الصيام وأثره في استجابة الدعاء
الدعاء من الأعــــمال الصالحة التي يندب الإكثار منها في شهر رمضان؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الدعاء من الأعــــمال الصالحة التي يندب الإكثار منها في شهر رمضان؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، ففي هذه الآية الكريمة يبين الــحق سبحانه وتـــعالى أنه جل شأنه قريب من عــباده الصالحين، يسمع دعاءهم، ويجيب سائلهم، ويقضي حوائجهم، خصوصًا في شهر رمضان، وهو ما يرشــــــــد إليه ســـياق الآية الكريمة.
فالآية وردت في ثنايا الحديث عن صيام شهر رمضان، في إشارة منه سبحانه وتعالى إلى أهمية الدعاء في هذا الشـهر، وأن الصيام من ثمراته العظيمة أنه يؤهـــــل الإنسان ليكون مستجاب الــدعاء، وفي هذا يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله: في هذه الآية إيماء إلى أن الصائم مرجوُّ الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعــواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان[1].
وهذا ما تؤكده الأحاديث النبوية الــــشريفة، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعــوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفــــطر، ودعوة المـظلوم» [2]. فذكر صلى الله عليه وسلم من جملة مـــن لا يـــرد دعاؤهم الــصائم، لماذا؟
أولًا: لأن الصيام يقرب إلى الله، والعبد كلما كان قريبًا من الله تعالى، كانت دعــوته مستجابة.
ثانيًا: لأن الصيام يطهر القلب، ويزكي النفس، والعبد كلما كان طاهر القلب زكي النفس، كانت دعــــــوته مستجابة.
ثالثًا: لأن الصيام يكسر كبرياء النفس، ويذكر العبد بضعفه وافتقاره إلى الله تعالى، والــــعبد كلما كان منكسرًا، خاضعًا، مفتقرًا إلى الله، كانت دعــوته مستجابة.
رابعًا: لأن الصيام فيه اسـتجابة لأمر الله، والعبد كلما كان مسـتجيبًا لله كانت دعوته مستجابة؛ لأن الجزاء من جنس الــــــعمل.
خامسًا: لأن الصيام يجنب الــــــعبد الوقوع في الحرام، وكلما كان العبد بعيدًا عن الحرام، كانت دعوته مستجابة.
سادسًا: لشــرف الزمان، الذي هو رمضان، وقد دلَّت النصوص الشرعية على أنه كلما كان الزمن فاضلًا، كانت الدعوة مستجابة؛ ولهذا كان الدعاء مستجابًا في الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وفي أدبار الــصلوات، وفي شــهر رمضان، وخاصة عند الفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن للصائم عند فطره لــدعوةً ما ترد» [3].
ولهذا كان من الأدعية التي يستحب الــدعاء بها في شهر رمضان، ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم عند فطره، فقــد كان يقول:ذهب الــــظمأ، وابتلَّت العروق، وثبَت الأجر إن شاء الله[4].
ومنها ما كان يدعــــو به ابن عمر رضي الله عنهما، عند فطره، فقد كان يقول: ((اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفــــــر لي))[5].
ومنها ما كان يدعـــو به أحد الصالحين، فقد كان يقول عند فطره: ((الــــحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت))[6].
وللإنسان أن يدعـــــو بما شاء في شهر رمضان، فشهر رمضان هو شهر الدعاء، وقد وعد سبحانه وتعالى باســــــتجابة دعاء من دعاه، حيث قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]. فمن دعا الله تعالى اسـتجاب الله تعالى دعاءه.
فقد استجاب سبحانه وتعالى لأيوب عليه السلام لما دعاه؛ حيث قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 83، 84].
واستجاب الله تعالى دعاء يونس عليه السلام لما دعاه وهو في بطن الحوت؛ حيث قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87، 88].
واستجاب الله تعالى لزكريا عليه السلام لما دعاه؛ حيث قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 89، 90]. والنماذج كثيرة جدًّا، وكلها شاهدة على أن العبد متى دعا الله تعالى اســـتجاب الله دعاءه، مع مراعاة شــروط قبول الدعاء، ومنها: اليقين في الله باستجابة الدعاء، ومنها عدم العجلة في الاستجابة، ومنها تحـــري أوقات الاستجابة، ومنها الإلحاح في الدعاء، ومنها ألا يدعو الإنسان بإثم أو قطيعة رحم، ومنها البعد عن أكل الحرام.
[1] التحرير والتنوير، ج2، ص179.
[2] سنن ابن ماجه، باب في الصائم لا ترد دعوته.
[3] سنن ابن ماجه، باب في الصائم لا ترد دعوته.
[4] سنن أبي داود، باب القـــــول عند الإفطار.
_____________________________________________
الكاتب: الدخلاوي علال
[5] سنن ابن ماجه، باب في الصائم لا ترد دعوته.
[6] مصنف ابن أبي شيبة - ما قالوا في الصائم إذا أفطر، ما يقول؟
- التصنيف: