معالجة الزكاة لمشكلة الفقر والمشاكل الاجتماعية

منذ 20 ساعة

من حكمة الله أَنْ شَرَعَ الزكاة التي هي عبادة وشكر لله على نعمة المال، وتطهير للمزكِّي من البخل والطمع، وتطهير للمسكين من الحقد والحسد..."

معالجة الزكاة لمشكلة الفقر والمشاكل الاجتماعية

من حكمة الله أَنْ شَرَعَ الزكاة التي هي عبادة وشكر لله على نعمة المال، وتطهير للمزكِّي من البخل والطمع، وتطهير للمسكين من الحقد والحسد، وتطهير للمال الحلال من الشُّبُهات والأدناس، والزكاة مَغنم للأغنياء لا مَغرم؛ فهي بركة للمال وسبب لحفظه من المصائب أو تخفيفها عند وقوعها، وفي الزكاة تحقيق التكافل الاجتماعي والتراحم والمودة بين المسلمين، وفيها قطع لكثير من أسباب الجرائم في المجتمع، وفيها حلٌّ لكثير من مشكلات المسلمين الفردية والجماعية، وفيها صلاح القلوب والأخلاق، وتحقيق الأمن والسعادة والطمأنينة، والخير في الدنيا والآخرة.

 

والأصح عند الفقهاء أنه لا تحديد في قدر ما يُعطى المسكين من الزكاة، إلا ما يُخرجه من حدِّ الفقر إلى الغِنى، قلَّ ذلك أو كثر؛ روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه (الأموال)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "إذا أعطيتُم فأغْنُوا"، وعن عطاء بن أبي رباح قال: "إذا أعطى الرجل زكاة ماله أهلَ بيت من المسلمين، فجبرهم، فهو أحب إليَّ".

 

ويستحب جمهور العلماء أن يُعطى المسكين تمام كفايته سنة، والأَولَى إن كثرت الزكاة أن يُعطى المسكين ما يستغني به، فإن كان يستطيع العمل في حرفة، أُعطي مالًا يشتري به أدوات حرفته، قلَّت قيمة ذلك أو كثرت، وإن كان يستطيع التجارة، أُعطيَ رأس مال لتجارةٍ تناسبه، وإن كان يناسبه رعيُ الأغنام، أُعطي ما يشتري به غنمًا، وهكذا.

 

فالزكاة تساهم في تحويل الفقراء والمساكين إلى أفراد منتجين؛ فهي تشغل الطاقات المعطَّلة في المجتمع، وتسهِّل على المساكين تنمية مهاراتهم، وتدعم قدراتهم المهنية، وليست الزكاة لتلبية احتياجات المساكين الاستهلاكية فقط، ومن الأمثال الحكيمة: "لا تعطِني سمكة، ولكن علمني كيف أصطادها"، وإن كان بعض المساكين يُكتفى بإعطائه حاجته الاستهلاكية؛ ككبار السن، وصغار السن، والمعاقين، وإن كان بعضهم يمكن تأهيله بما يخدم المجتمع؛ كتعليم صغار السن، وتمويل المشاريع الصغيرة، وتدريب الفقراء على مزاولة بعض المهن، وتعليمهم بعض العلوم النافعة، وتمليكهم أصولًا إنتاجية.

 

والزكاة تساهم في إعادة توزيع الثروة في المجتمع بشكل عادل، وتمنع تداول الأموال بين الأغنياء فقط، مما يحقق التوازن الاقتصادي، ويقلل من الفجوة الطبقية، فالزكاة توسِّع قاعدة التملك في المجتمع، وتساعد في تحويل الفقراء إلى مكتفين ذاتيًّا، مما يحد من ظهور الطبقات المتفاوتة، ومع الوقت يصير كثير من المساكين الآخذين للزكاة أغنياء مؤدِّين للزكاة.

 

والزكاة تقلل من وقوع الجرائم التي سبَّبها الفقر والبطالة؛ حيث يؤدي التكافل الاجتماعي الناتج عن الزكاة إلى تقليل معدلات الجريمة، حين تتيسر للفقراء احتياجاتهم الأساسية من الطعام والمسكن، والعلاج والزواج، مما يحد من دوافع السرقة والاحتيال والجرائم الأخلاقية، فالزكاة تمنح المسكين الشعور بالكرامة والانتماء إلى المجتمع، وتبعد عنه مشاعر الحقد والحسد على الأغنياء، وتحميه من الانحراف بسبب الحاجة، وتغرس فيه حب الخير للآخرين، فيشعر الفقراء أن حقوقهم مضمونة، وأن الأغنياء يرحمونهم ويعطفون عليهم، ويساعدونهم على تحقيق آمالهم، ويشعر الأغنياء بالسعادة لمساهمتهم في التخفيف عن معاناة المحتاجين، وإعانتهم على تحقيق أهدافهم، وقضاء ديونهم، وإدخال السرور إلى قلوبهم، فالزكاة تُطهِّر نفس الغني من الطمع والبخل والأنانية، وتغرس فيه الإيثار وحب الخير للمجتمع، وتمنحه الشعور بالطمأنينة، لا سيما أن الزكاة مكفِّرة للذنوب، ودافعة للبلاء، وجالبة لرحمة الله وبركته، والله يحب المحسنين، ورحمته قريب من المحسنين.

 

والزكاة تُسهم في حل كثير من الخلافات الزوجية والأسرية، والمشاكل الاجتماعية المختلفة، فكثير من المشاكل سببها المشاحَّة في الأموال، وحلُّها غالبًا بالصلح، والزكاة باب عظيم لحل تلك المشاكل، لا سيما أن من مصارف الزكاة الغارمين، مما يشجع الناس على الغرم في إصلاح ذات البين، وفي المشاركة في المصالح العامة للمسلمين، فيُقضى غرمهم من الزكاة وإن كانوا أغنياء.

 

فالحمد لله الذي شرع الزكاة، وجعلها نظامًا متكاملًا يعالج كثيرًا من المشكلات الاقتصادية، والاجتماعية، وجعلها أداة فعَّالة في بناء مجتمع متوازن ومستقر.

  • 1
  • 0
  • 54

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً