته ويسلم على زوجته وأولاده لتحل البركة على ذلك البيت؟ وسَعة الرِّزق وبركةُ العمُر في صِلةِ الرحِم، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحَبَّ أن يُبسَط له في رِزقه، ويُنسَأ له أثرِه، فليَصِل رَحِمَه»؛ (رواه البخاري (5986).

 

والبركةُ يتحرَّاها العَبْدُ في مَأْكلِه في يومِه وليلتِه، فالطَّعامُ المبارَك ما أكلتَه ممَّا يليك، وتجنَّبتَ الأكلَ من وسطِ الصحفَة أو الإناء، وذكرتَ اسمَ الله عليه، قال عليهِ الصلاة والسلام: «البركةُ تنزل وسطَ الطَّعام، فكُلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وَسطه»؛ (رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح" (1805)،) وأمَر رسول الله بلَعقِ الأصَابعِ والصَّحفة بعدَ الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال: «إنَّكم لا تَدرون في أيِّها البركَة»؛ (رواه مسلم (2033)، وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرُّق نزعٌ لها، يقولُ وحشيُّ بنُ حرب: قالوا: يا رسولَ الله، إنَّا نأكُل ولا نشبع، قال: «فلعلَّكم تفترِقون»، قالوا: نَعَم، قال: «فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارَك لكم فيه»؛ (رواه أبو داود، السلسلة الصحيحة (664).

 

 

عبــــــــاد الله، خير الصُّحبةِ صُحبةُ الإنسان الصالح؛ فإن فيها بركة العمر والوقت والدنيا والآخرة، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}  [الزخرف: 67]، وأزكى المجالسِ وأوفرها بركةً مجالسُ الذِّكْر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، وتصعد الملائكة إلى السماء لترفع تقريرها «فتقول الملائكة لربّها: فيهم فلانٌ ليسَ مِنهم، وإنما جاءَ لحاجةٍ، قال: همُ الجلساءُ لا يشقَى بهم جليسُهم»؛ (البخاري (6408)، فهذا مِن بركَتهم على نفوسِهم وعلى جليسهم.

 

وتحل البركة على المجتمع والوطن والأرض بالصلاح وبنشر الخير وقول كلمة الحق والعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتآلف والأخوة بين أفراد المجتمع، وتأمَّلوا سفينة المجتمع وكيف صوَّرها النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببًا للنجاة وحلول البركة وانتشار الخير، فقال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا»؛ (رواه البخاري)، فاللهم إنا نسألك بركة العمر، وبركة العمل، وبركة المال والولد، وبركة الحياة الدنيا والآخرة.

________________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري

  • 1
  • 0
  • 177
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    بنغلاديش وحكم الشريعة • منهجيا، يوجد فرق كبير وبون شاسع بين الأساليب "الثورية" ومشتقاتها، في تغيير الواقع، وبين سبيل الجهاد؛ ذلك أن الجهاد يغيّر الواقع من جذوره، ويقتلع الباطل من أصله ويجتثه من عروقه، من أصغر جندي في منظومة الطاغوت إلى رأس الهرم فيه، ولا يداهنه أو يحاصصه أو يلتقي معه في منتصف الطريق!، فيثمر الجهاد تغييرا حقيقيا جوهريا لا صوريا، كما هو حال "الثورات" التي يخرج فيه حكم الطاغوت من الشباك ويدخل من النافذة!، وهذا من بركات وثمار التمسك بالسبيل الرباني والتزام الوحي الإلهي، فالله تعالى أعلم بما يُصلح الخلق، ولو كان غير الجهاد سبيلا لدلنا عليه سبحانه، ولسلكه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم. إن سبب فشل هذه "الثورات" المتلاحقة في بنغلاديش وغيرها من بلاد المسلمين، يكمن في بطلان المنطلقات التي انطلقوا منها، فالشباب الذي أطاح بزعيمة بنغلاديش وقبلها بزعماء مصر وتونس واليمن وليبيا، لم ينطلقوا من منطلقات شرعية، ولم يخرجوا ضد الحكام لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ولم تكن غايتهم تطبيق شريعة الله، ولم تكن وسيلتهم الجهاد في سبيل الله، ذلك أنهم نتاج ضخّ عقدي وإعلامي لنفس منظومة الطاغوت الذي ثاروا ضده، فهم حصاد مر لسنوات من الجاهلية التي روجت للسلمية سبيلا للحل، والديمقراطية غايةً في الحكم، وهي كارثة عقدية كبيرة لم تحلّ بشباب بنغلاديش وحدهم، بل ما زالت تعيث فسادا في كل بلدان المسلمين، رغم كل ما أنتجته وأفرزته من ضياع الدين والدنيا. ومن أسباب هذه الكارثة في بنغلاديش، تضييع الولاء والبراء عند كثير من المنتسبين للإسلام، إلى الحد الذي ترى البوذيين الذين قتلوا وهجّروا مئات آلاف المسلمين من ميانمار المجاورة، والهندوس الذين بلغ إجرامهم بحق المسلمين الآفاق؛ يعيشون آمنين مطمئنين بين "الغالبية المسلمة" في بنغلاديش! دون أن تراق دماؤهم ويُثأر منهم للمسلمين، وهذا مثال واحد من أمثلة إفساد عقائد المسلمين، الذين يجمعهم -في الأصل- دين واحد، ومن ذلك أيضا، أنك تجد الناس يخرجون في بنغلاديش دعما لأهل غزة وسخطا على اليهود؛ في الوقت الذي يتركون فيه ويوادعون الهندوس الداعمين بقوة لليهود، في تناقض فجّ لا يفسره إلا فساد العقيدة وانحرافها. هذه الاضطرابات العقدية والمنهجية الخطيرة، لا بد لشباب بنغلاديش أن يسعوا لإصلاحها ويعطوا لذلك الأولوية القصوى في حياتهم، قبل أي تحرك ميداني على الأرض، فيحرصوا على تصحيح العقيدة أولا، ويكفروا بالطاغوت أيا كان عنوانه وصفته، جاهلا كان أم من حملة "الشهادات"، عسكريا أو مدنيا، مدفوعا من الشرق أو مدعوما من الغرب، فكل حكم بغير ما أنزل الله العظيم كفر، وكل حاكم بالقوانين الوضعية أيا كان مصدرها ومرجعها ومشرّعها هو كافر بالله، ثم بعد ذلك، نوصيهم باستغلال كل ثغرة تنتج عن هذه الفوضى للإعداد وجمع السلاح والموارد اللازمة لإحياء فريضة الجهاد على منهاج النبوة، وعدم تضييع الفرصة كما ضيعها غيرهم، فإن دول النظام الجاهلي العالمي لن تدع بلاد البنغال دون طاغوت من ثوبها وعلى شاكلتها في الكفر والظلم، ولن تدع المسلمين يحكمون بشريعة ربهم إلا إن انتزعوا منهم الأرض بالحديد والنار، وذلك لا يكون بغير الجهاد في سبيل الله. وبالجملة، فالواجب على المسلمين في بنغلاديش وكل مكان، أن يصححوا المسار في مواجهة الحكومات المرتدة، فلا يزهقوا أنفسهم في سبيل تغيير شكل الطاغوت، من عسكري إلى مدني أكاديمي، ومن سارق عديم الخبرة إلى سارق محترف، ومن مدمّر للبلاد ناهب لثرواتها إلى معمر لها وبانٍ لاقتصادها، فلا تعمر الأرض بغير شريعة الرحمن، ولو صارت مروجا وقصورا، فالشريعة هي البداية وبغيرها لا سيادة ولا سعادة، ودونها وفي سبيلها تسفك الدماء، هذا هو ديننا الذي ارتضاه لنا ربنا سبحانه، ومن استبطأ النصر واستعظمه، أو أكبر الثمن واستغلاه فلن يصل لمراده، فالغايات العظيمة لا بد لها من بذلٍ عظيم، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. • المصدر: افتتاحية النبأ صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 461 الخميس 16 ربيع الأول 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً