رمضان فرصة للتغيير
جاء رمضان لنتعَلَّم منه تحمُّل الشدائد والجلد أمام عقبات ومصاعب الحياة، فالصوم أيها المسلم فرصة عظيمة للتغيير، لماذا أيها الناس رمضان فرصة للتغيير؟ لأن رمضان فرصة العمر، وموسم البضاعة الرابحة.
خطبة الحاجة:
المقدمة:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، وقال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وقال رسول الله: «مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفر له...»؛ (متفق عليه).
وقال رسول الله وهو يُبشِّر أصحابه الأخيار الأبرار الأطهار، وكذلك يُبشِّر أُمَّته بقدوم هذا الضيف المبارك وهو شهر رمضان: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
أيها الناس، رمضان هذا الشهر المبارك، قد أقبل بنوره، وعطره، وجاء بخيره وطهره، جاء شهر رمضان ليُربِّي فينا قوةَ الإرادة، ورباطةَ الجأش، ويُربِّي فينا ملكة الصبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
جاء رمضان لنتعَلَّم منه تحمُّل الشدائد والجلد أمام عقبات ومصاعب الحياة، فالصوم أيها المسلم فرصة عظيمة للتغيير، لماذا أيها الناس رمضان فرصة للتغيير؟ لأن رمضان فرصة العمر، وموسم البضاعة الرابحة.
وكذلك وهو فرصة للتغيير؛ لما يسَّر الله تعالى فيه من أسباب الخيرات، وفعل الطاعات، فالنفوس فيه مقبلة، والقلوب إليه مشتاقة، ولأن رمضان تُسَلْسَل وتُربَط فيه مردة الشياطين.
وفي رمضان تُفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب الجحيم، ولله في كل ليلة من ليالي هذا الشهر المبارك عتقاء من النار، وفي رمضان ليلة هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ.
فهذه بشاراتٌ عظيمةٌ لمن تفكَّر وتأمَّل، فهل من مسارع إلى الخيرات؟ وهل من منافس في القربات؟ وهل من مُشمِّر لاستغلال هذا الشهر المبارك في عمل الطاعات، والمنافسة في عمل الصالحات؟
أيها الناس، قال رسول الله: «يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر».
أيها الناس، رمضان فرصة للتغيير لا تُعوَّض، كي يصبح العبد من المتقين، أيها الناس، لقد كان المجتمع الإسلامي في عهد رسول الله، وأصحابه مضرب المثل: في نزاهته وعظمة أخلاقه، وتسابُق أفراده إلى مرضاة ربهم، وكانت التقوى علامة بارزة في ذلك الجيل الفريد، جيل الصحابة، وجيل السلف الصالح، وهم بذلك يقتدون ويهتدون برسول الله عليه الصلاة والسلام: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
فهم يرون ويشاهدون رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وهو يقوم من الليل يصلي ويجتهد في طاعة ربِّه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين، حتى تورَّمَتْ قدماه.
أيها الناس، شهر رمضان طريق إلى جنة الله ورضوانه، شهر الجود والإحسان، شهر العتق من النيران، شهر تتزيَّن فيه الجنة لعباد الله الصائمين الصالحين القائمين.
رمضان شهر الصلة بالله وبكلام الله، وشهر صلة المسلم بسُنَّة رسول الله، رمضان شهر تجديد التوبة مع الله، شهر العبادة، وشهر التزوُّد من الأعمال الصالحات، رمضان شهر تشرق فيه النفوس والأرواح، شهر تضبط فيه سائر الجوارح بضوابط الشرع المطَهَّر: كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
شهر رمضان شهر الترويح عن النفوس بصلاة التراويح، وكثرة قراءة كلام الله تعالى القرآن الكريم، وكثرة ذكر الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
شهرُ رمضان شهرُ البذل والعطاء والسخاء، شهرُ رمضان شهرُ الصفاء ونقاء القلوب.
في رمضان يتعوَّد المسلمُ تركَ ما يضره في دينه أو دنياه أو بدنه.
قال الإمام المبارك الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: إن الله جعل شهر رمضان ميدانًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخَلَّف آخرون فخابوا.
وقال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: إذا أصبحت فليصُم سَمْعُك وبَصَرُك ولسانُك عن الكذب والمحارم، واترك أذى الجار.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: أحبُّ للصائم الزيادة بالجود في شهر رمضان، اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات.
وقيل للأحنف بن قيس: إنك شيخ كبير وإن الصوم يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل.
أيها الناس، إن رمضان شهرٌ عظيمٌ ومباركٌ، وموسمٌ كريمٌ وتجارةٌ رابحةٌ لن تبور بإذن الله تعالى.
أيها الناس، رمضان فرصة للتغيير لمن كان مِنَّا مُفْرِطًا في صلاته، مُقصِّرًا في أداء هذه الفريضة العظيمة والركن الثاني من أركان الإسلام، فرصة لمن تهاون مِنَّا في أداء صلاته أو أخَّرها عن وقتها لغير عذر شرعي، أو فَرَّط في أدائها مع جماعة المسلمين في المساجد، فهذا شهر الصيام يحثُّك ويعلمك كيف تكون حريصًا على أداء هذه العبادة كما أمر الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
وكما كان رسول الله محافظًا عليها، وهو القائل: صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي.
عن سَمُرة بن جندب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا، قال: «أما الرجل الذي يُثْلَغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة»؛ (رواه البخاري).
ورمضان فرصة لمن كان مُقصِّرًا منا في نوافل الطاعات والأعمال الصالحات، فالنفوس تتهيَّأ وتُقبِل القلوبُ على ربِّها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعةً تطوُّعًا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة»؛ (رواه مسلم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»؛ (رواه مسلم).
فرمضان شهر صلاة التراويح، فكونوا ممن يسارع إلى هذه السنن والنوافل.
ورمضان فرصة لمن عوَّد لسانه على السبِّ والشتمِ واللعن أن يتقي الله في ذلك، وأن يحكم لسانه وجوارحه «وليَقُلْ إني صائم».
ورمضان فرصة لمن أعطاهم الله من فضله من مال، وليكن ممن يسعى إلى مد يد العون لإخوانه المسلمين المحتاجين، وليتحسَّس أقاربه وأرحامه وجيرانه.
ورمضان فرصة لمن كان بينه وبين أقاربه وأرحامه أو جيرانه من القطيعة أو الشحناء، فليُبادِر إلى إصلاح ذات البَيْن والعفو والصفح «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».
أيها الناس، شهرُ رمضان شهرٌ مباركٌ، شهر الصيام والقيام، شهر العتق من النيران، شهر الغفران، شهر الصَّدَقات والإحسان، شهر تُفتح فيه أبواب الجنات وتُغلَق فيه أبواب النيران، شهر تُجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدرجات، وتُقال فيه العثرات.
أيها الناس، شهر رمضان فيه يشعر المسلم بإخوانه المسلمين المظلومين في كل مكان، ويتألم المسلم لحال إخوانه المسلمين، وها هو شهر رمضان يدخل على الأمة الإسلامية وجراحاتها تنزف دمًا، في فلسطين وغزة، وفي أماكن كثيرة من عالمنا الإسلامي، حرب على الإسلام والمسلمين، وحرب على العقيدة والدين، وحرب على سنة سيد المرسلين، وحرب على الأخلاق، وحرب على مقدسات المسلمين، اعتداء صارخ من أحفاد القردة والخنازير على إخواننا في الدين والعقيدة في أرض الإسراء والمعراج، وتدنيس للمسجد الأقصى.
آلاف القتلى وآلاف الجرحى وآلاف الجوعى، وآلاف المحاصرين، وأُمَّتنا في سُباتٍ عميقٍ!
اليهود والنصارى وسائر أعداء الدين والعقيدة يعيثون في الأرض الفساد، وحُكَّام المسلمين غارقون في العمالة والتطبيع مع الأعداء، فهل سيكون هذا الشهر المبارك فرصةً للتغيير من أحوال أهل الإسلام، أن نعود إلى ديننا وعقيدتنا وشريعتنا وكتاب ربِّنا وسُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على منهج الصحابة الأخيار الأبرار الأطهار، حتى يعود لنا عِزُّنا ومجدُنا، نسأل من الله ذلك.
ألا وصلوا...
___________________________________________________
الكاتب: أبو سلمان راجح الحنق
- التصنيف: