بالعلم ترتقي الأمم
إن دين الإسلام قد اعتنى عناية عظيمة بالعلم والتعلُّم، وحثَّ الأمة على طلب العلم وإعمال العقل، وعلى البحث في ميادين المعارف والعلوم
إن دين الإسلام قد اعتنى عناية عظيمة بالعلم والتعلُّم، وحثَّ الأمة على طلب العلم وإعمال العقل، وعلى البحث في ميادين المعارف والعلوم، وفي مجالات الحياة، وما ذلك إلا لِما للعلم من مكانة عظيمة، ومنزلة رفيعة، وعنوانِ سعادةٍ، ونور وضياء؛ إذ العلم قِوامُ الحياة، وأصل النهضة، وعماد الحضارات، ووسيلة للتقدم والسمو أفرادًا وجماعات، وفي أولى آيات القرآن نزولًا - عباد الله - دعوة إلى التعلُّم والحفظ والكتابة، التي هي وسائله وأسبابه وطرقه: ﴿ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ﴾ [سورة العلق:1 - 5].
فمن عظيم خصائص الإنسان العلمُ والعقل، والعلم هو الحفظ، فمن عجز عنه، فعليه بالكتابة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( «قُيِّد العلم بالكتاب» ))[1].
ومن عظيم شأن العلم أنه فرض وواجب على كل مسلم أن يتعلم من العلم ما يقوم عليه دينه، وما يحتاج إليه.
من فضل العلم - عباد الله - أن قال الله عز وجل: ﴿ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الْأَلْبَابِ} ﴾ [سورة الزمر: 9]، وقال تعالى: ﴿ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ﴾ [سورة المجادلة: 11]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: )( «إنَّ الملائكةَ تضَعُ أجنحتَها لطالبِ العِلمِ رضًا بما يصنع» )([2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (( «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة» ))[3].
ولهذا الشأن العظيم للعلم والتعلُّم سار سادةُ الدنيا من الأصحاب والأتباع والسلف الصالح يوجِّهون النشء إليه، وإلى الاهتمام بالعلم؛ لينشؤوا صالحين لأنفسهم، نافعين لأُمَّتِهم.
قال مصعب بن الزبير لابنه: "تعلَّم العلم؛ فإن يكن لك مالٌ، كان لك جمالًا، وإن لم يكن لك مال، كان لك مالًا".
ولتعلموا أن تسابُقَ الأُمَمِ وتنافسها إنما هو في ميادين العلم، فالأُمَّة التي لا تحظى بالعلم المثمر لا مكان لها بين الأمم، ومما يدل على ذلك ما يكون فيها من سُبُلِ العلم والتعلم، وفي بلدنا هذه خاصة من الاهتمام بالطلاب، وبوسائل علمهم وتعلمهم، ما يشهده كل ناظر؛ من مدارسَ بجميع مراحلها، ومن معاهد وكليات وتعليم عالٍ؛ وما ذلك إلا للنهوض بالأفراد إلى المعالي، وإبعادهم عن أسباب الضعف العلمي، وها هي المدارس - عباد الله - قد فتحت أبوابها للأساتذة العلماء، والمعلِّمين النُّشطاء، والمتعلمين النجباء، ليكملوا مراحل العلم بجدٍّ واجتهاد.
سَيَسْتَذْكِرُ المعلِّم، ويتعلَّم المتعلم، ويحوزون الثمرات الطيبة والفوائد العظيمة، فانشطوا - أيها المعلِّمون - في توجيه النشء إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والدين، كونوا قدوة صالحين، بُثُّوا في نفوس الطلاب والتلاميذ الأخلاقَ العالية، والقِيَمَ النبيلة، متأدِّبين بآداب الدين، وحسن الخلق، وحسن المعاملة، وتحمُّل الأذى، ولين الجانب، وتوقير الكبير، وإنصاف الزميل، والرحمة بالصغير؛ فالعلمُ - عباد الله - علم وعمل ودعوة، والعلم خشية ووقار: ﴿ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} ﴾ [سورة فاطر: 28].
يا قادة العلم هُبُّوا وانشروا هِمَمًا ** نطوي بها جهلنا حقًّا ونزدجـــــرُ
العلم يرفع بيتًا لا عماد لـــــــــــه ** والجهل يهدم بيتَ العزِّ والشرفِ
فإن أعظم ما يوجَّه إليه الأبناءُ والبَناتُ الأخلاقُ الكريمة، التي هي ثمرة التقوى، وأساس الخير، وأصل للتعاون، ونجاح الآمال بإذن الله تعالى، إذا حسُنتِ النِّيَّات، وصلحت الأعمال، وصدقت الأقوال، وهذه الأخلاق الحسنة إنما هي أصل من أصول الإسلام، وأصل البعثة: (( «إنما بُعِثْتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق» )).
صلاح أمرك للأخلاق مرجعــــــــــــه ** فقوِّمِ النفس بالأخلاق تَسْتَقِـــــمِ
والنفس من خيرها في خير وعافية ** والنفس من شرِّها في مَرْتَعٍ وخِمِ
نغرس في نفوس أبنائنا - عباد الله - قوة العلاقة بالله سبحانه؛ من توحيده وحبِّه، ورجائه والخوف منه، والتوكل عليه، والاستعانة به في أمور الدين والدنيا، وأن يتخلَّقوا بمحاسن الأخلاق من المعاملة الحسنة، والقول الحسن، وألَّا يكونوا ممن عناهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( «ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللَّعَّان، ولا الفاحش ولا البذيءِ» ))[4].
وأن يعتاد الطالب احترام المواعيد، ولا يعتاد إخلافها، وأن يتجنب الكذب في جميع أقواله؛ حتى يكون محبوبًا إلى الله وإلى الناس؛ إذ الكذب يُقصي عن الله سبحانه، ويُبغِّضه إلى الخَلْقِ، وأن يكون الطالب حريصًا على كل ما ينفعه في أمر دينه ودنياه، يبتعد عن العجز والكسل، وأن يُبغِض الغش في دراسته، وفي صوره كلها؛ ويستذكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( «من غشَّ فليس منا» )).
واستعينوا - أيها التلاميذ وأيها الطلاب - بالله سبحانه؛ ببذل الأسباب في تحصيل العلوم، وحفظ ما ينبغي حفظه، وفَهم ما يُراد فهمه، ونظِّموا أوقاتكم، ولا تنتظم الأوقات إلا بانتظامك بالصلوات الخمس، والمحافظة عليها.
وأنت - أيها الطالب في مدرستك أو معهدك أو جامعتك - في ميدان عظيم؛ فاعرِف له قدره، وأعْطِهِ حقه من الجد والاجتهاد، والإخلاص والنشاط، ودَعْ عنك كلَّ ما قلَّ نفعُه، وكثُر ضرره، واجعل الأجهزة الإلكترونية منها ما ينفعك، وتستعين بها في أمر دراستك، وفيما أباح الله عز وجل لك، وكن نبيهًا لِما فيها من أخطار وأضرار.
ولتعلموا - عباد الله - أن من أسباب الخير في بلدنا هذا ميادينَ العلم، والعنايةَ بالنشء؛ من مراكز منتشرة من حلقات القرآن في المساجد، ومن دور السراج المنير للمرحلة الابتدائية والمتوسطة، ودور القرآن للدراسات الشرعية، ومراكز الأُتْرُجَّة لتحفيظ القرآن؛ فإنها خير مُعين للتعلُّم والحفظ، واستثمار الأوقات، سلك الله بي وبكم طريق مرضاته، وأصلح لنا النية والذرية، اللهم اهدِنا ويسِّر الهدى لنا.
[1] أخرجه الطبراني (13/ 466) (14329).
[2] أخرجه النسائي (158).
[3] مسلم (2699).
[4] الترمذي (1977)، وأحمد (3839).
____________________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري
- التصنيف:
عنان عوني العنزي
منذ