خطورة النوم عن الصلاة الواجبة
إن النائم عن الصلاة مُهمل ومفرِّط في أداء رُكن من أركان الإسلام، ولهذا استحقَّ العقوبة في البرزخ وبعد قيام الساعة، بل إن المفرِّط في الصلاة يُنبئ عن قلة الإيمان المنغرس في قلبه، حتى عُدَّ في ميزان الشرع من المنافقين
عن طلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ نَجدٍ ثائرَ الرَّأسِ، يُسمَعُ دَويُّ صوتِه ولا يُفقَهُ ما يَقولُ، حتى دَنَا، فإذا هو يسألُ عن الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أنْ تَطوَّعَ» [1].
في خطورة النوم عن الصلاة الواجبة:
الحمد لله مدبِّر الليالي والأيام، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تُحيط به العقولُ والأوهام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وعلى سائر آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليمًا؛أما بعد:
فما أعظم عطايا الرب لخلقه، وأعظم العطايا التي ألزَمنا فيها، تَحمِل الخير والنفع العظيم لنا، ولكن للأسف أن كثيرًا منَّا هداهم الله قد قصَّروا فيها ولم يَعرِفوا قِيمتها، بل أصبحوا يتثاقلونها، فهم لم يَذوقوا حلاوتها ولم يتنعَّموا بها، إن النوم عن الصلاة معصية عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب.
إن النائم عن الصلاة مُهمل ومفرِّط في أداء رُكن من أركان الإسلام، ولهذا استحقَّ العقوبة في البرزخ وبعد قيام الساعة، بل إن المفرِّط في الصلاة يُنبئ عن قلة الإيمان المنغرس في قلبه، حتى عُدَّ في ميزان الشرع من المنافقين، ومما توعَّد الله به النائم عنها قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، والنائم عن الصلاة ممن أضاع الصلاة، ومعنى: غَيًّا): قال ابن عباس رضي الله عنهما: خسرانًا، وقال قتادة: شرًّا، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وادٍ في جهنَّم بعيدُ القعر خبيثُ الطعم، وقال سبحانه متوعدًا أهلَ التفريط والإهمال، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7]، قال ابن مسعود: ذلك أي: ذلك الوعيد على مواقيتها؛ يعني عن تأخيرها عن وقتها، قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن ذلك إلا على ترْكها[2].
ومن العقوبات التي توعَّد بها الذي ينام عن الصلاة: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سمرة بن جندب قال صلى الله عليه وسلم في رؤياه التي رآها في المنام، ومُروره على المعذبين في البرزخ، حتى قال: «وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرةٍ، وإذا هو يَهوي بالصخرة لرأسه، فيَثلَغُ رأسه، فيَتدهَده الحجر ها هنا، فيَتبع الحجرَ فيأخُذه، فلا يرجع إليه حتى يَصِحَّ رأسُه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعَل به مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله، ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق، وقد فسَّرها في نهاية الرؤيا بقوله: أما إنَّا سنُخبرك، أما الرجل الأول الذي أَتيت عليه يَثلَغُ رأسَه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيَرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة» [3].
عباد الله، مع ما يُكتب للعبد من عقوبة عندما ينام عن الصلاة المكتوبة، فإنه قد فرَّط في أجور كثيرة؛ فإن الشكاية في النوم عن الصلاة، إنما هي صلاة الفجر والعصر غالبًا، وإن النائم عنهما يكون قد فرَّط في أجرٍ عظيم، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» [4].
فكم من مسلمٍ جاءت الملائكة للصلاة، فوجَدتْه نائمًا وتركَتْه وهو نائمٌ، والنائمُ قد فرَّط في آخر مَعقِل مِن مَعاقل الإيمان؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ، وَآخَرَ مَا يَبْقَى الصَّلَاةُ»[5].
اللهم أعنَّا على أسباب مَرضاتك، وجنِّبنا أسبابَ سَخَطِك[6].
[1] أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).
[2] انظر: تفسير ابن كثير (5/245).
[3] أخرجه البخاري (7047)، ومسلم (2275).
[4] أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632).
[5] أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (171)، والقضاعي في الشهاب (216)، وصحَّحه لشواهده الألباني في الصحيحة (1739).
[6] ملخص من خطبة للدكتور خالد الشايع.
__________________________________________
الكاتب: د. صغير بن محمد الصغير
- التصنيف: