من درر العلامة ابن القيم عن حفظ اللسان

منذ 2025-02-08

فحفظ اللسان من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله أن ينفع بها الجميع

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: فحفظ اللسان من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

                             [كتاب: زاد المعاد في خير المعاد]

  • راحة اللسان:

قال ثابت بن قرة: راحة الجسم في قلة الطعام, وراحة القلب في قلة الآثام, وراحة اللسان في قلة الكلام.

                [كتاب: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين]

ولهذا كان الصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتهما, فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان, كالنميمة, والغيبة, والكذب, والمراء, والثناء على النفس تعريضاً وتصريحاً, وحكاية كلام الناس, والطعن على من يبغضه, ومدح من يحبه ونحو ذلك.

وإذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد, فإنه يعز عليه الصبر عنها, ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار...ويطلق لسانه في الغيبة, والنميمة, والتفكه بأعراض الخلق, والقول على الله ما لا يعلم.

                 [كتاب: الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة]

  • فساد اللسان

وأي فساد أعظم من فساد لسان تعطل عن ذكره وما جاء به، وتلاوة كلامه، ونصيحة عباده وإرشادهم، ودعوتهم إلى الله؟

                             [كتاب: التبيان في أيمان القرآن]

  • خطر اللسان:

جعل سبحانه على اللسان غلقين؛ أحدهما: الأسنان، والثاني: الفم... وجعل على العين غطاءً واحدًا، ولم يجعل على الأذن غطاءً؛ وذلك لخطر اللسان وشرفه وخطر حركاته. وفي ذلك من اللطائف فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر وآفة النظر أكثر من آفة السمع فجعل للأكثر آفات طبقتين وللمتوسط طبقًا واحدًا وجعل الأقل آفةً بلا طبق

                      [كتاب: تحفة المودود بأحكام المولود]

  • البلاء موكل بالقول:

من البلاء الحاصل بالقول: قول الشيخ البائس الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه حمى، فقال: (( لا بأس، طهور إن شاء الله ))، فقال: بل حمى تفور على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( فنعم إذًا )).

وقد رأينا من هذا عبرًا فينا وفي غيرنا، والذي رأيناه كقطرة من بحر؛ قال الشاعر:

             شَفَّ المؤمل يوم النقلة النظرُ *** ليت المؤملَ لم يُخلق له البصرُ

فلم يلبث أن عمي، فحفظ المنطق وتخيُّر الأسماء من توفيق الله للعبد.

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:

          احذر لسانك أن يقول فتُبتلى *** إن البلاء مُـوكل بالمنطـق

                             [كتاب: الداء والدواء ]

  • يهون على الإنسان الاحتراز من الحرام ويصعب عليه التحفظ من لسانه:

ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر  ومن النظر المحرم وغير ذلك, ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه, حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة, وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله, لا يلقى لها بالاً, يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب, وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم, ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات, ولا يبالي بما يقول.

وإذا أردت أن تعرف ذلك, فانظر إلى ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان, فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألي عليّ أني لا أغفر لفلان ؟ قد غفرتُ له, وأحبطتُ عملك )

فهذا العابد الذي عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال  «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالاً, يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله, لا يلقى لها بالاً, يهوى بها في جهنم» 

وعند مسلم:  « إن العبد ليتكلم بالكلمة, ما يتبين ما فيها, يهوى بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب » 

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه:  «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» 

وقد كان السلف يحاسب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار, ويوم بارد.

وأيسر حركات الجوارح حركة اللسان, وهي أضرها على العبد.

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: هذا أوردني الموارد. 

والكلام أسيرك, فإذا خرج من فيك صرت أسيره.  

  • في اللسان آفتان عظيمتان:

في اللسان آفتان عظيمتان: إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى: آفة الكلام, وآفة السكوت.

وقد يكون كل منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها, فالساكت عن الحق شيطان أخرس, عاصٍ لله مراءٍ مُداهن إذ لم يخف على نفسه, والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاصٍ لله, وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته, فهم بين هذين النوعين.

وأهل الوسط – وهم أهل الصراط المستقيم – كفوا ألسنتهم عن الباطل, وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الآخرة, فلا يرى أحدهم أنه يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة, فضلاً أن تضره في آخرته.

وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال, فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها, ويأتي بسيئات أمثال الجبال, فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به.

  • حفظ اللفظات:

وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة, بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه, فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها فائدة أمسك عنها, وإن كان فيها ربح نظر: هل يفوته بها كلمة هي أربح منها, فلا يضيعها بهذه.

  • حركة اللسان تدل على ما في القلب:

إذا أردت أن تستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان, فإنه يُطلعُ ما في القلب, شاء صاحبه أم أبى.                       

الله سبحانه ابتلى...الإنسان بعدو لا يفارقه طرفة عين, ينام ولا ينام عنه, ويغفل ولا يغفل عنه, يراه هو وقبيلُه من حيث لا يراه, يبذل جهده في معاداته في كل حال, ولا يدع أمراً يكيده به يقدر على إيصاله إليه إلا أوصله...قد نصب له الحبائل,...والفخاخ والشباك, وقال لأعوانه: دونكم عدوكم وعدو أبيكم, لا يفوتنكم, ولا يكن حظُّه الجنة وحظُّكم النار, ونصيبُه الرحمة ونصيبكم اللعنة, وقد علمتم أن ما جرى عليّ وعليكم من الخزي واللعن والإبعاد من رحمة الله فبسببه ومن أجله, فابذلوا جهدكم أن يكونوا شركاءنا في هذه البلية...قوموا على ثغر اللسان, فإنه الثغر الأعظم...فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه, وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه...فالرباط الرباط على هذا الثغر...فزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق, وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق.

                    كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 3
  • 0
  • 136

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً