جذوة المصلحين

منذ 2024-10-23

ينبغي للعبد أن يلح دائما على ربه في تثبيت إيمانه، وأن يحسن له الخاتمة، وأن يجعل خير أيامه آخرها، وخير أعماله خواتمها، فإن الله كريم جواد..

يتصدى ثلة من الغيورين وأهل الفضل والعلم لبيان الباطل وكشف زيفه وبطلانه، وتحذير المؤمنين منه؛ وهذا عمل عظيم، بل هو من أفضل ما عبد الله به، لأن من مقاصد القرآن العظيمة: {ولتستبين سبيل المجرمين} ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن بيان العلم والدين عند الاشتباه والالتباس على الناس أفضل ما عبد الله عز وجل به هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى ودين الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدين كله وكفى بالله شهيدًا). انظر: الرد على السبكي (٢/٦٧٨). بيد أن هناك أمرا ينبغي التنبه له خاصة لمن اصطفاه الله لهذا المقام، مقام مقارعة الباطل والرد على أعداء الدين.

وهذا الأمر هو: أن تبقى حرارة الخوف من الزيغ والضلال في القلب، وأن لا يشعر المرء لحظة أنه في مأمن من الانحراف، وأنه لا خوف عليه من الضلال، حتى لا يوكل إلى نفسه فيهلك ويزيغ، فقد يأتيه الشيطان، ويزين له عمله، وأنه حام حمى العقيدة وسورها الأعظم، فيتسلل الأمن من مكر الله إلى قلبه، ويشعر أنه في مأمن من الانحراف والزيغ كيف وهو الذي يبين زيف هذا الباطل ويدحض حججه، ومن أعلم الناس بتهافته.

فجميل بمن سلك الله به سبيل مواجهة أعداء الدين وأهل الباطل وكشف زيفهم؛ أن يعظم في قلبه الخوف من الله، ويكثر من اللجوء إلى ربه، بأن يحفظ إيمانه، ويثبته وأن لا يكله إلى نفسه، ويتضرع كثيرا ويلهج بـ (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك حتى لا ينطفئ حملة المصابيح. وهذا باب من أبواب العلم بالله، فكلما كان العبد بالله أعرف كان منه الخوف. فنبي الله إبراهيم الذي حطم الأصنام بيده كان من دعائه واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، فمن يأمن البلاء بعد إبراهيم.

و أبو بكر الصديق الذي حارب المرتدين وثبت الله به الملة؛ كان يقرأ في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بهذه الآية: ( {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ} )، وكان قراءته لها في أيام حربه مع أهل الردة، وكان سيفه مصلتا عليهم، ولنا في هؤلاء العارفين أسوة فكلما ازداد الإنسان علمًا، وأكرمه الله بمجابهة الباطل ودحضه عليه أن يزداد خوفه على نفسه وإيمانه، وأن يكون دائم الوجل من أن تزول سماء أرضه وإيمانه من مكانهما.

والخلاصة " أنه ينبغي للعبد أن يلح دائما على ربه في تثبيت إيمانه، وأن يحسن له الخاتمة، وأن يجعل خير أيامه آخرها، وخير أعماله خواتمها، فإن الله كريم جواد "رحيم" كما قال السعدي في تيسير اللطيف المتان (٢٨٦).

فإن من أعظم أبواب توفيق الله للعبد أن يسلك به سبيل التضرع، ويوقفه دوما على باب المناجاة والافتقار ويبين له فقره وحاجته وأن لا غنى له عن ربه طرفة عين.

_________________________________________________
الكاتب: طلال بن فواز الحسان

  • 0
  • 0
  • 136
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    بنغلاديش وحكم الشريعة • عصفت ببنغلاديش مؤخرا أحداث واضطرابات أسبابها تراكمية قديمة، تجددت وتنامت شيئا فشيئا إلى أن تمخضت في النهاية عن هروب أو "تهريب" حاكمتها إلى الهند على متن مروحية عسكرية، فيما دخلت البلاد مرحلة من "التداول السياسي" من طاغوت لآخر، في مشهد قارنه الكثيرون بما جرى قبل سنوات في بلدان عربية سقط فيها الحاكم دون الحكم، وهي مقارنة لا تبعد كثيرا عن الواقع من حيث الأسباب والوسائل والنتائج. من ناحية تاريخية، لا تختلف بلاد البنغال كثيرا عن حال بلدان المنطقة من حيث تسلسل أحداث الحكم، فقد استولى البريطانيون الصليبيون على البلاد، ثم تركوها فريسة لصراعات طواغيت باكستان والهند، لتعيش البلاد انقساما مزمنا سيئا أعقبه "استقلال مزعوم" أسوأ، بعد معارك دامية تأتي في سياقها الطبيعي حين يُنازع الطواغيت في حكمهم، ثم استمرت انقلابات ودسائس "المستقلين" على بعضهم حتى رست مراكب الحكم لـ "رئيسة الوزراء" الأخيرة التي ولّت هاربة إلى مشغّليها في الهند، إلا أن القاسم المشترك بين هذه الحكومات المتصارعة على مدار مئات السنين هو الحكم بغير شريعة الإسلام في بلد يوصف بأن غالبيته مسلمة! من حيث الأسباب والغايات، لم تكن غاية خروج الطلاب والناس إلى شوارع بنغلاديش هو المطالبة بتحكيم الشريعة، بل كان الخروج للمطالبة بتنفيذ "إصلاحات" في نظام الحكم لا تخرجه عن كونه نظاما كفريا، لكنها تحقق لـ "الثائرين" مكاسب دنيوية لا أكثر من قبيل "التوزيع العادل للوظائف"، وفي سبيل هذه الغاية أتلف مئات الشباب أنفسهم وصاروا وقودا لـ "معركة الديمقراطية" و "الوطنية" البائسة التي ما زالت فصولها مستمرة حتى اليوم. وهو الأمر ذاته الذي جرى في بعض الدول العربية، حين ثار الناس على الأنظمة الطاغوتية المرتدة، في "ثورات" لم تكن على بصيرة من أمرها ولم تسلك سبيل ربها، فانتهت بإبدال طواغيت بطواغيت آخرين أشد فتكا وكفرا، فالمشهد في بنغلاديش يعيد ما جرى في تلك البلدان، حين أسقطوا الطاغوت وأبقوا حكمه وأعوانه ونظامه العميق المتغلغل في كل نواحي الحياة، فهم في الواقع لم يزيدوا على تغيير الرأس برأس آخر، يختلف شكلا لا مضمونا، لتبقى منظومة الطاغوت الكفرية مهيمنة على بلاد المسلمين. منهجيا، يوجد فرق كبير وبون شاسع بين الأساليب "الثورية" ومشتقاتها، في تغيير الواقع، وبين سبيل الجهاد؛ ذلك أن الجهاد يغيّر الواقع من جذوره، ويقتلع الباطل من أصله ويجتثه من عروقه، من أصغر جندي في منظومة الطاغوت إلى رأس الهرم فيه، ولا يداهنه أو يحاصصه أو يلتقي معه في منتصف الطريق!، فيثمر الجهاد تغييرا حقيقيا جوهريا لا صوريا، كما هو حال "الثورات" التي يخرج فيه حكم الطاغوت من الشباك ويدخل من النافذة!، وهذا من بركات وثمار التمسك بالسبيل الرباني والتزام الوحي الإلهي، فالله تعالى أعلم بما يُصلح الخلق، ولو كان غير الجهاد سبيلا لدلنا عليه سبحانه، ولسلكه نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته رضوان الله عليهم. إن سبب فشل هذه "الثورات" المتلاحقة في بنغلاديش وغيرها من بلاد المسلمين، يكمن في بطلان المنطلقات التي انطلقوا منها، فالشباب الذي أطاح بزعيمة بنغلاديش وقبلها بزعماء مصر وتونس واليمن وليبيا، لم ينطلقوا من منطلقات شرعية، ولم يخرجوا ضد الحكام لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، ولم تكن غايتهم تطبيق شريعة الله، ولم تكن وسيلتهم الجهاد في سبيل الله، ذلك أنهم نتاج ضخّ عقدي وإعلامي لنفس منظومة الطاغوت الذي ثاروا ضده، فهم حصاد مر لسنوات من الجاهلية التي روجت للسلمية سبيلا للحل، والديمقراطية غايةً في الحكم، وهي كارثة عقدية كبيرة لم تحلّ بشباب بنغلاديش وحدهم، بل ما زالت تعيث فسادا في كل بلدان المسلمين، رغم كل ما أنتجته وأفرزته من ضياع الدين والدنيا. ومن أسباب هذه الكارثة في بنغلاديش، تضييع الولاء والبراء عند كثير من المنتسبين للإسلام، إلى الحد الذي ترى البوذيين الذين قتلوا وهجّروا مئات آلاف المسلمين من ميانمار المجاورة، والهندوس الذين بلغ إجرامهم بحق المسلمين الآفاق؛ يعيشون آمنين مطمئنين بين "الغالبية المسلمة" في بنغلاديش! دون أن تراق دماؤهم ويُثأر منهم للمسلمين، وهذا مثال واحد من أمثلة إفساد عقائد المسلمين، الذين يجمعهم -في الأصل- دين واحد، ومن ذلك أيضا، أنك تجد الناس يخرجون في بنغلاديش دعما لأهل غزة وسخطا على اليهود؛ في الوقت الذي يتركون فيه ويوادعون الهندوس الداعمين بقوة لليهود، في تناقض فجّ لا يفسره إلا فساد العقيدة وانحرافها. • المصدر: افتتاحية النبأ صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 461 الخميس 16 ربيع الأول 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً