شهر الخير والبركات
ينبغي علينا أن نجتهد في هذا الشهر الكريم كما كان عليه الصلاة والسلام يجتهد فيه، ونسارع إلى فعل كل طاعة تقرِّبنا إلى الله عز وجل، والحذر مما يكون سببًا في إضاعة هذه الأوقات الفاضلة، فلا تكن يا أخي في النهار صائمًا، وفي الليل مبارزًا لله بالذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
معاشر الأحبة، فقد حلَّ بنا شهرٌ عظيم، وضيف كريم، إنه شهر الخير والبركات، وشهر المنح والهبات، شهرٌ ألِفناه في كل عام يَطرُق الباب، ثم ينسِلُّ كالضباب، لا تَمَلُّ النفوس أيامه، ولا تسأَم صيامه وقيامه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة»؛ (رواه البخاري رحمه الله (1898)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلِّقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين»؛ (رواه مسلم رحمه الله (1079) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
فينبغي علينا أن نجتهد في هذا الشهر الكريم كما كان عليه الصلاة والسلام يجتهد فيه، ونسارع إلى فعل كل طاعة تقرِّبنا إلى الله عز وجل، والحذر مما يكون سببًا في إضاعة هذه الأوقات الفاضلة، فلا تكن يا أخي في النهار صائمًا، وفي الليل مبارزًا لله بالذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية.
ولنحرص على قيام رمضان لِما فيه من الفضل والأجر؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ (رواه البخاري رحمه الله (38)).
وعلينا أن نغتنم هذا الشهر الكريم بالإنفاق وسائر الطاعات؛ إما بتفطير الصائمين، أو شراء الأطعمة وتوزيعها على المحتاجين، أو نفع المسلمين عمومًا في هذا الشهر الكريم، فهو شهر الجود والكرم؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»؛ (متفق عليه).
وفي هذا الشهر الكريم الكثير من الفضائل والبركات، فمن ذلك:
صلاة التراويح؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»؛ (رواه أبو داود رحمه الله (1375)، وقال الألباني رحمه الله: حديث صحيح).
• تعجيل الفطر وتأخير السحور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»؛ رواه البخاري ((1957)، ومسلم (1098) رحمهم الله تعالى).
• أكلة السحور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»؛ (أخرجه البخاري (1923)، ومسلم (1095) رحمهم الله تعالى).
ومن منافع تناول أكلة السحور:
الاستيقاظ والدعاء في السحر.
اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب.
التقوِّي على العبادة.
الزيادة في النشاط.
مدافعة سوء الخلق الذي يُثيره الجوع.
(فتح الباري لابن حجر رحمه الله 5/ 270).
نزول القرآن قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
يقول الشيخ عمر السكران حفظه الله تعالى: استعرِض كلَّ شهور السنة الفاضلة: شهور الحج، الأشهر الحرم، لن تجد كثافة في الإشارة للقرآن كما تجده في علاقة القرآن، وإذا حاول المرء أن يتأمَّل سرَّ العلاقة بين رمضان والقرآن، أو أزمان الصيام والقرآن، فإنه يمكن أن تكون العلاقة أن الصيام يهذِّب النفس البشرية فتتهيَّأ لاستقبال القرآن، ففي أيام الصيام تكون النفس هادئة ساكنة بسبب ترك فضول الطعام؛ ا.هـ (الطريق إلى القرآن).
وقد كان لعلماء السلف رحمهم الله تعالى مواقفُ مُشرقة مع القرآن في هذا الشهر الفضيل، فمن تلك المواقف المشرقة موقفُ الإمام البخاري رحمه الله، فقد كانت له ختمة في النهار كل يوم، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة، وكذلك الإمام الشافعي رحمه الله كانت له ستين ختمة، فلا نستغرب هذه الأخبار الواردة إلينا؛ لأنهم كانوا يعيشون مع القرآن، وطرح الله البركة في أوقاتهم؛ يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: إن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العملُ الكثير؛ (فتح الباري 6/ 562).
(ليلة القدر):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛ (رواه البخاري رحمه الله (2014)).
اللهم وفِّقنا للصيام والقيام، وإدراك ليلة القدر، واجعَل اللهم القرآن العظيم ربيعَ قلوبنا وجلاءَ أحزاننا، وشفاءَ صدورنا من الأسقام، وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
_______________________________________________
الكاتب: عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
- التصنيف: