الصبر والتأني في الأمور
من لم يصبِّر نفسَه على الصبر، كثُر اعتراضه وتسخُّطه على أقدار الله المؤلمة، ولقد ذُكر الصبر في القرآن ما يقارب 92 مرة في عدة مواضع؛ مما يدل على أهميته
الصبر مثلُ اسْمه مرٌّ مذاقُه ** لكنَّ عواقبَه أَحلى من العسلِ
من لم يصبِّر نفسَه على الصبر، كثُر اعتراضه وتسخُّطه على أقدار الله المؤلمة، ولقد ذُكر الصبر في القرآن ما يقارب 92 مرة في عدة مواضع؛ مما يدل على أهميته، تارة عند المصائب قوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وتارَة عند الاستعانة على نوائب الدين والدنيا؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ)؛ رواه مسلم رحمه الله 223.
ولا بد للإنسان من تعويد نفسه على الصبر؛ لِما فيه من خيري الدنيا والآخرة، والدنيا محفوفة بالمصائب والمنغصِّات؛ لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن)؛ رواه مسلمرحمه الله 2956 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والصبر من معالم العظمة والكمال، والناجحون في الحياة هم الذين يقفون على الأمور بتأنٍّ وتريُّث ومصابرة، فالزرع لا يَنبُت ساعةَ البذر، ولا يَنضَج ساعة النبت، بل لابد من المكث شهورًا حتى يُجتنَى الحصاد المنشود، والجنين يظل في بطن أمه شهورًا حتى يستوي خلقُه، وقد أعلمنا الله عز وجل أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38]، وما كان ليُعجزه سبحانه وتعالى أن يُقيمها في طرفة عين أو أقل، سبحانه إنه على كل شيءٍ قديرٌ.
فالزمن ملابسٌ لكل حركة وسكون في الوجود، فإذا لم نُصابره اكتوينا بنار الجزَع، ثم لم نُغير شيئًا من طبيعة الأشياء التي تسير حتمًا على قدر.
من ثمار الصبر:
• الحصول على معية الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]؛ قال السعدي رحمه الله: أي: مع مَن كان الصبر لهم خلقًا وصفة ومَلَكةً بمعونته وتوفيقه وتسديده، فهانت عليهم بذلك المشاقُّ والمكارة، وسهُل عليهم كلُّ عظيم، وزالت عنهم كلُّ صعوبة، وهذه معية خاصة تقتضي محبته ومعونته ونصرَه وقُربه، وهذه مَنقبة عظيمة للصابرين؛ ا. هـ.
• مضاعفة أجر الصابرين؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
• المؤمن على قدر صبره ينال الرِّفعة في الدِّين؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
• سببٌ لدخول الجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 12].
• خصال الخير لا ينالها إلا الصابرون؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80].
• أنه سبحانه أخبر أنه إنما ينتفع بآياته ويتَّعظ بها الصابر الشكورُ؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [لقمان: 31].
• أنه أثنى على عبده أيوب بأحسن الثواب على صبره؛ قال تعالى: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44].
• أنه سبحانه حكم بالخسران حُكمًا عامًّا على كل مَن لم يؤمِن، ولم يكن من أهل الحق والصبر، وهذا يدل على أنه لا رابح سواهم، فقال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].
ونسأل الله العظيمَ ربَّ العرش العظيم أن يُلهِمَنا الصبر والمصابرة على طاعته ويوفِّقنا لمرضاته.
وصلِّ الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- التصنيف: