شرح آيات وأحاديث فى فضل الذكر
قال الله تَعَالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}
فضل الذكر
قال الله تَعَالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}
يعني: اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة؛ فحق على الله أن يذكر من ذكره؛ فمن ذكره في طاعة ذكره الله بخير، ومن ذكره في معصية ذكره الله باللعنة وسوء الدار.
وقيل: اذكروني في الرخاء أذكركم في البلاء.
{(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)}
يعني: اذكروا الله باللسان، واذكروه في الأحوال كلها؛ لأن الإنسان لا يخلو إما أن يكون في الطاعة، أو في المعصية، أو في النعمة أو في الشدة؛ فإذا كان في الطاعة ينبغي أن يذكر الله – تعالى – ويقر بالإخلاص، ويسأله القبول والتوفيق؛ وإذا كان في المعصية، ينبغي أن يذكر الله – تعالى – ويسأله التوبة والمغفرة؛ وإذا كان في النعمة، يذكره بالشكر؛ وإذا كان في الشدة يذكره بالصبر.
وقيل: (اذكروا الله)، أثنوا عليه بضروب الثناء، من التقديس والتمجيد والتهليل والتكبير، وما هو أهله، وأكثروا ذلك.
ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره: تكثير الإقبال على العبادة؛ فإن كل طاعة، وكل خير من جملة الذكر.
{(وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لـَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)} .
يعني: الذين يذكرون الله – تعالى – باللسان من الرجال والنساء؛ وهذا في مقام المدح للذاكرين والذاكرات.
والذاكر الله كثيراً من لا يكاد يخلو من ذكر الله بقلبه، أو لسانه، أو بهما.
وقراءة القرآن، والاشتغال بالعلم من الذكر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من استيقظ من نومه وأيقظ امرأته، وصليا جميعاً ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات» .صحيح أبي داوود للألباني
وإذا واظب الإنسان على الأذكار المأثورة صباحاً ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً، كان من الذاكرين الله كثيراً.
( {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الـْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} ).
يعني: اقرأ يا محمد إذا كنت إماماً في نفسك تَضَرُّعًا أي: مستكيناً، وَخِيفَةً اى: خوفاً من عذابه.
وقال الضحاك: (معناه: اجهر بالقراءة في صلاة الغداة والمغرب والعشاء).
وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ يعني: لا تغفل عن القراءة في الظهر والعصر؛ فإنك تخفي القراءة فيهما.
قال الزمخشري رحمه الله: (قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا } عامٌّ في الأذكار من قراءة القرآن، والدعاء، والتسبيح، والتهليل، وغير ذلك. {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} تضرعاً وخائفاً. { وَدُونَ الـْجَهْرِ} ومتكلماً كلاماً دون الجهر؛ لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص، وأقرب إلى حسن التفكر {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} لشغل هذين الوقتين، أو أراد الدوام، ومعنى بِالْغُدُوِّ بأوقات الغدو؛ وهي الغدوات وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ من الذين يغفلون عن ذكر الله، ويلهون عنه).
قوله: {بِالْغُدُوِّ} أي: أول النهار.
قوله: {وَالْآصَالِ} جمع أصيل؛ وهو ما بين العصر إلى المغرب.
وقال: «(مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ؛ مَثَلُ الحَيِّ وَالْـمَيِّتِ)»
صحابي الحديث هو أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس
قوله: (مثل الذي) أي: مثل الرجل الذي (يذكر ربه) بنوع من أنواع الذكر.
ووجه التشبيه بين الميت والغافل عدم النفع والانتفاع من كل واحد منهما؛ ويمكن أن يراد من قوله: (الحي والميت) الموجود والمعدوم؛ بأن يكون شبه الذاكر بالموجود، والغافل بالمعدوم، فكما أن الموجود له ثمرات، فكذلك الذاكر له ثمرات في الدنيا والآخرة، وكما أن المعدوم ليس له شيء، فكذلك الغافل ليس له شيء لا في الدنيا ولا في الآخرة.
والمثل في أصل كلامهم بمعنى: المِثل وهو النظير.
وقال « (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمَالِكُمْ، وأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ؟) قَالوُا: بَلَى. قَالَ: (ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى)»
صحابي الحديث هو أبو الدرداء عويمر بن عامر.
إن ذكر الله أفضل من جميع الأعمال، بل وأزكى الأعمال، وأرفعها للدرجات، وإنه أفضل من الصدقة؛ حيث قال: (وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِقِ)، وإنه أفضل من الجهاد، حيث قال: (وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم)، وضرب أعناق الأعداء جهاد، وأفضل من الشهادة؛ حيث قال: (ويضربوا أعناقكم)؛ لأن الشهادة الفاضلة أن تضرب الأعناق في أيدي الأعداء، في سبيل الله تعالى.
قوله: (ألا) كلمة تنبيه؛ كأن المتكلم ينبه المخاطب على أمر عظيم الشأن، ظاهر البرهان.
قوله: (أنبِّئكم) من النبأ وهو الخبر، ومنه النبي؛ لأنه مُخْبَر من الله تعالى.
قوله: (وخير) هنا بمعنى أخْيَر؛ لأن لفظة (خير وشر) يستعملان في موضع أفعل للتفضيل على صيغتهما هكذا.
قوله: (وأزكى) أي: أطهر من الزكاة؛ وهي الطهارة، قال الله تعالى: âقَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىá أي: تطهر، أو من النماء، يقال: زكى الزرع إذا نمى.
قوله: (المليك) اسم من أسماء الله تعالى، والمليك والملك والمالك كلها من الملك.
قوله: (الوَرِق) أي: الفضة.
قوله: (بلى) أي: بلى أخبرنا؛ لأن (بلى) مختصة بإيجاب النفي، استفهاماً كان ذلك النفي أو خبراً، تقول في جواب من يقول: لم يقم زيد أو: ألم يقم زيد؟ بلى؛ أي: بلى قد قام، ومنه قوله تعالى: أي: بلى أنت ربنا، ولو قالوا: (نعم)، لكان كفراً؛ لأن (نعم) مقررة لما قبلها، نفياً كان أو إيجاباً، إلا أن يحمل على العرف.
وقال: (يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي؛ فَإنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُـهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُـهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإنْ تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِليْهِ ذِرَاعَاً، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ بَاعاً، وإنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)
- صحابي الحديث هو أبو هريرة؛ مختلف في اسمه على أقوال كثيرة، وأرجحها كما يقول البعض: عبدالرحمن بن صخر
قوله: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي) أي: إن الله تعالى عند ظن عبده به؛ إن ظن خيراً فله، وإن ظن به سوى ذلك فله.
وفي رواية: «(إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيراً فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ)»
و(معنى: (ظن عبدي بي)؛ ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القَبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكاً بصادق وعده، ويؤيده قوله: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة))..، ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقناً بأن الله يقبله ويغفر له؛ لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد؛ فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِّلَ إلى ما ظن، وأما ظن المغفرة مع الإصرار؛ فذلك محض الجهل والغِرَّة)
قوله: (وأنا معه إذا ذكرني) كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} .
وهذه المعية خاصة بالمؤمنين، وهي تقتضي الحفظ والرعاية والتوفيق والتأييد...، وهي غير المعية العامة التي تشمل الخلق جميعاً، وتكون بالعلم؛ كقوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}
قوله: ( «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» ) أي: إن ذكرني بالتنزيه والتقديس والتعظيم سراً، وبالخوف والوجل حال الخلوة، ذكرته في نفسي ذكراً يقتضي الإثابة والإنعام والحفظ والرعاية.
قوله: ( «وإن ذكرني في ملأ» ) أي: جماعة ( «ذكرته في ملأ خير منهم» ) أي: في جماعة من الملائكة خير من جماعته التي ذكرني عندهم.
قوله: ( «وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً» ..إلخ) ومعنى ذلك: أن العبد إذا تقرب إلى الله تعالى بالطاعة، وأداء ما أمر به وحث عليه، بقدر معين قليلاً كان أو كثيراً، كان تقرب الله تعالى إليه بالإثابة والإنعام والرحمة أعظم وأسرع.
قوله: (باعاً) والباع هو قدر مَدّ اليدين.
قوله: (الهرولة) هي ضرب من المشي السريع.
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ أنَّ رَجُلاً قَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ؛ قَالَ: (لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللهِ)»
قوله: (إن شرائع الإسلام) هي: جمع شريعة؛ وهي: الطريقة المرضية؛ أي: إن أمور الإسلام كثُرتْ عليَّ؛ مثل: الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والجهاد..، وغير ذلك من الأعمال البدنية والمالية، والكف عن المحظورات، والامتناع عما فيه من العقوبات والكفارات..، ونحو ذلك.
وقوله: (فأخبرني بشيء أتشبث به) أي: لَـمَّـا لم أقدر أن أخرج عن عهدة أمور الشريعة كما هو حقها، ولا أقدر على مواظبتها ومداومتها دائماً، فأخبرني بشيء أتشبث به، لعلي أفوز بذلك، ويكون ذلك شيئاً كثيراً في الميزان، يسيراً في الإتيان.
و(التشبُّث) التعلُّق؛ أي: التمسك به، وأتعلق به؛ فقال له رسول الله (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله )؛ يعني: لا تزال رطوبة لسانك مستمرة من الذكر، وإنما قلت هكذا لأنَّ رطوبة اللسان كناية عن اشتغاله بالذكر.
وَقَالَ: «(مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللـهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لا أَقُولُ: الـــم حرْفٌ؛ وَلَكِنْ: أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ)»
- صحابي الحديث هو عبدالله بن مسعود
قوله: (من قرأ حرفاً) أي: أي حرف (من كتاب الله عز وجل فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها) أي: تضاعف إلى عشرة أضعاف.
قوله: (لا أقول: الـــم حرف)، وهذا تأكيد وتوضيح على أن كل حرف من كتاب الله تعالى على قراءته أجر، بل ولا يظن الظان أن الـــم حرف واحد، بل ألف حرف) وعلى قراءته عشر حسنات، و(لام حرف) وعلى قراءته عشر حسنات، (ميم حرف) وعلى قراءته عشر حسنات.
وفيه حَثٌّ على الإكثار من تلاوة القرآن، الذكر العظيم، الذي يحمل الأجور المضاعفة الكثيرة.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ الله وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقالَ: (أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمِ إلَى بُطْحَانَ أوْ إلى الْعَقِيقِ فَيَأْتِي مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْر إثْمٍ وَلا قَطِيْعَةِ رَحِمٍ؟) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللـهِ نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: (أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلَى الْـمَسْجِدِ فَيعْلَمَ، أوْ يَقْرَأَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللـهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ، وَأرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أرْبَعٍ، ومِنْ أعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ)»
قوله: (ونحن في الصُّفَّة) والصفة مكان في مؤخر المسجد، أعد لنزول من لا مأوى له ولا أهل.
قوله: (يغدو) أي: يذهب في أول النهار.
قوله: (إلى بُطحان) اسم وادٍ في المدينة؛ وسمي بذلك لسعته وانبساطه؛ من البطح وهو البسط.
قوله: (أو إلى العقيق) قيل: أراد العقيق الأصغر؛ وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة.
وقوله: (أو) إما شك من الراوي، وإما للتنويع؛ لأنهما أي: بطحان والعقيق – أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل في المدينة.
قوله: (كوماوين) تثنية كوماء – قلبت الهمزة واواً -؛ وهي الناقة العظيمة السنام؛ وهي من خيار أموال العرب.
قوله: (في غير إثم) أي: كالسرقة والغصب.
قوله: (ولا قطيعة رحم) أي: ولا يوجب قطيعة رحم.
قوله: (ومن أعدادهن) أي: أن الآيتين خير من ناقتين ومن أعدادهما من الإبل، وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الإبل،
وكذا أربع...
والحاصل أن النبي أراد ترغيبهم في قراءة القرآن، وتزهيدهم في الدنيا ومتاعها.
وقال: «(مَنْ قَعَدَ مَقْعَداً لَـمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيْهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، ومَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعاً لَـمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ)»
صحابي الحديث هو أبو هريرة.
يعني: من جلس مجلساً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة؛ أي: نقص؛ أصله من وَتَرَ يَتِرُ تِرَةٌ، ومنه قوله تعالى: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
قال الزمخشري – رحمه الله -: (من وَتَرْتَ الرجل إذا قَتَلْتَ له قَتيلاً من ولد أو أخ أو حميم، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله؛ من الوتر: وهو الفرد؛ فشبه إضاعة عمل العامل، وتعطيل ثوابه بوتر الواتر، وهو من فصيح الكلام، ومنه قوله: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله)؛ أي: أفرد عنهما قتلاً ونهباً.
وأشار بذلك إلى أنه على العبد أن يستغرق جميع أوقاته، في جميع أحواله بذكر الله تعالى ولا يفتُرُ عنه؛ فإن تركهُ حسرة وندامة.
قوله: (مضجعاً) المضجع: موضع النوم، من الاضطجاع وهو النوم.
وقَالَ: (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَـمْ يَذْكُرُوا اللهَ فيهِ، وَلَـمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ؛ فَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وإنْ شَاءَ غَفَرَ لـَـهُمْ)
- صحابي الحديث هو أبو هريرة.
قوله: (ترة) أي: نقص وحسرة وندامة.
قوله: (فإن شاء عذبهم) أي: على تقصيرهم بعدم ذكر الله تعالى أو الصلاة على النبي في مجالسهم التي جلسوا فيها.
قوله: (وإن شاء غفر لهم) أي: فضلاً منه ورحمة.
وفيه إشارة إلى أنهم إذا ذكروا الله تعالى لم يعذبهم حتماً، بل يغفر لهم جزماً.
وقَالَ: «(مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيْفَةِ حِمَارٍ؛ وكَانَ لَـهُمْ حَسْرَةً)»
- صحابي الحديث هو أبو هريرة
قوله: (عن مثل جيفة حمار) أي: أن الذين يقومون عن مجلس فيه جيفة حمار، لا يحصل لهم إلا روائح منتنة كريهة مضرة، ولا يقومون إلا وهم بندامة وحسرة من ذلك، فكذلك القوم الذين يقومون عن مجلس بغير ذكر الله تعالى، لا يحصل لهم إلا ذنوب الأباطيل، واللغط من الكلام، وأشياء تضر الآخرة، ولم يزالوا في ندامة وحسرة.
- التصنيف:
- المصدر:
عنان عوني العنزي
منذ